الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مذكّرات صقر (عن قصة حقيقية)
علي إبراهيم آلعكلة
كاتب
(Ali Ogla)
2025 / 4 / 12
الادب والفن

في إحدى حارات بغداد العتيقة، وفي بيتٍ تغمره المحبة والبساطة، وُلد الطفل الذي ستتعلق به القلوب يوماً. عمت الفرحة البيت، وعلت الزغاريد من أفواه الجيران، ونُحرت الذبائح كما تجري العادة في تلك المناسبات. كبر الطفل بين أزقة المدينة القديمة، وتربّى على الأصالة والكرامة، حتى غدا شاباً يافعاً، تطلّ من عينيه أحلامٌ واسعة وطموحات لا تعرف المستحيل.
في أحد الأيام، لمحت عيناه فتاةً من الحي، ونظرتهما التقت في لحظة خاطفة حُفرت في القلب. لم تكن نظرة عابرة، بل كانت بداية شيء غامض، عميق، وعصيّ على التفسير. وبعد ترددٍ طويل، وتصارعٍ داخلي مع الخجل والخوف، قرر أن يكتب لها رسالة... فقد كانت تلك وسيلة العشاق في زمنٍ بلا هواتف، بلا رسائل إلكترونية، فقط ورقٌ يحمل القلب والحبر.
بدأت بينهما رحلة حبّ بريء، كل رسالة كانت موعداً، وكل كلمة وعداً. أحبها من قلبه، بصدقٍ نادر، لكنها كانت تعلم جيداً فقر حاله، وتعلم أن الزواج ليس حلماً سهلاً. ومع ذلك، تمسكت به، ورفضت كل من تقدم لها، حتى استغرب أهلها من هذا الإصرار العجيب.
وذات صباح، وقعت عينه على إعلان في الجريدة: "فتح باب التقديم لكلية القوة الجوية العراقية – دورة الضباط الطيارين." كان قد أنهى الثانوية للتو، ولم يتردد. توجّه إلى مراكز التقديم، واجه الزحام والاختبارات الصعبة، لكنه لم يكن ليتراجع. اجتاز الفحص الطبي والبدني، وأخبروه أن ينتظر النتيجة.
خلال تلك الأيام الثقيلة، ظل يكتب لحبيبته، يشكو لها القلق، ويهديها الأمل. وأخيراً، جاء الخبر المنتظر: "لقد تم قبولك في الكلية الجوية." كانت تلك لحظة فاصلة في حياته، بداية حلمه، وبداية طريق الخطر.
تخرّج بتفوق، وبدأ رحلته في الطيران على متن الطائرات المقاتلة، في أواخر الحرب العراقية – الإيرانية. لم ينسَ وعده لها، فتقدم لخطبتها، وتمت الخطوبة على أمل الزواج بعد عام.
وفي ليلة شتوية باردة من عام 1987، عند الساعة العاشرة، دوّى جرس الإنذار في القاعدة الجوية: "هدف معادٍ فوق الخليج." أقلع بطائرته خلال دقائق، ووجد نفسه في مواجهة مباشرة مع الطائرة المعادية. خاض معركة جوية شرسة، أسقط فيها الهدف... لكن فرحته لم تكتمل.
لاحظ انخفاضاً حاداً في الوقود، وأبلغ مركز القيادة. حاول العودة، لكن الطائرة اختفت من على شاشات الرادار. بدأت عمليات البحث، ومرت الأيام ثقيلة، حتى وصل الخبر: "سقطت الطائرة في البحر... ولم يُعثر على جثمانه حتى اليوم."
في غرفته بالقاعدة، وُجد دفتر مذكراته. كانت آخر صفحة فيه تحمل كلماتٍ تمزق القلب:
"أشعر بضيقٍ في نفسي... يا رب، ساعدني أن أجتاز الصعاب في حياتي. يا رب، اجمعني بها في بيت واحد... إنك على كل شيء قدير. ولا حول ولا قوة إلا بالله"
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مع اقتراب مهرجان الزمن الجميل بدورته الثامنة... الممثلة ميرن

.. -انتصرنا على أمريكا وإسرائيل-.. مراسل الجزيرة يرصد الرواية ا

.. تشييع جثمان الكاتب الكبير محمد عبد المنعم والد الفنان تامر

.. الموسيقى والغذاء في مواجهة المجاعة في السودان

.. ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟ • فرانس 24
