الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
أرض جديدة
علي دريوسي
2025 / 4 / 24الادب والفن

في مدينة صغيرة على أطراف الشمال السوري، كانت الأرصفة تضج بالحياة، رغم بؤس الحروب والألم الذي نُقش على جدران البيوت المتصدعة. على هذه الأرض التي أنهكتها الصراعات، يعيش "يوسف" و"ليلى"، شابان يحملان أفكارًا متناقضة حول ما يمكن أن يكون عليه المستقبل.
كان يوسف يرى في الثورة أملًا لا ينضب. كان يؤمن بأن انتصارها سيعيد العدالة إلى الأرض ويغسل عنها دماء القهر. لكنه، في قرارة نفسه، كان يتساءل: ماذا بعد؟ كيف يمكن لأي انتصار أن يصنع عدالةً في عالمٍ متشظٍ؟
أما ليلى، فكانت تترقب بصمت سقوط النظام الذي أنهك شعبها. لكنها ترى في صعود أي سلطة جديدة خوفًا آخر، ربما سيكون قمعًا بحلة جديدة أو فوضى لا حدود لها. ومع ذلك، كانت تخشى أن تصرح بذلك علنًا؛ إذ لم تكن تريد أن تُفهم على أنها متخاذلة أو متشائمة.
في أحد الأيام، اجتمع يوسف وليلى في ورشة عمل نظمها المجتمع المدني تحت عنوان "معًا نصنع الغد". كان الحاضرون من مختلف الخلفيات، شباب وشابات، كبار وصغار، أناس فقدوا الكثير لكنهم لم يفقدوا الإيمان بإنسانيتهم.
وقف "عادل"، أحد منظمي الورشة، وقال بصوت قوي:
"نحن هنا اليوم لا لنناقش من كان على حق ومن كان مخطئًا. لا لنضع ثقلنا في كفة الثورة أو كفة أي جهة أخرى. نحن هنا لأننا سوريون، ببساطة. لأننا نريد أن نزرع شجرة وسط هذا الخراب، وأن نبني جسورًا فوق أنهار من الدموع."
في تلك اللحظة، شعر يوسف بشيء يتحرك داخله. كان يعلم أن الثورة لا تعني فقط إسقاط الظلم، بل بناء حياة جديدة. وبدأ يرى أن النصر ليس نهاية الطريق، بل بدايته.
أما ليلى، فوجدت في كلمات عادل شيئًا مألوفًا. لم تكن تؤمن بأن السماء ستمطر عدالة بمجرد سقوط النظام، لكنها رأت أن الأرض يمكن أن تثمر عدلًا لو ساهم الجميع في زراعتها.
مع مرور الأسابيع، بدأ يوسف وليلى العمل معًا، جنبًا إلى جنب، رغم اختلاف رؤاهما. ساعدا في إنشاء مكتبة صغيرة للأطفال الذين حُرموا من التعليم، وعملا على حملة لتوزيع مواد إغاثية على النازحين، وشاركا في مبادرات لرأب الصدع بين القرى المتنازعة.
كانا يعرفان أن الطريق طويل، وأن السماء لن تمطر عدالة فجأة، لكنهما أدركا أن العدالة يمكن أن تنبت على أيديهم وأيدي من حولهم.
في يوم من الأيام، وبينما كانا يزرعان شجرة زيتون في ساحة مهجورة، قالت ليلى ليوسف بابتسامة: "ربما لن نرى هذه الشجرة تكبر، لكن يكفينا أننا زرعناها."
ابتسم يوسف وردّ: "الأمل مثل الزيتون، يحتاج صبرًا طويلًا، لكنه دائم الجذور."
وفي تلك اللحظة، تحت سماء مثقلة بالغيوم، شعرا أن الوطن الذي يحلمان به ليس فكرة مستحيلة. بل كان يخطو خطواته الأولى، على أيديهم وأيدي كل من قرروا أن يكونوا بذورًا لسلام جديد.
في ذلك المساء كتبت ليلى في دفترها الخاص:
إذا كان من الصعب على عقول بعض السوريين الإيمان بانتصار ثورة الأغلبية أو عدم انتصارها، وإذا كان يصعب على مخيلاتهم ـ بعد هزيمة النظام الخائن المجرم ـ التصديق بأن السماء ستمطر عدالة ورخاء على يد الجولاني أو قمعًا ووحلًا، فهذا لا يمنعهم أبدًا من المساهمة في تعزيز نفوذ المجتمع المدني وبناء جسور المحبة والسلام والتعاضد على أرض الواقع.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مع اقتراب مهرجان الزمن الجميل بدورته الثامنة... الممثلة ميرن

.. -انتصرنا على أمريكا وإسرائيل-.. مراسل الجزيرة يرصد الرواية ا

.. تشييع جثمان الكاتب الكبير محمد عبد المنعم والد الفنان تامر

.. الموسيقى والغذاء في مواجهة المجاعة في السودان

.. ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟ • فرانس 24
