الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
شعب خروفي وساسة ذئبيون...الفساد أزمة وطن
خورشيد الحسين
2025 / 4 / 26مواضيع وابحاث سياسية

ليس الانهيار في لبنان وليد لحظة طارئة، بل ثمرة مرّة لعقود من التراكمات الفاسدة التي صنعتها زعامات تعاقبت على السلطة باسم الطائفة تارة، وباسم الحماية والخوف من "الآخر" تارة أخرى. المفارقة أن الشعب، رغم ما أصابه من خيبات وانكسارات، لا يزال يُعيد إنتاج ذات المنظومة، رافعًا رايات الولاء لمن سرقه وأذله. هذه المقالة تقارب المسألة من زاويتين: فساد متأصل في بنية الحكم، وعناد متجذّر في وعي المواطن، كلاهما يفضي إلى المصير نفسه. بين فساد ينهش الدولة وشعب لا يزال يراهن على ذات الوجوه، يتمثل لبنان اليوم في مفترق طرق خطير.
لبنان اليوم يُعاني من أزمة مركّبة تخلخل كيان الوطن وتهدد وجوده، هذه الأزمة ليست مجرد أزمة اقتصادية أو سياسية عابرة، بل هي أزمة بنيوية عميقة. الأمر يتجاوز الانهيار الاقتصادي إلى أزمة أخلاقية، سياسية، وثقافية. الأزمات المتراكمة تفضح النظام السياسي الذي يسيطر عليه الفساد، نظام تم بناؤه على أسس طائفية وقائمة على المحاصصة بين القوى السياسية. فالعامل الطائفي ليس مجرد أداة للحفاظ على توازنات اجتماعية، بل أصبح أداة للفساد، جعلت من الهيئات الحكومية والمؤسسات العامة مجرد أدوات لخدمة المصالح الضيقة لبعض الزعماء، بعيدًا عن خدمة الوطن والمواطن.
في هذا الإطار، نجد أن "الشعب العنيد" لا يزال يتمسك بالزعامات السياسية رغم فسادها وتورطها في تهريب الأموال واحتكار السلطة. هذا الشعب، الذي يعاني من الفقر المدقع والبطالة، ومن غياب أبسط مقومات الحياة اليومية، يعجز عن تفكيك الصلة بين الطائفية والحكم. رغم الوعود الكاذبة والتورط الواضح للزعماء في عمليات الفساد، يظل المواطن اللبناني أسيرًا لصوت الزعيم، هذا الصوت الذي يزداد صداه في كل انتخابات أو مناسبة سياسية، مما يرسخ فكرة التبعية والطائفية في الوعي الشعبي.
ففي كثير من الأحيان، يتعامل المواطن مع زعيمه وكأنه الأب الروحي الذي لا يُستبدل. يعتقد أن بقاءه تحت جناح هذا الزعيم هو الضمان الوحيد لاستمرار هويته الطائفية وحمايته من الآخرين. لكن هذا الفهم لا يساهم في حل الأزمة، بل يعمقها، حيث يُظهر المواطن في سلوكه السياسي ما يشبه حالة الإنكار تجاه الحقائق المرة. يتوجه الشعب إلى وسائل التواصل الاجتماعي ليتبادل الغضب على الوضع، لكنه في اللحظة الحاسمة يعود ليدافع عن ذات النظام الذي كان قد خرج ضدّه. هذا التناقض يعكس الازدواجية في الوعي الجمعي اللبناني، الذي يبقى رهينًا للخوف من المجهول الطائفي بدلًا من التطلع إلى دولة مدنية تعزز من استقلاله وكرامته.
من ناحية أخرى، يظهر الفساد في لبنان ليس فقط في السرقات أو في الصفقات السياسية، بل في كل مفاصل الحياة. أزمة الكهرباء، التي استنزفت أكثر من 40 مليار دولار دون أن تحل المشكلة، تُعتبر خير مثال على الفشل المؤسسي. ومثلها أزمة النفايات، التي فاحت رائحتها في عام 2015 لتكشف عن حجم الفساد في إدارة الموارد العامة. حتى الانفجار المأساوي في مرفأ بيروت، الذي دمر جزءاً كبيراً من العاصمة في أغسطس 2020، كان تتويجًا لعقود من الفساد والإهمال. فعلى الرغم من التحذيرات المستمرة من المخاطر التي يشكلها وجود المواد القابلة للانفجار، لم يتحرك أحد من المسؤولين لتأمين سلامة المواطنين.
هذه الأمثلة ليست مجرد حوادث عابرة، بل هي تجسيد لثقافة الفساد التي باتت جزءاً لا يتجزأ من النظام السياسي في لبنان. ولكن، كيف يمكن للمواطن اللبناني أن يتحرر من هذه الحالة؟ كيف يمكنه أن يطالب بإصلاح حقيقي في ظل هذه المنظومة الطائفية المتجذرة في تاريخه؟ إن الإصلاح ليس أمرًا طفيفًا، بل هو عملية تتطلب تفكيكًا جذريًا للهيكل السياسي والاقتصادي الذي أنتج هذا الفساد.
الإصلاح يجب أن يبدأ أولاً بتفكيك النظام الطائفي الذي جعل من الدولة اللبنانية مجرد ساحة لتبادل المنافع بين الزعامات. إن إقرار قانون فعلي لاستقلالية القضاء هو أمر جوهري، لا بد من تمكينه من ملاحقة الفاسدين دون أن يكونوا محصنين أو تحت أي نوع من الحماية السياسية. كما يجب أن يصبح الشفافية قيمة أساسية في التعامل مع الأموال العامة، وأن يتم تعزيز الرقابة المالية والإدارية في كل مؤسسات الدولة. الحلول التقنية وحدها لا تكفي. الشفافية والعدالة هي التي يجب أن تقود إلى التغيير الفعلي.
في هذه اللحظة الحرجة، لبنان بحاجة إلى ثورة قيم حقيقية. هذه الثورة يجب أن تبدأ من أسس التعليم والمناهج، مرورًا بتغيير سلوك السلطة الحاكمة، وصولًا إلى بناء دولة مدنية حقيقية لا تفرق بين المواطنين على أساس طائفي أو ديني، بل تضمن لكل مواطن حقوقه وكرامته. وطن لا يركع فيه المواطن على أبواب الزعيم، بل يرفع فيه المواطنون العلم اللبناني، متحدين ضد الفساد والطائفية.
في النهاية، يبقى الخلاص رهناً بتحرير الوعي الجمعي من أسر الزعامة الطائفية، وصناعة إرادة وطنية حرة قادرة على انتزاع وطن من براثن السماسرة والطغاة. لبنان يستحق أكثر من مجرد حلول سطحية، ويستحق أن يكون مثالاً لدولة مدنية قائمة على العدالة، الشفافية، والمساواة. لا يمكن أن يبقى الوطن رهينة لنظام أفسد الحياة السياسية والاجتماعية. فالتغيير الحقيقي يبدأ عندما يقرر الشعب أن يقف ضد الطائفية، ويبحث عن خلاصه بعيدًا عن خطابات الزعماء الوهمية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. وكالة إيرانية تنشر مشاهد لقائد فيلق القدس إسماعيل قاآني بعد

.. الحرب على غزة تحرم آلاف الطلبة في غزة من امتحانات الثانوية ل

.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم عسكر الجديد شرق نابلس

.. النجم الفرنسي بول بوغبا يقترب من العودة إلى الملاعب والوجهة

.. مسؤول إسرائيلي كبير: التقارير بشأن عدم تعرض المنشآت النووية
