الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
القراءة: رحلة نحو الذات والعالم
أميمة البقالي
(Oumaima Elbakkali)
2025 / 5 / 18
الادب والفن
في عالم يركض وراء السرعة، وتضج فيه الأصوات والصور، تبقى القراءة ملاذًا هادئًا للروح، ونافذة مشرعة على عوالم لا تنتهي. قد يظن البعض أن القراءة عادة قديمة أو هواية للفراغ، لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير. فالقراءة ليست مجرد هواية، بل فعل وجودي يُعيد تشكيل الإنسان من الداخل، وينقله من حالة السكون إلى الوعي، ومن ضيق اللحظة إلى اتساع الأفق.
الكتاب ليس ورقًا وحبرًا فحسب؛ إنه روح، وصوت، وحضور خفي. حين نفتح كتابًا جيدًا، فإننا لا نقرأ فقط كلمات المؤلف، بل ندخل حوارًا مع أفكاره، ونعيش تفاصيله، ونُعيد اكتشاف ذواتنا في مراياه. فربما نجد في قصة بطل غريب ملامح من ضعفنا أو قوتنا، وربما نُعيد النظر في أفكار كنا نظنها راسخة، فقط لأننا قرأنا وجهة نظر مختلفة، مكتوبة بإحساس صادق.
القراءة ووعي الذات
أكثر ما تمنحه القراءة للإنسان هو فرصة اللقاء مع ذاته. في الزحام، لا يجد الإنسان وقتًا ليسأل نفسه: من أنا؟ ماذا أريد؟ إلى أين أمضي؟ لكن القراءة تُجبِرُنا، بل تُغري عقولنا، للوقوف مع هذه الأسئلة العميقة. كم من قارئٍ وجد نفسه يبكي دون أن يدري لماذا، فقط لأنه قرأ فقرة لامست وجعًا كان يخبئه في داخله؟ وكم من فتاة شعرت أنها لم تعد وحيدة حين قرأت قصة تشبه حكايتها؟
الكتب الصادقة ليست مجرد حكايات، بل مرايا، وخرائط، ومفاتيح. القراءة تُربّي فينا الصبر، وتعوّدنا على الإصغاء، وتعلّمنا أن لكل فكرة وجهين، ولكل إنسان قصة خفية. هي أيضًا تزرع فينا التواضع؛ فكلما قرأنا أكثر، أدركنا كم نجهل.
القراءة والعالم
من أروع ما تقدمه لنا القراءة هو قدرتها على كسر الجدران. فقد نكون جالسين في غرفة صغيرة، لكننا مع كل كتاب نسافر إلى بلد جديد، نعيش زمنًا مختلفًا، نأكل طعامًا غريبًا، ونُصادق شخصيات لا وجود لها خارج الورق. إنها أعجوبة أن تسافر عبر القرون، وتحادث أفلاطون، أو تشهد الثورة الفرنسية، أو تتجول في صحراء عربية، دون أن تغادر مقعدك.
إن الطفل الذي يقرأ منذ الصغر، هو طفل أقرب للتفهم، أكثر اتزانًا، أوسع خيالًا، وأغنى مفردات. أما المراهق القارئ، فهو شاب لا يُخدع بسهولة، لأنه يعرف كيف يفكر، ويعرف كيف يبحث عن الحقيقة. والمجتمعات التي تقرأ هي مجتمعات لا تُستَعبَد، لأنها تُدرك قيمة الفكر، وتُقدّر الكلمة، ولا تُسلّم عقولها بسهولة.
أعداء القراءة في زمننا
في زمن التكنولوجيا المتسارعة، تحوّل الإنسان إلى مستهلك دائم للصور السريعة والمقاطع القصيرة. منصات التواصل تُغرقنا بالمعلومات، لكن قليلًا ما تمنحنا الفهم. نحن نمر على كل شيء، لكننا لا نتوقف عند شيء. هنا يأتي دور القراءة؛ إنها الفعل البطيء في زمن السرعة، الفعل العميق في عصر السطحية.
وربما أصعب ما نواجهه اليوم، ليس فقط ابتعاد الناس عن القراءة، بل وهم المعرفة الذي تمنحه بعض الوسائط الرقمية. فليس كل من قرأ تغريدة أو اقتباسًا، أصبح مثقفًا. الثقافة الحقيقية تُبنى بالتدرج، وتُصقل بالقراءة الممتدة، والتحليل، والشك، والمقارنة، والتأمل.
الكلمة التي تُنقذ
في نهاية المطاف، تبقى القراءة شكلًا من أشكال النجاة. قد تكون الكلمة التي نقرأها في لحظة انكسار، هي الكلمة التي تُعيد بناءنا. وقد تكون فكرة في كتاب، هي السبب في تغيير مسار حياتنا.
القراءة ليست ترفًا، إنها ضرورة. وهي ليست ماضيًا انتهى، بل مستقبلًا يبدأ مع كل قارئ جديد. فكل طفل نحفزه على القراءة، هو مشروع إنسان حر. وكل كتاب نهديه هو بذرة نور تُزرع في أرض مظلمة.
فلتكن القراءة عادتنا، ورفيقتنا، وسلاحنا الهادئ في وجه ضجيج العالم.
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. أروى جودة بإطلالة مميزة في مهرجان القاهرة السينمائي
.. وزير الثقافة وحسين فهمي على ريد كاربت مهرجان القاهرة السينما
.. أحمد السقا يستقبل إسعاد يونس بالأحضان في افتتاح مهرجان القاه
.. بفستان الا?ميرات درة تتا?لق على ريد كاربت مهرجان القاهرة الس
.. خالد الصاوي على ريد كاربت مهرجان القاهرة السينماي?ي في دورته