الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
نقص القيم وفائض الطقوس،ماهي إلا أزمة اخلاقية داخل المجتمع المتدين شكلياً…..
عماد السامرائي
2025 / 6 / 10قضايا ثقافية

كَثُرَ الحديث عن ( الهوية) في عصرنا هذا،الذي نُسجل فيه غياباً فعلياً للممارسات الأخلاقية الصادقه الذي تشكلت نواة المجتمع فيه على ركائز فيها إختلال كثير إذْ تعاني من النقص الحاد في القيم الحقيقية السامية ويقابلها بالجانب الآخر ذلك الفائض من التدين الشكلي الى أن بات الأمر يهدد منظومة السلوك الاجتماعي والذي خَلَّقَ بالتالي صورة مزيفة للإنسان التقطتها مرآة الضمير الجمعي. المجتمع المتدين ما هو إلا كيان إجتماعي وإنساني يفقد بوصلته الأخلاقية إذا لم يراجع بعمق مسار تديّنه ولا تنقذه أنذاك كثافة الطقوس وخطب الجمعه التي بطبيعة حالها هي الأخرى أصبحت مكرره وهذا الأمر أفقدها قوة التأثير، وخير الأمثلة على ذلك هو الواقع لهذه المجتمعات الذي يخلو من أي تغيير ملموس نحو الأفضل، بمعنى أخر أن الدين الذي لا ينتج صدقاً ولا رحمه إنما هو طلاء يتقشّر عند أول اختبار أو امتحان للضمير.
نحن نشهد اليوم الغياب الأعظم للقيم الأخلاقية مثل الصدق،الأمانة،الرحمه،النزاهة،احترام القانون وقبول الآخر، كلها لم تعدّ حاضرة في حياتنا اليومية إلا على شكل عناوين نظرية تُستحضر عند الحاجة كرمزية تفرضها الخطب العامة،وهذا نوع من أنواع الجهل الهدف منه هو التبرير النفعي الذي يختزل الأخلاق في المصلحه،إذْ تمارس الأفعال فيه تبعاً لما يحققه الفرد من فوائد لا لما ينسجم مع ضميره أو المصلحة العامة.
القشرة بلا جوهر حقيقةً هذا هو الوصف الحقيقي للدين اليوم وهذا الوصف ليس تطاولاً على الجوهر اطلاقاً ،فلا يخفى على احد حجم الحضور الديني في الخطاب العام الموجه، في المظهر، في الطقوس وحتى في النقاشات اليومية على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما ما نجده على العكس تماماً عند التمحيص في السلوك الاجتماعي العام نجد ان الحضور الديني أمراً شكلياً لا جوهرياً فمن يقطع الطريق على الناس !! نجده يغرقنا في حديثه عن الجنه، ومن يحتقر المرأة !!يقتبس المزيد من الايات عن الرحمه، ويُنَظّر للزكاة !!من ينهب المال العام وهذه المفارقة مؤلمه وماهي إلا تعبيراً عن أنفصال الدين عن الأخلاق وتحوله إلى ممارسة طقسية سطحيه لا إلى جوهره الطبيعي كمنظومه تنظم السلوك وتنقّي الذات.
عودةً إلى الهوية المزيفه التي تستظل بالنفاق الجمعي داخل المجتمع، لتؤكد لنا ان الخلل هنا ليس فردياً فحسب بل بنيوياً لان الشخص الصادق أصبح ضعيفاً، والمنافق ذكياً والاحتيال شطاره،نكون هنا قد وصلنا إلى مجتمع يعاقب الفضيلة بمكافئته للرذيلة،يُكذب بإسم الدين،يُسرق بأسم الغاية النبيلة ويُظلم بأسم المصلحة العليا، كل هذه ليست مفارقات لكن دلائل على تآكل الضمير الجماعي وازدهار التدين النفعي الذي بالتالي لم ولن يكون صانعاً لمجتمع راقي بل يصنع جماعات مغلقه ومتحجرة.
رحلتنا من آلمدرسة إلى المسجد ثم إلى الشارع… أين نتعلم الأخلاق؟
فلا تكفي هنا الخُطب،ولا حفظ الايات أو نقل الأحاديث إذا لم تكن هناك تربية نقدية تشجع الطفل على طرح التساؤلات بغية التمييز ما بين الحق والشكل، ولابد كذلك من رفع الوعي للظفر بثقافة عامة تعلي من قيمة ( الضمير) لا فقط الظاهر منه لخلق قدوة حقيقية من في البيت والمدرسة. من المؤسف نجد ان المؤسسات التربوية والدينية والإعلامية كثيراً ما تسهم في ترسيخ الشكل على حساب الجوهر حيث نجدها تعمل على تخريج أجيال حفظه لتعريفات الصدق والقيم النبيله لكنه لا تعمل على ممارستها ربما لأنهم لم يجدوها حاضرةً في سلوك أساتذتهم وقادتهم.
حاجتنا الفعلية اليوم أذاً لنقد داخلي حقيقي تكون بدايته من الفرد حتى يشمل المجتمع مسجلين اهم اعتراف على أننا لدينا أزمة أخلاق، ويجب ايضاً فصل الدين عن المصالح كي لأيكون وسيلة سياسية تعمل كأداة تتحكم في المجتمع، وعلينا ان لا ننسى من السعي لإعادة مركزية الضمير في التربية والتنشئة، وعندما نمجد يجب علينا أن نمجّد الأخلاق لا الشعارات نفسها من خلال تقدير الإنسان النزيه مثلاً حتى وان لم يكن متديناً، أما الخطاب الديني فيجب ان يكون موحداً يأخذ دوراً إصلاحياً حيث يربط بين العبادة والقيم ليعيد توازن العلاقة بين الإنسان وربه وبين الإنسان والمجتمع.
أختم بالقول أن القيم هي من تصنع المجتمع لا الطقوس، بمعنى أخر ليست المجتمعات التي تصلي كثيراً أو تلك التي تتحدث عن الأخلاق هي بالضرورة التي تسلك السلوك الأخلاقي، فالتدين دون خلق لا يبني حضارة بل يسهم في إنتاج مجتمع مأزوم متديناً في شكله الظاهري وهشاً في مضمونه الداخلي، لذا يجب علينا اليوم الأعتراف بان هناك تحدي وهذا التحدي لا يكمن في استدعاء الدين إلى الحياه العامة، بل يتمثل بكيفية استعادة القيم إلى الضمير الجمعي فحين تكون الأخلاق هي أساس الممارسة تصبح الطقوس ذات معنى أما في حالة فصلها عن بعضها تتحول اقدس الشعائر إلى مجرد طقوس بلا أثر.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ترامب يدعو لإخلاء طهران فورا وإسرائيل تقصف التلفزيون الرسمي

.. هذا الموقع تحت الأرض هو جوهر البرنامج النووي الإيراني.. إليك

.. الجيش الإسرائيلي يعلن اغتال رئيس هيئة أركان الحرب في إيران ع

.. الرئيس الأميركي يغادر قمة السبع فجأة.. والشرق الأوسط في صلب

.. حرائق في تل أبيب ناجمة عن القصف الصاروخي الإيراني
