الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
طابور المراجعين
اسماعيل موسى حميدي
2025 / 6 / 10الادب والفن

قصة قصيرة
بعد تردد طويل لإنجاز معاملة تجديد سنوية سيارته، راجع دائرة المرور القريبة من سكنه لأكمال متطلباتها،وكان أول عمل عليه القيام به هو الحصول على الإستمارة الأولية لتدوين معلومات المركبة، وما أن ولج الدائرة حتى تفاجأ بطوابير المراجعين الملتوية، بفئات عمرية متباينة ، يقفون متتالين ورؤوسهم تترقب نحو النوافذ التي يسعون الوصول إليها، يدمدمون بكلام غير مفهوم ،ويضعون أيديهم فوق فوهات جيوبهم ، وهنا أدرك بان يكون هو جزءا من هذا الإحباط ، وقف في الطابور متذيلا الصف، يتقدمه رجل بالزي العربي يُكثر من التشكي واللعن، تبعه مُسن يتوكأ على عصا يبدو من شريحه المتقاعدين، ثم التحق بهم شاب ثلاثيني ،الطابور يطول ويطول وحرارة الزحام بدأت تدب في الأجزاء ،وبعد لحظات راح يشعر وكأنه يقف في المنتصف.
كان يجلس خلف شباك الدائرة شاب ببدلة عسكرية تميل الى اللون الصحراوي مكوية بعناية وتلمع على كتفه ثلاث نجمات فضية ،يختم الإستمارات دون النظر في وجوه المراجعين، ولا يرد على التحايا المنهالة على مسمعه لكثرتها، وبين فينة وأخرى يقطع عمله ويستقيم خلف كرسيه يدخن السيكار، ثم يخرج رأسه من زاوية الشباك الضيقة ،ينظر الى الطابور يزعق على المراجعين بصوت غير مؤدب وهو يدعوهم ان ينظموا انفسهم، ثم يعاود الجلوس يمازح زميله الذي على يساره و يتصفح نقاله . المراجعون مازالوا محتفظين بصبرهم والدماء تتجمع في وجوههم حتى يعاود النقيب عمله من جديد لتشتبك الأيدي متسابقة فوق رأسه العنيد لنيل مبتغاهم بالختم السداسي للخلاص والأفلات من الشباك الذي يشبه مقدمات السجون القديمة، ثم الحاق بطابور جديد.
وبعد أن أتم عمله في طابورين جلس كليلًا على إحدى المقاعد يتحين إطلاق إسمه ضمن الإستمارات المدققة ، راح يتفحص حركة الناس الحلزونية في أجزاء المكان والقلق يشحب وجوههم ،عدد الجالسين على المقاعد بعدد الواقفين في الطوابير، والخارجون من البوابة بعدد الداخلين والكل يكثر الاستفسار والسؤال من أفراد الشرطة، الضباط الذين تكثر على أكتافهم النجمات أقل مزاجا في الإجابة عن المستعلمين .
كانت تجلس الى جانبة إمرأة أربعينية تمسك بيد طفلتها اللجوجة ذات الستة أعوام،الطفلة منشغلة بتهجي القطع الورقية التي تعلو رؤوس الموظفين مستعينة بتصحيح والدتها للكلمات الصعبة ،مثل كلمة (اللهم) في عبارة (اللهم صل على محمد وآل محمد) الملصقة أعلى الحائط .
-الطفلة :ماما، ماذا يقصد بـ(اللهم).
- الأم، لم تجد إجابة مقنعة تناسب عمر ابنتها التي تكرر السؤال.
بدأ يتململ من شدة الإنتظار وهو ويضرب براحة يده على مسند الكرسي الحديدي ، يستبدل قدمه اليسار فوق اليمين ويترنح الى الوراء، تناول ثلاثة اقداح شاي من البائع المتجول في الصالة،الوقت لن يمر ، إنه يوم متعب والرحلة هنا شاقة .
صوت العريف صاحب الشنب العريض يصدح بإسمه في القاعة، يهرع هو لاستلام معاملته ،ينهمك بتقليب أوراقه يتحسب الاختام والاشارات التي تؤهله اللحاق بمرحلة جديدة من الاجراءات .
وبعد ساعة من التنقل عبر البوابات والقضبان ونزق المراجعين ، وجد نفسه في غرفة المدير بعد أن مالت أوراقه الى اللون الأزرق، فالأختام والتواقيع زرعت في كل جوانبها،الأمر يتطلب توقيع المدير أيضا ،جلس بين المنتظرين في الصالة السئمة مع عشرات المراجعين المهووسين بالترقب، الأم تجلس مع أبنتها في المقعد المقابل له أيضا، يبدو إنها مرت بجميع مراحل العناء التي لازمته، وهي تحتاج لنفس التوقيع .
الصغيرة فرحة بالمكان وما زالت تدور حول والدتها، وهي تتهجى الكلمات.
-ماما هي نفس العبارة معلقة هنا أيضا ،(اللهم)، لماذا وضعت في كل مكان .؟
- الأم: عليك بالقراءة فقط ،فالمعاني صعبة التفسير ،حاولي قراءة العبارة الى النهاية دون أن تسألي عن بقية الأمور.
مر وقت مضجر في غرفة المدير ، يبدو كان كافيا لتتهجى الصغيرة ما كٌتب في القطعة كاملاً ،هاهي تقرأها بصوت مرتفع تحت مسمع المراجعين وتصفق فراحا وتردد(اللهم صل على محمد وآل محمد) في هذه الاثناء انقطع تيار الكهرباء وعم الظلام المكان، الأضواء الخافتة المنبعثة من النقالات راحت تتقاطع في ممر الإنتظار، والصغيرة مازالت تردد العبارة بصوتها الطفولي الحاد لتحفظها.
المدير يخرج من قبوه، يشق بقامته الظلام ، لم يُر منه شيء سوى عينين جاحظتين ونجمات تتواهج بين منكبيه.
الأيدي المزدحمة بالأوراق تتشابك فوق رأس المدير، شهوة بالتوقيع،
، التيار يعود من جديد ، أصوات المراجعين تطلق بدفعة واحدة( اللهم صل على محمد وآل محمد )
والصغيرة ،تردد معهم وهي تصفق
المدير يترك المكان ويمضي
والمراجعون يشيعونه بنظرات استغراب
الصغيرة مازلت تتقافز فرحا فوق الارض،وهي تردد( اللهم صل على محمد وال محمد ) .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. اجراءات أمنية صارمة وتفتيش ذاتي لطلاب الثانوية العامة قبل أد

.. المخرجة بتول عرفة تكشف تفاصيل كليبين -كام فراق- و -قلبي دليل

.. مينا مسعود: بدأت فيلم في عز الضهر من 4 سنوات وتخطينا المشكلا

.. انفراد ..المخرج العالمى هوانج دونج هيوك مو?لف ومخرج مسلسل Sq

.. الممثّل الكوميدي ريكاردو باصوص: ضحكٌ بطعم السخرية والتأمل
