الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الدنيا رطب عالي
رياض قاسم حسن العلي
2025 / 6 / 28الادب والفن
ورطوبةٌ لا تهبطُ من السماء،
بل تتصاعدُ من قلوبٍ تعبقُ بالعفنِ القديم،
من نوافذَ لا تفتح،
من أرواحٍ لا تُشفى.
الهواءُ يئنُّ كجريحٍ نسيهُ الزمنُ على قارعةِ ذاكرةٍ مُهمَلة،
تنبضُ بيننا كندبةٍ مفتوحة.
في ناصية شارعِنا،
حيثُ "فيصلية الروح" لا تزال تتأرجحُ على خيطِ الذاكرة،
كنتُ أنا وضياء،
نحتمي من الليلِ تحتَ قناديلَ تبكي،
والصقيعُ لا يأتي من الشتاء،
بل من داخلِ عظامِنا.
نشربُ مرارةً مُقطّرة،
شوقًا معتّقًا في زجاجاتِ الغياب،
ونحدّقُ في طيفِ نجلاء…
كأننا نحدّقُ في نبيٍّ تأخّرَ عن وعده.
لا بريقَ في هذا المشهدِ الباهت،
ولا جدارَ لم يسقطْ منّا ومن العالم.
الرفاقُ… نسيتهم الأرصفة،
وتكفّنوا بغبارِ العابرين.
وما تبقّى من الحب؟
بقايا شمسٍ مهجورةٍ في قعرِ البحر،
وليمونةٌ جفَّ عصيرها
على شفةٍ كانت تضحك.
ما دام القبرُ يتّسعُ لي وأنا حي،
فأيُّ موتٍ هذا الذي أخشاه؟
المدينةُ مقبرةٌ بوجوهٍ بلا أسماء،
وكلُّ الأرصفةِ شواهدُ
لا يقرأها أحد.
في زواياها
جنودٌ يرقدون بصمتٍ
كأنهم ناموا في درسٍ طويلٍ عن النسيان.
يا ديرة ضياء…
يا خديعةَ الطفولة،
لماذا يسكنك الشكُّ كصقيعٍ لا يذوب؟
هل كان ضياء ثملًا من تعويذةِ الأيام؟
هل تاهت رؤاه في دخانِ العتمة؟
مررنا بفيصليةٍ لا تشبه الفيصلية،
كأنها نسيت أسماء شوارعها،
شارعُ المكاتب كان كقبرٍ مفتوح،
وفي الركنِ،
عند أبي واثق،
جلسَ الحزنُ يشربُ شايًا ثقيلًا
بلا سكر.
"أم شامات"
رقصت على جرحٍ ندي،
وكانت همومي
من قماشٍ ناعمٍ يلفُّ قلبي بلا رحمة.
ناداني الصباحُ كغريبٍ
لا يعرف اسمي،
لكنّ عينيّ كانتا خشبًا مبلّلًا
لا يبصر سوى الغرقى.
والعباسُ، يا ضياء،
مرّت نجلاء كطيفِ صلاة،
خطواتُها ترتجفُ على ترابٍ يئن،
وأنت…
كنت نائمًا في كأسٍ
تسرّب منه العمر.
الرفاقُ مرّوا
ككذبةٍ طُبعت في نشرةِ قديمة،
والكلابُ استيقظتْ،
لأن الأرواح لا تعرف الهدوء.
كلّ النساءِ كذبن،
كلّ العيونِ انقلبت صفراء،
حتى نجلاء
خانها لونُها الأخضر،
وافترّت،
كما افترتْ دواليبُ الزمن
على ظهري العاري.
أريد أن أعرف،
يا ضياء،
هل خطيئتي أنني أحببتُ
أكثر مما يحتمل جسدي؟
أم أني صدّقتُ مدينةً
بُنيتْ من الطينِ والخوف؟
يا ضياء،
أيها الغريبُ في مقبرةٍ
لا أحد يزورها سوى الريح،
هل تذكر "ميثم بن حمري"؟
حين أطفأ آخرَ سيجارةٍ
في ممرّاتِ الفيصلية،
وتركها مشتعلةً في رأسي؟
يا غيمةً لا تمطر،
دلّيني على قبره،
دلّيني على حفرةٍ
ما زالت تتنفس.
نجلاءُ تسأل عنك،
تحملُ وردًا ذابلًا وبيدها ياس
تبكيك،
وقد انتهت دموعها
وصارتْ عظامها تبكي عنها.
تخافُ الليلَ،
لأن القبورَ حين تسكت،
تصيرُ أبلغ من الشعر.
الرفاق…
في زوايا الفيصلية
لا ينفعون،
لا يملؤون فراغَ غيابك،
ولا يعيدون لدموعِ نجلاءَ طعمَ الحياة.
هل تتذكر؟
كنا نسكرُ من الحياةِ،
ونضحكُ من فقرنا،
ونرسمُ وطناً
على جدارٍ خَرِب،
ثم ننساه.
أتذكر سعدون،
وعلي خليفة؟
الرفاق
كنا نحلمُ،
ونسرقُ اللحظةَ من قبضةِ الحرب،
ونضحك،
وننكر أننا بكينا.
عطرُ نجلاء،
حين يمرّ،
يوقظُ كلَّ من ماتوا.
يرتجفُ الهواء،
وتسقطُ دمعةٌ
على ضريحٍ لا يحمل اسمك.
لا أقدر أن أسميك،
يا ضياء،
فاسمك أكبرُ من الصوت،
وأخفُّ من الظل.
أطفالُ الحيّ
ينشدونه كدعاءٍ مبلّلٍ بالحليب.
وأنا…
أنا ونجلاء على النهر،
نبحثُ عن طيفك،
ونراه حمامةً
تحوم فوق البساتين،
تبحث عن فرعٍ
لم يُقطَع بعد.
يا طَعم اسمك: قهوةٌ مُرّة
ترتعش في فم الذاكرة.
وشفاهُ نجلاء:
تينٌ أسود،
ناضج بالحزن،
ومبلّلٌ بدمعةٍ لا تُروى.
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تفاعلكم | تفاصيل حادث الفنان أحمد سعد ورسالة غاضبة من أخيه
.. السفير المغربي وا?مير رمسيس وهبة السيسي يحضرون عرض فيلم زنقة
.. ابطال الفيلم المغربي زنقة مالقة يحتفلون بعرضه بمهرجان القاهر
.. بالقمع ا?بطال فيلم قمع يلتقطون الصور علي ريد كاربت مهرجا
.. حمزة دياب : مش بعرف ا?وفق بين التمثيل ودراستي وأنا نفسي أبقي