الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


6. مناهضة خطاب الكراهية: من الوعي إلى السلطة

عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)

2025 / 7 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


ليست مواجهة خطاب الكراهية فعلًا ثقافيًا أو تربويًا محدود الأثر، بل ضرورة سياسية واستراتيجية من صميم الصراع الطبقي. فالكراهية في السياق السوداني ليست صدًى لموروث اجتماعي أو مجرد تعبير عن غضب جماهيري، بل أداة مصمّمة بعناية داخل مؤسسات الدولة الطبقية، لإعادة إنتاج التبعية والتشظي. ومناهضتها لا تتم بردّات فعل، بل عبر مشروع ثوري مادي، يعيد ترتيب أدوات المقاومة.

ما يُفتقد غالبًا في الخطابات المناهضة للكراهية هو استيعابها ضمن تحليل بنيوي. فخطاب الكراهية لا يعمل فقط على التفريق بين مكونات المجتمع، بل يُعطل قدرة الجماهير على بناء تحالفاتها الطبقية. لذلك، يجب أن تبدأ المناهضة من قلب استراتيجية نقيضة، تُنتج تحالفًا بديلًا لا يقوم على "رد الاعتبار" الأخلاقي، بل على بناء سلطة موازية. وكما كتب لينين في "ما العمل؟": "العدو لا يُهزم بالشعارات، بل ببناء أجهزة ثورية تنزع شرعيته من الجذور."

في هذا الإطار، نحتاج إلى النظر في التاريخ لاستخلاص ما يفيدنا، لا ما يُكرر مأساتنا. لقد واجهت شعوب عديدة حملات كراهية ممنهجة انتهت إلى إبادة أو فاشية، لكن تجارب مثل جنوب أفريقيا ما بعد الأبارتيد، وأمريكا اللاتينية في فترات نهوضها الثوري، أظهرت أن مناهضة الكراهية تبدأ حين يُنتزع الخطاب من يد الدولة، ويُعاد تشكيله من القاعدة. في تجربة الزاباتيين بالمكسيك، تم إنتاج مفهوم بديل للهوية يقوم على المشترك الطبقي والثقافي، لا على اللغة أو العرق، مما جعل خطاب الكراهية يفقد فعاليته أمام خطاب التنظيم والمقاومة.

في السودان، لا يزال خطاب الكراهية يحتكر الساحة لأنه لا يوجد بديل رمزي وتنظيمي جذري. ومن هنا يجب الانطلاق:

أولًا، بإعادة بناء الخطاب الثوري من جذوره، لا كرد فعل على ما تطرحه الدولة، بل كتصور مستقل لماهية الإنسان، الجماعة، والمجتمع. نحتاج إلى لغتنا الثورية الخاصة، كما نحتاج إلى تأريخ جديد يُعلّم الأجيال القادمة من هم الأعداء الحقيقيون.

ثانيًا، عبر فك الارتباط بين المؤسسات المجتمعية والسلطة، خصوصًا المدارس، المساجد، منظمات المجتمع المدني، والتي تُستخدم كقنوات لنشر الكراهية. يجب خلق شبكات مقاومة ثقافية، تنتج تعليمًا شعبيًا، وفنًا بديلًا، ومنابرَ تُخرج الناس من عزلة العدو المصطنع إلى فضاء الفعل الجماعي.

ثالثًا، عبر تحويل الإعلام إلى ساحة اشتباك، لا إلى ساحة تبرير أو وعظ. وهذا يتطلب خلق منصات ثورية لا تُخاطب السلطة بل الجماهير، تستبدل التقارير المنمقة بحكايات من الميدان، وتُعرّي التحالفات الطبقية التي تصنع الكراهية.

رابعًا، بوضع خطاب الكراهية ضمن قضايا العدالة الثورية. فالتحريض ليس رأيًا، بل جريمة، وهو امتداد لعنف مادي يجب مساءلته. في رواندا، جرى تقديم إعلاميين للمحاكمة الدولية، وفي البوسنة أُدرج خطاب الكراهية كأحد أدلة التطهير العرقي. وفي السودان، يجب الضغط لمحاكمة كل من حرض وموّل ونشر، لا في محاكم صورية، بل في ساحات نضال جماهيري واعٍ.

خامسًا، عبر بناء خطاب بديل متجذّر في الإنتاج. خطاب يُعرّف الإنسان بانتمائه لعالم العمل والمجتمع، لا بالدم أو القبيلة أو الجندر. يجب أن نُعيد للناس وعيهم بأنهم ليسوا ضحايا اختلاف، بل ضحايا استغلال. هذا الخطاب لا يُصاغ نخبويًا، بل يُبنى على الأرض، في الحقل والمصنع والمدرسة والمستشفى. وكما كتب فانون: "الثورة تبدأ حين تتوقف الشعارات وتبدأ إعادة بناء الإنسان."

مناهضة خطاب الكراهية ليست جبهة منفصلة عن الصراع الطبقي، بل قلبه الرمزي. إنها ليست معركة كلمات، بل معركة على من يمتلك حق تشكيل الوعي الجمعي. إما أن نستمر في استهلاك الكراهية التي يصنعها خصومنا، أو أن نُنتج أدواتنا الفكرية والتنظيمية التي تعيد تعريف العدو، والوطن، والإنسان. فقط عندها، تتحرر الكلمة من قبضة السوط، ويتحول الوعي إلى سلطة لا يمكن قمعها.

"تحرير الوعي من قبضة الطبقة الحاكمة هو أول شرط لتحرير الإنسان من استغلالها."

النضال مستمر،،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشاهد لآثار الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال على منزل عائلة الج


.. الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات من عملياته بغزة




.. 3 شهداء وعدة مصابين في غارة إسرائيلية استهدفت سيارة تقل مدني


.. ترامب يؤكد رغبة حماس في هدنة بغزة ويعلن إرسال أسلحة دفاعية ل




.. لبنان: المبعوث الأمريكي يعرب عن رضاه بخصوص رد بيروت على مطلب