الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
علمٌ ينتظر الولادة من رحم الوطن
سعد العبيدي
2025 / 7 / 5مواضيع وابحاث سياسية

في العراق، نحن نكبر قبل أواننا. نقترب من الشيخوخة بفعل الذاكرة المثقلة، والخطو المتعب، والحنين الدائم إلى وطن لم نرَه كما كنا نحلم في الصبى والشباب. دخلنا هذه الشيخوخة عنوةً، ما عدنا نحتفل في 1/7 بعيد ميلادٍ جديد، بل نحصي ما تبقّى من أوطاننا في زوايا القلب وعلى أطراف الخريطة.
عشنا، نحن أبناء تلك الأجيال التي اقتربت من المغادرة، تحولاتٍ تكاد لا تصدّق: من ملكيةٍ أنيقة الخطى إلى جمهوريةٍ وُلدت من فوهة بندقية، ومن جمهورية قاسمية نزيهة إلى جمهوريات تتعدد فيها الوجوه وتتناقص فيها الثوابت. وفي كل واحدة منها، كان للعلم موعد مع التغيير، وكأنّ راية الوطن لا تُرفع إلا على إيقاع السقوط.
لم يكن تغيير العلم في كل تلك الانقلابات فعلاً بريئًا، كان إسقاطًا رمزيًا لقوةٍ صاعدة، أو نهايةٍ معلنة لعهدٍ انقضى. وكلما تغيّر فيها الحاكم، تغيّرت ألوان العلم، وانهارت النجوم، واستبدلت الكلمات. غير أن أذكى تلك التحولات — وأخطرها في آن — كانت حينما خُطّت على العلم كلمتي "الله أكبر" لم تكن غريبة على العراقيين، الغرابة أنها كُتبت بخط الرئيس، صدام حسين، لا بخط الوطن، والغرابة الأدهى أن تلك الكلمات حملت من الرمزية ما وضع من جاء بعده في مأزق: كيف يرفع اسم الجلالة؟ وكيف تُبقيه دون أن تُبقي معه ظلال الطغيان؟
جاء التغيير الأمريكي، ومعه الديمقراطية المعلّبة، فأُعيد بناء الدولة على الورق، مدنيةً هذه المرّة، لكنها ترتدي في كل مناسبة زياً دينيًا كي تُرضي المكونات المتصارعة على تعريف الهوية. وسط هذا الحراك، تذكّر بعض الساسة المؤمنون بالوطن أن للبلاد علماً لا يشبهها. فشكّلوا لجانًا، وجمعوا فنانين مبدعين، واستأنسوا برأي الناس، وطرحوا أعلامًا تُجسّد العراق الجديد: العراق الذي يُفترض أن يكون لكل أبنائه، لا حكرًا على لونٍ أو مذهبٍ أو سردية واحدة. وبعد كل الجهود الحثيثة، نام العلم الجديد في أدراج البرلمان، في الدرج ذاته الذي نامت فيه عديد من القوانين، والمصالح العليا، وخطط التنمية. لم يُعرَض، لم يُناقَش، لم يُعتمد. لا أحد يعلم السبب، ولا أحد يملك الشجاعة لفتح ذلك الدرج.
وهكذا بقينا نحن العراقيين، حتى يومنا هذا، نلوّح بعلمٍ تم التوافق عليه لأنه لا يُمثّل أحدًا. نرفعه في البطولات، ونطويه في الخيبات. يرفرف خجولًا فوق المباني، وكأنّه يعتذر لأنّه لم يعُد يجمعنا. وسنبقى بحاجة إلى علمٍ يولد من رحم الشعب، لا من فصول الانقلابات ولا من تسلط الجماعات؛ علمٍ لا يُكتب بخطّ رئيس، بل بنبض وطن. لا يُختزل في ماضٍ واحد، بل يحتضن كل الفصول. لا يُمثّل طائفة، بل أمة. علمٌ حين نراه، نرفع رؤوسنا، لا نطأطئها. والأهم سنبقى نحن أبناء تلك الأجيال في حال تأمل للتلويح يومًا برايةٍ ليست مجرد قطعة قماشٍ ملوّنة، بل مرآة وطن. فهل آن الأوان أن ننظر في المرآة ونراها تُشبهنا؟
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ترامب يؤكد رغبة حماس في هدنة بغزة ويعلن إرسال أسلحة دفاعية ل

.. لبنان: المبعوث الأمريكي يعرب عن رضاه بخصوص رد بيروت على مطلب

.. الولايات المتحدة تلغي تصنيف -هيئة تحرير الشام- منظمة إرهابية

.. مُسيرة إسرائيلية تقصف مركبة في بلدة دير كيفا اللبنانية

.. الرئيس الإيراني يدعو واشنطن لتجنب أجندة نتنياهو
