الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وهم التفاؤل السياسي يصنع آمل زائف

عبدالله سلمان
كاتب وباحث

(Abdallah Salman)

2025 / 7 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


في تاريخ الأمم والشعوب غالبًا ما تكون لحظات الانتقال السياسي مصحوبة بجرعات عالية من التفاؤل لكن حين يتحوّل التفاؤل من طاقة مشروعة إلى أداة لإنتاج الوهم يصبح عبئًا ثقيلًا لا على وعي الناس فحسب بل على طبيعة الفعل السياسي ذاته فالتفاؤل السياسي المفرط ليس مجرد خطأ في التقدير بل في كثير من الأحيان استراتيجية مقصودة لإعادة إنتاج الجمود السياسي وتعبير عن فشل ذاتي في الحركة السياسيةعبر خطاب التغيير.
من منظور فلسفي علينا التمييز بين الأمل بوصفه حالة وجودية تستند إلى وعي بالمأساة وإرادة للمقاومة وبين التفاؤل السياسي المصنوع الذي هو في جوهره هروب من مواجهة الواقع عبر تصدير رواية مريحة تتجاهل التعقيدات البنيوية في الحال السياسي .
بعض الفاعلين السياسيين داخل معارضات مأزومة لا يقع في التفاؤل المفرط بوصفه سذاجة سياسية بل يتبناه كأداة تسويقية ووسيلة للسيطرة على الوعي الشعبي عبر جرعات مبرمجة من الأمل المصنوع ضمن هذا السياق تلجأ بعض الشخصيات السياسية إلى محاكاة ما حدث في سياقات إقليمية أخرى كما في الثورات أو انهيارات أنظمة الجوار وتقدم ذلك على أنه سيناريو قابل للتكرار في العراق دون وعي بالاختلافات العميقة في البنية الاجتماعية وطبيعة السلطة وتوازنات الداخل.
إن أخطر ما في التفاؤل السياسي المفرط المصنوع هو أثره التراكمي على المزاج العام فعندما يُخدَع الشعب أكثر من مرة تتحوّل خيبة الأمل إلى ما يشبه اللاجدوى الجماعية وبدلًا من أن يتحول الألم إلى طاقة تغيير يُعاد تدويره في شكل انسحاب لامبالاة أو حتى ردة فعل مضادة تجاه كل ما هو معارض.
في هذا المناخ الملبد بأوهام الخلاص لم يَعُد مستغربًا أن نشهد عددًا يتجاوز أصابع اليد من السياسيين والناشطين وهم يتقمصون بوعي أو بدونه صورة البطل الملهم أو القائد الاستثنائي محاولين إسقاط رمزية ما من تجارب إقليمية على واقع لا يحتمل الإسقاط لان الظروف مختلفة تماما بحيث يُعاد إنتاج الحلم ذاته لكن بوجوه متعددة كلها تدّعي أنها الأمل المنتظر.
والنتيجة؟ مشهد سياسي مكرر مفرغ من الأصالة يراوح في مكانه بين تمثيل الأدوار واستدعاء الصور دون أن يلامس جوهر الأزمة التي يعيشها الشعب فعليًا.
وفي مقابل سيادة هذا الخطاب في الترويج غالبًا ما تعاني المعارضة من ضعف تنظيمي وافتقار لرؤية استراتيجية فالخطابات تملأ الفضاء لكن الفعل غائب والشارع يُسحب من تحت أقدامها تدريجيًا.
إن تجاوز وهم التفاؤل السياسي لا ينبغي أن يُفهم على أنه سقوط في مستنقع التشاؤم أو الاستسلام للركود بل هو عودة إلى السياسة الواقعية ومغادرة منبر الوعود الجوفاء التي تُقال ولا تُنفذ وتُسمع ولا تُحاسب نحو التحرر من التضليل والانخراط في مشروع وطني متزن يقف على أرض الواقع لا على أبراج الأوهام.
إن السياسة الواقعية التي ننشدها ليست خالية من الإمل بل هي قادرة على أن تُلهم لأنها تعترف بالألم دون أن تبيعه وتقدم الحلول دون أن تبتذلها.
آن الشعوب لا تُقاد إلا بصدق ولا تنهض إلا حين تُخاطَب على أنها كائنات عاقلة لا جمهور يُستدرَج بشعارات المؤتمرات أو صور الزعامات.
وبين كل هذا التوهّم يظهر بعض السياسيين ممن يظنون أن بإمكانهم حصد ثمار نضال الشعب دون أن يزرعوا شيئًا يكتفون بالانتظار على قارعة اللحظة دون فعل حقيقي معتقدين أن التغيير إذا وقع فسينقلهم تلقائيًا إلى موقع القيادة متناسين أن الشرعية لا تُمنح بالتمني بل تُنتزع بالفعل والمسؤولية.
ونحن نعيش لحظة مخاض إقليمي ووطني معقّدة تتسارع فيها المتغيّرات وتتقاطع فيها الإرادات المحلية والدولية فإن واجبنا لم يعد مجرد الترقب أو التأويل بل الفهم العميق لما يدور وتشخيص المسارات الحقيقية بعيدًا عن الضباب المصنوع بخطابات الوهم.
إن هذه المرحلة لا تحتمل التسطيح ولا تجيز الارتهان للأوهام الجاهزة. المطلوب ليس فقط أن نحلم بل أن نعمل بوعي وننتقل من التمنّي إلى التخطيط ومن الانفعال إلى الفعل. التحول يتم بادراك أن اللحظة التاريخية لا تصنعها المصادفة بل الوعي والبذل والانخراط الحقيقي في الواقع بكل تعقيداته في زمن المتغيرات الكبرى فإن أخطر ما نواجهه ليس السلطة وحدها بل الغفلة عن شروط التغيير والركون إلى بطولات مصطنعة لا تصمد أمام أول اختبار حقيقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشاهد لآثار الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال على منزل عائلة الج


.. الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات من عملياته بغزة




.. 3 شهداء وعدة مصابين في غارة إسرائيلية استهدفت سيارة تقل مدني


.. ترامب يؤكد رغبة حماس في هدنة بغزة ويعلن إرسال أسلحة دفاعية ل




.. لبنان: المبعوث الأمريكي يعرب عن رضاه بخصوص رد بيروت على مطلب