الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
7. البرجوازية الصغيرة وخطاب الكراهية: بين الخوف والانتهازية
عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)
2025 / 7 / 6
مواضيع وابحاث سياسية

عندما يُنتج المجتمع خطاب كراهية، لا يكون الفاعل دومًا هو النظام الرسمي وحده، بل تشارك في ذلك، عن وعي أو بدون وعي، طبقات اجتماعية تخشى السقوط، وتتوسل البقاء بأي ثمن. في السودان، تلعب البرجوازية الصغيرة – بما فيها من مثقفين، فنانين، نشطاء، وأصحاب مهن – دورًا متناقضًا في بنية الصراع: فهي طبقة وسيطة، معلّقة بين الرغبة في التغيير والخوف من نتائجه. ولأنها بلا قاعدة إنتاجية صلبة، فإنها كثيرًا ما تندفع لتبني خطاب الكراهية، لا كقناعة أيديولوجية، بل كوسيلة دفاع وجودي.
هذه الطبقة، المهددة في وضعها الاجتماعي، تجد نفسها في لحظات الثورة أمام مفترق طرق: إما أن تنخرط في التحول الجذري وتنحاز للفقراء، أو تلتف حول الدولة والنظام القائم حفاظًا على فتات الامتياز. حين تضعف الثورة، تنكفئ البرجوازية الصغيرة على ذاتها، وتُبرر التراجع بخطاب مزدوج: إدانة “الفوضى”، والتحذير من “الانقسام”، والدعوة لـ“العقلانية”، وهي كلها مصطلحات تُستخدم لتبرير إعادة الهيمنة.
ولعل أخطر ما تنتجه هذه الطبقة هو الخطاب النخبوي التحريضي، الذي يلبس الكراهية ثوب “الاستنارة”. فنجد بعض المثقفين يروّجون لسرديات تزدري الجماهير، وتختزلهم في “قطيع”، وتُحمّلهم مسؤولية فشل الثورة. كما نجد بعض الفنانين ينسحبون من الميدان بحجج “الابتذال”، أو ينتجون أعمالًا تمجّد “الاستقرار” وتُجرّم الغضب الشعبي. إنهم لا يستخدمون لغة الدولة، بل يصيغون كراهيتهم بلغة الثورة ذاتها، مما يجعل خطابهم أكثر خطورة، لأنه يحوّل الثورة على ذاتها.
كما أن انخراط بعض هذه الشرائح في مشاريع المانحين والمؤسسات الدولية، يؤدي إلى إنتاج نسخة “نيو-كولونيالية” من خطاب الكراهية، يتم فيها تصنيف المجتمعات إلى متقدم/متخلف، مدني/بدائي، متسامح/متطرف، وهي تصنيفات تُعيد إنتاج المركزية الثقافية الغربية بوسائط محلية. وهكذا يتحول خطاب “حقوق الإنسان” إلى أداة فرز طبقي وثقافي، ويُستخدم لتبرير إقصاء قطاعات كاملة من الحراك الشعبي.
هذا النمط ليس جديدًا. فقد لعبت شرائح مماثلة في أوروبا عشية صعود الفاشية دورًا كبيرًا في التمهيد لها، عبر تسويق “الخطر البلشفي”، والدعوة لـ“الانضباط”، واعتبار الشيوعيين “أعداء النظام العام”. وفي أمريكا اللاتينية، كثيرًا ما وظّفت الأنظمة العسكرية فنانين ومثقفين لتسويق “الحملات ضد الإرهاب”، وهي حملات كانت في جوهرها ضد الفقراء والمطالبين بالعدالة.
إن خطورة هذه الطبقة لا تكمن في قوتها المادية، بل في قدرتها على إنتاج الرمزية. فهي تصنع اللغة التي يتكلم بها الحقل الإعلامي، وتؤثر في تشكيل الذوق العام، وتُطبع الكراهية في شكل أدبي أو فني أو ساخر. وهنا تكمن الخيانة: حين تُصبح الكلمات سكينًا ناعمة تبرر الانسحاب أو التحريض أو التجريم، تحت عباءة الجمال أو الثقافة.
كما أشار غرامشي، فإن “كل طبقة تحاول أن تهيمن، تسعى إلى بناء نموذجها الثقافي”، والبرجوازية الصغيرة، في لحظات الأزمة، تخلق نموذجًا هجينًا، لا هو ثوري، ولا هو رجعي، لكنه عمليًا يصب في مصلحة النظام القائم لأنه يفتت الوعي الجماعي.
مواجهة خطاب الكراهية لا تقتصر على فضح السلطة ومؤسساتها، بل تقتضي تفكيك دور البرجوازية الصغيرة كمنتج خفي لهذا الخطاب، سواء بوعي أو بانتهازية. الثورة لا تنتصر فقط حين تُهزم الدولة، بل حين يُهزم أيضًا الخوف المتلفّع بثياب التنوير. لا حياد في المعركة الطبقية: إما أن تكون مع الجماهير، أو تُسهّل ذبحها بلغة ناعمة.
"من لا يتحرك لا يشعر بسلاسله.”
النضال مستمر،،
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. جرافات إسرائيلية تهدم عشرات المباني السكنية في مخيم طولكرم..

.. ترمب يعلق على تأسيس إيلون ماسك حزب سياسي أمريكي جديد

.. مشاهد لآثار الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال على منزل عائلة الج

.. الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات من عملياته بغزة

.. 3 شهداء وعدة مصابين في غارة إسرائيلية استهدفت سيارة تقل مدني
