الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سردية المقاومة: حصن الأمة الأخير في زمن الهيمنة والتطبيع

حمدي سيد محمد محمود

2025 / 7 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


د.حمدي سيد محمد محمود
في زمن يتسم باختلال موازين القوى وهيمنة المنظومات الغربية على القرار العربي والإسلامي، تبرز "سردية المقاومة" كرافعة وجودية وثقافية وسياسية تسعى إلى إعادة تشكيل وعي الأمة والدفاع عن ثوابتها في وجه العولمة النيوليبرالية والاستعمارية المتجددة. لم تعد المقاومة مجرد فعل عسكري أو رد فعل على عدوان قائم، بل تحولت إلى منظومة فكرية وأخلاقية متكاملة، تحمل في طياتها خطابًا مضادًا للهيمنة، وسعيًا لصياغة بديل حضاري متجذر في الذاكرة الجمعية للعرب والمسلمين. فهذه السردية، بما تحمله من رموز وشخصيات ونصوص وتجارب، تمثل حجر الزاوية في حماية الهوية وإعادة إحياء الشعور بالكرامة في ظل نظام دولي يسعى إلى تفكيك كل ما هو أصيل وتحويل الشعوب إلى كيانات تابعة وهشة ومستلبة الإرادة.

تنبع قوة سردية المقاومة من قدرتها على الالتحام بالوجدان الشعبي ونسج علاقتها بالتراث والدين والتاريخ والواقع المعاصر. إنها سردية ترفض الانفصال بين الماضي والحاضر، بل تجعل من الذاكرة التاريخية منطلقًا للفعل التحرري الراهن، وترى في الاحتلال – سواء كان عسكريًا أو اقتصاديًا أو ثقافيًا – جريمة مستمرة لا تسقط بالتقادم. لذا، تُعدّ هذه السردية حاجزًا نفسيًا وروحيًا ومعرفيًا أمام محاولات الغرب والصهيونية تطبيع الذل والاحتلال في الوعي الجمعي، وتسويق الاستسلام كخيار عقلاني. وبهذا المعنى، فإن سردية المقاومة ليست مجرد أداة للدفاع، بل مشروع وجودي لإعادة الاعتبار للذات الجماعية، وإعادة إنتاج المعنى في عالم تسعى فيه قوى الهيمنة إلى تجريد الشعوب من قدرتها على الحلم والتحدي.

في هذا السياق، تحولت المقاومة إلى خطاب ثقافي يواجه السرديات المفروضة من الخارج، كخطاب "السلام مقابل الأمن"، أو "التنمية مقابل السيادة"، أو "التطبيع مقابل الاندماج العالمي"، وهي سرديات تهدف في جوهرها إلى تفكيك بنية الأمة وتصفية قضيتها المركزية، وعلى رأسها قضية فلسطين. فالرواية المقاومة تؤكد على أن فلسطين ليست مجرد أرض محتلة، بل رمز كلي لمعركة الأمة مع منظومة الظلم والاستعمار، ومختبر لمدى قدرة الشعوب على رفض الهيمنة وابتكار أدوات التحرر. من هنا، فإن التمسك بسردية المقاومة هو تمسك بالحرية والعدالة والكرامة، وتمرد على محاولات اختزال الإنسان العربي والمسلم في مجرد مستهلك أو تابع ضمن خارطة المصالح الغربية.

ولعل ما يزيد من راهنية هذه السردية هو الطابع "الهجين" للهيمنة الغربية المعاصرة، والتي لم تعد تقوم فقط على الاحتلال العسكري، بل باتت تُمارَس من خلال أدوات ناعمة مثل الإعلام، والتكنولوجيا، والمؤسسات الدولية، والسياسات النيوليبرالية، والأنظمة الوظيفية التابعة. في مواجهة هذا التعقيد، تأتي سردية المقاومة لتُعيد بناء الإنسان الحر الذي لا يخضع للمركزية الغربية، وتُنتج خطابًا تحرريًا متجذرًا في السياق العربي الإسلامي، قادرًا على توجيه الوعي وتحصين الأجيال ضد الاستلاب. إنها سردية تُقاوم لا بالسلاح فقط، بل بالمعرفة، والشعر، والمسرح، والسينما، والمناهج، وكل أوجه التعبير التي تصوغ الوجدان وتمنح الإنسان معنى لوجوده.

ولأن الهيمنة تسعى دومًا إلى "تفريغ" القيم من مضامينها وتقديمها في قوالب مشوهة، فإن سردية المقاومة تعمل على إعادة تعريف المفاهيم المركزية في الثقافة العربية والإسلامية: كالحرية التي تُربط بالإيمان، والسيادة التي تتصل بالعدل، والوحدة التي تُبنى على الحق لا على الإذعان. وفي هذا الإطار، تساهم هذه السردية في استنهاض مشروع حضاري متكامل يعيد إلى الأمة قدرتها على الفعل والاستباق، لا الاكتفاء برد الفعل. وهي بذلك لا تواجه القوى الخارجية فحسب، بل تواجه أيضًا التواطؤ الداخلي، والأنظمة التي تماهت مع منظومة الهيمنة وفقدت شرعيتها من خلال عدائها لقيم المقاومة.

ختامًا، إن سردية المقاومة هي الحصن الأخير أمام طوفان التذويب والاستسلام، وهي الصرخة التي تُعيد للإنسان العربي والمسلم شعوره بالكرامة، وقدرته على التحدي، وإيمانه بأن المستقبل لا يُمنَح، بل يُنتَزع. إنها ليست مجرد سردية سياسية، بل مشروع لإحياء المعنى في زمن عبثي، حيث يُحتفى بالخيانة وتُجرَّم البطولة، وتُقلب المفاهيم رأسًا على عقب. ومن هنا، فإن الحفاظ على سردية المقاومة، وتجذيرها في الثقافة والإعلام والتعليم، هو فعل مقاومة استراتيجي بحد ذاته، وركيزة من ركائز بقاء الأمة وصمودها في وجه العاصفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشاهد لآثار الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال على منزل عائلة الج


.. الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات من عملياته بغزة




.. 3 شهداء وعدة مصابين في غارة إسرائيلية استهدفت سيارة تقل مدني


.. ترامب يؤكد رغبة حماس في هدنة بغزة ويعلن إرسال أسلحة دفاعية ل




.. لبنان: المبعوث الأمريكي يعرب عن رضاه بخصوص رد بيروت على مطلب