الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جند السماء وجند المنطقة الخضراء

سعد الشديدي

2007 / 2 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


الفرات الأوسط، الأرض التي اطلقت ثورات وانتفاضات لم تهدأ وغطت بتاريخها المتقلب حقبَ الزمان الذي تلى الفتح العربي الإسلامي لأرض العراق، أصبح مسرحاً وكواليساً لتصفية الحسابات الشيعية - الشيعية. اللاعبون الرئيسيون بدؤوا بتقديم أنفسهم بكل وحشية ودونما تواضع. ومع اشتداد المعارك على الأرض الممتدة قريباً من صحراء الطفوف بين منطقتي الزرقاء والمطحنة شماليّ النجف توّضح لنا من هم السادة الحقيقيون في عراقنا الجديد ومن هم الخدم والمماليك والعبيد. وهوية الضحايا الذين يدفعون ثمن اللعبة اتضحت هي الأخرى.
آخر ضحايا هذه الحرب التي تخدم أهداف ومصالح الف طرف وطرف، ليس فيهم من يمثل العراق أرضاً وشعباً، كان جند السماء. أو هكذا أسموهم على الأقل. وأسمهم هو الحقيقة الوحيدة التي أتفقوا عليها في هذا الخضمّ الهائل من الأخبار. ولا ندري حتى الآن، ونتيجة لتضارب المعلومات، إن كان لهذه المجموعة اي وجود حقيقي في الواقع أم انه تمّ أختراعها وفبركتها على عجل من اجل الأستفادة منها لغايات تصبّ في مصلحة اللاعبين الكبار في عراق ما بعد الديكتاتورية!
فقد تضاربت الأخبار التي أوردتها جهات حكومية عراقية عديدة عن قائد هذه الجماعة الجديدة التي لم يسمع بها أحد من قبل. ففي حين تمّ التركيز في بداية الأمرعلى رجل الدين البصري أحمد بن الحسن من قبل الناطق الرسمي بأسم الحكومة العراقية الدكتور علي الدباغ، أكد نائب محافظ النجف عبد الحسين عبطان أن زعيم الجماعة لم يكن أحمد بن الحسن بل هو شخص يدعي ضياء كاظم عبد الزهرة وأنه كان ضابطاً في جهاز الاستخبارات العراقية المنحلّ. مسؤولون آخرون منهم وزير الداخلية ووزير الأمن القومي ذكروا أسماء أخرى لقائد الجماعة منها سامر أبو قمر وعلي بن علي بن أبي طالب. اذن والحال هذا لا يمكن لأحدٍ أن أن يثقّ بالمعلومات الصادرة عن الحكومة العراقية، على الأقل، بخصوص شخص قائد الجماعة.
أما أرقام الضحايا من القتلى والجرحى فقد تباينت هي الأخرى وأمكن تحديد العدد ما بين 200 قتيل حسب التصريح الحكومي الى 500 قتيل حسب تصريحات نائب محافظ النجف الذي وصف ذلك العدد بأنه نصف عدد الجماعة البالغ ألف شخص. وكما يبدو فأنه لم يكن من الممكن الإتفاق بين المصادر الرسمية نفسها على عدد القتلى من أعضاء الجماعة. وهنا لا يمكننا أيضاً النظر بثقة الى الأرقام التي تخصّ عدد القتلى الذين يمكن أحصاءهم في ميدان المعركة مباشرة. الأسماء والأرقام أذن متضاربة. والأهداف؟ لا يعرف أحد أهداف أولئك الجنود الذين تقول الحكومة العراقية عنهم بأنه هبطوا من السماء بقطارات أكسبرس محجوزة بشكل خاص وعلى وجه السرعة بهدف أحتلال مدينتي النجف وكربلاء وقتل مراجع الشيعة في المدينتين.
وهنا، وفي هذه النقطة بالذات، تقع الحكومة العراقية في اسوأ فخٍ نصبته لنفسها في هذا الموضوع. فجميعنا، بما في ذلك الحكومة نفسها، يعلم أن المواجهات بدأت في يوم التاسوعاء، حسب تصريح مسؤول عراقي وأن الضربة ُوجهت لتلك الجماعة بهدف منعهم من احتلال المدينتين المقدستين لدى الشيعة يوم عاشوراء. وجميعنا، والحكومة أولنا، يعرف أن المدينتين، على الأقل مدينة كربلاء، كانت تستضيف ذلك اليوم أكثر من مليون زائر حسب تصريحات مصادر شيعية. فكيف يمكن أحتلال مدينة يسير في شوارعها وطرقاتها هذا العدد الهائل من البشر بألف مقاتل فقط؟ هذا العدد هو عدد أفراد الجماعة الذي أعلنت عنه مصادر محافظة النجف القربية الصلة بالأحداث.
أي معتوه هذا الذي يفكر ان بأستطاعته احتلال، ومن ثم السيطرة، على مدينة كربلاء في يومٍ كهذا؟
وكيف يفوت على أحمد بن الحسن، الذي نفى متحدث بأسمه أي علاقة له بالموضوع، أو عبد الزهرة أو ابي قمر أو علي بن علي بن أبي طالب أن كربلاء كانت مطوقة ذلك اليوم بتسعة أطواق أمنية لحراستها؟ لا تقولوا أن الرجل مجنون وأنه يحق للمجانين، كما للشعراء، ما لا يحق لغيرهم. المجنون هو من يحاول اقناعنا بمصداقية الصورة التي قامت حكومة بغداد بتسويقها اعلامياً.
الصورة التي قدمتها حكومتنا عن أحداث يوم التاسوعاء الأسود مهزورة، متنافرة التفاصيل وغير منطقية. ثمّ ما قصة المصور الصحفي الذي قتلته ميليشيات حكومة المالكي في النجف بعد التقاطه مجموعة من الصور لضحايا مجزرة التاسوعاء الأسود؟ ولماذا تمّ مصادرة المادة الصحفية منه بعد قتله؟ ما هي الصور التي لم يشأ المالكي وأعوانه لنا أن نراها؟
بعد كلّ هذا من هم جند السماء أذن وماذا كانوا يريدون؟ نتمنى جميعاً لو كان بأمكاننا الإجابة على أسئلة من هذا النوع.
ما نستطيع الأجابة عليه في أحسن الإحتمالات هي اسئلة تتعلق بأهداف اللاعبين الأساسيين في العراق وغاياتهم التكتيكية التي كانوا يقصدونها عندما بدؤا بفبركة قصة جند السماء هؤلاء. وبالتحديد غايات الحكومة العراقية وحلفائها.
فمما لاشك فيه أن السيد رئيس الوزراء يجلس في زاوية يقوم حلفاؤه الأمريكيون بتضييقها عليه يوماً بعد يوم بإنتظار الأيفاء بألتزامات قام بقطعها لهم بشكل شخصي. ومنها ضرب الميليشيات المسلحة والجماعات الخارجة على القانون شيعيةً كانت أم سنية. وقد توّضح أيضاً أن دولة رئيس الوزراء المالكي لا ينوي على الإطلاق التخلي عن حلفائه من تيار بيت الصدر الذين جاؤا به الى رئاسة الوزارة وأنه غير مستعد لتوجيه أي ضربة عسكرية لجيش المهدي الجناح العسكري لحلفائه من أتباع الصدر. فكان الحلّ الأمثل:
1- أفتعال مواجهة عسكرية يُراد بها تحويل الأنظار عن قضية نزع سلاح الميليشيات الطائفية وعلى رأسها جيش المهدي. الذي لا يريد المالكي وأعوانه نزع سلاحهم لأنهم يشكلون صمام الأمان والضامن الوحيد لبقائه وحزب الدعوة في السلطة. فكان أختراع هذه المجموعة "المهدوية المتطرفة" ليقولوا للعراقيين، السنة منهم على وجه الخصوص، انهم قاموا بالفعل بضرب ميليشيات شيعية. أما للشيعة فأنهم يقولون أن هناك فرق بين مهدوي وآخر وأن جيش المهدي أفضل من غيره ممن قد يظهر دون سابق انذار ليقلب الساحة على رؤوسهم ورؤوس قياداتهم.
2- قدم المالكي هدية قيمّة للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش عندما أفهمه بأن جماعة جند السماء هذه تابعة للقاعدة. وهذا ما يريده بوش. وقام وفي نفس الوقت بإيفاء وعوده للأمريكيين بضرب الميليشيات الشيعية المسلحة. المشكلة أنه ضرب ميليشيات غير معروفة وليس لها رصيد في عمليات القتل وثقب الرؤوس وأختطاف المدنيين وتهجير غير المرغوب بهم من أتباع المذاهب الأخرى.
3- قام المالكي بحماية المرجعيات من عدوّ "أفتراضي" كان يهدف الى تصفيتها. وأثبت للسيد السيستاني أن التهديدات المبطنة التي ساقها مقتدى الصدرأثناء لقائه الأخير بالمرجعية الشيعية العليا، والتي تلخصت في وجود مؤامرة وأنقلاب يستهدف المرجعية العليا، أن هذه التهديدات كانت صادقة.
4- هكذا تمّ حماية ميليشيات الحكومة العراقية واليد الضاربة لها المتمثلة بجيش المهدي خصوصاً بعد أتمام صفقة بين قيادات تيار بيت الصدر والأمريكيين تلك الصفقة التي كان المالكي عرّابها وراعيها تفادى فيها الصدريون توجيه ضربة عسكرية كان مقرراً لها أن تقصم ظهر الميليشيات والمجموعات العسكرية التابعة لهم.
5- أخيراً ما هو دور الأيرانيين في هذا كله؟ لا تقولوا أن ليس للايرانيين من يدّ أو حتى أصبع فيما حدث. فما من شئ يحدث على أرض العراق هذه الأيام دون أن يكون لهم فيه دوراً ما.
من هو الرابح في هذه اللعبة ومن هو الخاسر؟ الرابح الأكبر هو المالكي وأعوانه. فقد أبعد الأنظار عن حماته من ميليشيات جيش المهدي ولو الى حين. فهل سمع أحد بموضوع نزع سلاح ميليشيات جيش المهدي ومجموعات بيت الصدر المسلحة منذ بداية التركيز على موضوع جند السماء؟ أين ذهبت تهديدات القيادة العسكرية لقوات الأحتلال الموجهة لجيش المهدي وغيره من الميليشيات الشيعية؟
الخاسر هم العراقيون الذين أثبتت الأحداث أنهم أصبحوا لقمة سائغة للعدو والصديق. وأمسى من الممكن لكل من أرادَ حرق المئات منهم في ساعات دون أن يتعرض للمسائلة. هل سمعنا أن هناك من يطلب محاسبة الحكومة العراقية لأنها قامت بقتل مئات من العراقيين؟
لقد أُعدم صدام حسين لأنه قتل 148 شخصاً من أبناء مدينة الدجيل فماذا سيكون مصير من قام بقتل أكثر من 300 شخص بينهم نساء وأطفال من عرب الفرات الأوسط ؟
ربما على دولة رئيس الوزراء أن يجيب على هذا السؤال الآن قبل أن يوجهه له حلفاؤه الأمريكيون في محكمة خاصة بجرائم الحرب بعد أن يتخلوا عنه كما تخلوا عن غيره من خدمهم وقاموا بالتضحية به وتعليقه في حبل المشنقة دون أن يهتز لهم جفن. أم انه يعتقد انه طفلهم المدلل وانهم لن يفعلوا ذلك معه؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست