الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخليج يقود التوازنات الجديدة: من التقرير السنوي إلى خريطة الفرص العراقية المؤجلة

عامر عبد رسن

2025 / 7 / 28
الادارة و الاقتصاد


في ظل نظام دولي آخذ بالتفكك، وصراعات إقليمية محتدمة، ومخاطر متصاعدة على الأمن والطاقة، يقدّم “التقرير الاستراتيجي السنوي لمركز الخليج للأبحاث لعام 2025” رؤية تحليلية شاملة لوضع الخليج العربي في قلب هذه التحولات.
التقرير، الذي يُعد من أهم المراجع الاستراتيجية الإقليمية، يرسم ملامح دقيقة لمستقبل المنطقة، ويقترح مداخل جديدة للفعل السياسي والاقتصادي والأمني الخليجي.
التصعيد الإقليمي: من غزة إلى الخليج : لم يكن عام 2025 عامًا عاديًا. التقرير يستعرض اندلاع حرب مدمرة بين إيران وإسرائيل استمرت 12 يومًا، تخللتها غارات على منشآت نووية وصاروخية وردود عنيفة، منها استهداف قاعدة “العديد” الأمريكية في قطر بصواريخ إيرانية،
ما شكّل صدمة أمنية خليجية. وفي قطاع غزة، ارتسمت واحدة من أفظع الكوارث الإنسانية المعاصرة، حيث دُمّر 90% من البنية التحتية، وسادت المجاعة، دون تحرك دولي فعال.
السعودية تقود التحرك الدبلوماسي : يلفت التقرير إلى أن المملكة العربية السعودية اضطلعت بدور فاعل في تحريك المياه الراكدة عبر قيادتها لـ”التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين”، بالتنسيق مع فرنسا والأمم المتحدة. كما أعادت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى
الرياض (مايو 2025) ضبط إيقاع العلاقة الخليجية – الأميركية، مع تأكيد خليجي على ضرورة أن تتبنى واشنطن موقفًا أكثر اتزانًا تجاه الحرب في غزة.
نحو إطار أمني جديد: يخلص التقرير إلى أن البنية الأمنية التقليدية في الخليج لم تعد كافية لمواجهة التحديات المعقدة، ويقترح إنشاء منظومة أمنية جماعية ترتكز على الإنذار المبكر، والدبلوماسية الاستباقية، والتنسيق المؤسسي. ويشدد على أن أي إطار أمني جديد لا يمكن أن يستثني إيران، رغم التعقيدات، داعيًا إلى “تعاون مشروط” يقوم على قواعد واضحة لاحترام السيادة ونبذ الاعتداء.
الاستقلال الاستراتيجي: الخليج في قلب التوازنات الكبرى : من أبرز محاور التقرير، إبراز التحول العميق في سياسة الخليج الخارجية. فلم تعد دول مجلس التعاون الخليجي تكتفي بالحماية الأميركية، بل تنتهج سياسات توازن دقيقة مع الصين وروسيا والهند وأوروبا. وقد أبدت السعودية حزمًا واضحًا تجاه قضية التطبيع، مشروطة بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة، وهو ما أكده وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان في تصريح حاد: “ما تفعله إسرائيل في غزة إبادة غير مبررة”.
الاقتصاد والتقنية: التنويع لا رجعة فيه : يشير التقرير إلى تسارع مشاريع التنويع الاقتصادي والرقمنة، مستعرضًا مبادرات سعودية وإماراتية بقيمة مئات المليارات، تشمل الشراكات مع آسيا، والاستثمار في الطاقة النظيفة، وتطوير الذكاء الاصطناعي. كما أُطلق صندوق إماراتي بقيمة 100 مليار دولار لإدارة أصول الذكاء الاصطناعي.
وتحوّل الخليج إلى مركز مالي وابتكاري لا يُستهان به، خصوصًا في مجالات التقنيات المالية، الطاقة، وسلاسل الإمداد العالمية.
الخليج وصناعة السلام : يبرز التقرير الدور الجديد للخليج كلاعب دبلوماسي فاعل في ملفات معقدة مثل الحرب الروسية–الأوكرانية، المفاوضات النووية مع إيران، السلام بين أرمينيا وأذربيجان، والمصالحة اليمنية. الإمارات والسعودية وقطر تحولت إلى وسطاء استراتيجيين،
ما يعكس نضجًا دبلوماسيًا لافتًا.
العراق: الفرصة المؤجلة للتحول الذكي : وسط هذا الحراك الخليجي الدينامي، يبرز سؤال عراقي جوهري:
أين نحن من هذه التحولات؟
فالعراق، رغم امتلاكه موارد بشرية ومادية هائلة، لا يزال خارج دائرة التفاعلات الذكية مع النظام العالمي الجديد. في حين أن السعودية والإمارات استثمرتا في بناء شراكات اقتصادية–تكنولوجية واسعة، من الذكاء الاصطناعي إلى الطاقة النظيفة، فإن العراق لا يزال يراوح ضمن
اقتصادات ريعية تقليدية، وأسواق مقيدة، ومؤسسات مالية عاجزة عن استقطاب الاستثمار النوعي.
لقد آن للعراق أن ينتقل من موقع التلقي إلى موقع الفعل، وذلك عبر خطوات استراتيجية شبيهة بما يلي:
1. صياغة رؤية اقتصادية وطنية شاملة، على غرار رؤية السعودية 2030 أو الإمارات 2050، تركز على تنويع مصادر الدخل، وتحرير السوق تدريجيًا، وربط التعليم بسوق العمل والابتكار.
2. إصلاح النظام المالي والتحول الرقمي، ليتمكن العراق من اللحاق بركب الاقتصاد العالمي.
3. إطلاق شراكات استراتيجية مع قوى صاعدة، لا تقوم على تصدير النفط فقط بل على التصنيع المشترك ونقل التكنولوجيا.
4. تحييد القرار الاقتصادي عن الصراعات السياسية، وإنشاء مجلس اقتصادي مستقل يعيد ضبط بوصلة التنمية.
نهج السعودية والإمارات في التحول من مورد للطاقة إلى صانع للمستقبل، لا يُعد ترفًا جيوسياسيًا، بل ضرورة وجودية، والعراق يملك من المقومات ما يجعله جديرًا بهذا الطريق، إذا توفرت الإرادة السياسية والرؤية الواضحة.
الخلاصة: الخليج لم يعد متفرجًا… والعراق لا يجب أن يظل متأخرًا ، في عالم متغير، لم تنكفئ دول الخليج على ذاتها، بل واجهت التعقيدات بالتحرك لا بالانتظار. بدبلوماسية هادئة، واقتصاد دينامي، وشراكات ذكية، تبني الدول الخليجية اليوم موقعًا جديدًا لها على الخريطة الدولية.
أما العراق، فإن فرصته التاريخية لا تزال قائمة، لكنها لن تنتظر طويلاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -الذهب الأزرق- في سماء الإمارات.. استمطار السحب لمواجهة عطش


.. كيف نفهم فوز عمدة نيويورك زهران ممداني اقتصاديا؟




.. سعر الذهب اليوم الجمعة 7-11-2025 بعد آخر انخفاض


.. 29 7 مليار دولار مشروع علم الروم نقلة اقتصادية وسياحية جدي




.. الملك توت عنخ آمون وقناعه الذهبي خلال حفل افتتاح #المتحف_الم