الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
العراق ونظام الشرق الأوسط الجديد: من الردع الاستراتيجي إلى السيادة الجيوسياسية
عامر عبد رسن
2025 / 7 / 28الادارة و الاقتصاد
في خضم التحولات الجيوسياسية الحادة التي يشهدها الشرق الأوسط بعد الحرب الإسرائيلية-الإيرانية، برزت دعوات متعددة لإعادة هندسة النظام الإقليمي وفق موازين جديدة، تتجاوز منطق الاصطفافات العسكرية، وتنتقل نحو إعادة تعريف معادلات الردع والسيادة. ومن بين هذه الدعوات، جاء مقال عاموس يادلين – رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق – المنشور في Foreign Affairs، هذا المقال يُعتبر أحد المراجع التحليلية الأساسية لفهم التحولات الراهنة في النظام الإقليمي، ويستحق القراءة الدقيقة، لما فيه من رؤى استراتيجية نقدية تستهدف إعادة صياغة التوازن بين القوى الكبرى والفاعلين المحليين في الشرق الأوسط. جاء به ليطرح تصورًا واضحًا حول فرص إسرائيل في صياغة نظام إقليمي جديد يعزز أمنها ويروّج لرؤيتها السياسية، بالتحالف مع الولايات المتحدة وبعض دول الخليج.
إلا أن قراءة استراتيجية معمّقة لهذا الطرح، خصوصًا من زاوية عراقية، لا ينبغي أن تقتصر على رصد التحولات الأمنية فحسب، بل يجب أن تستثمر اللحظة الراهنة لطرح مشروع وطني جديد للعراق، يستعيد دوره الإقليمي من خلال هندسة اقتصادية-سيادية مدروسة، تستفيد من جغرافيا العراق، وتحرّك طاقاته المعطلة، وتُخرجه من هامش الصراعات إلى قلب المبادرات.
أولًا: ما الذي يقترحه عاموس يادلين؟ : في مقاله الصادر بتاريخ 17 ديسمبر 2024، وتحت عنوان "نظام إسرائيلي في الشرق الأوسط: فرصة لهزيمة الرؤية الإيرانية وتعزيز الرؤية الأميركية"، يقدّم يادلين طرحًا سياسيًا – أمنيًا يقوم على استثمار المكاسب التي حققتها إسرائيل بعد الحرب الإقليمية، ويدعو إلى:
• إعادة تشكيل النظام الإقليمي عبر تحالفات تتجاوز الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
• تحييد إيران سياسيًا واقتصاديًا عبر أدوات أمنية واقتصادية ناعمة.
• توسيع دائرة التطبيع مع الدول العربية، وتوطيد علاقات أمنية استراتيجية مع دول الخليج.
• دمج إسرائيل في المشاريع الاقتصادية الإقليمية الكبرى، بما يخلق حالة "ردع ناعم" مبني على المصالح المشتركة.
ورغم أن المقال يبدو موجهًا لدفع المنطقة باتجاه محور تقوده إسرائيل وأميركا، إلا أنه – موضوعيًا – يفتح أيضًا نافذة للدول الأخرى، ومنها العراق، لتعيد طرح موقعها في المعادلة من منطلق المصالح لا المحاور.
ثانيًا: حيث أن العراق في قلب الجغرافيا… الا أنه خارج لعبة القرار ، إذ بينما يعيد الفاعلون الإقليميون صياغة توازناتهم، يقف العراق عند مفترق طرق استراتيجي بالغ الأهمية:
• فهو لا يمتلك مشروع ردع مستقل، بل يعاني من انتشار فوضوي للسلاح خارج الدولة.
• وهو لا يملك مظلة تحالف اقتصادي مستقر، بل يرتبط باتفاقات جزئية وهشة مع دول الجوار.
• والأخطر، أن العراق – رغم غِنى جغرافيته – غائب عن التصورات الإقليمية الكبرى، سواء في الربط البري، أو مشروعات الطاقة، أو الأمن الغذائي.
من هنا، فإن التحدي الحقيقي ليس فقط بمواجهة الاختلالات، بل تحويل الجغرافيا إلى مشروع سيادي-اقتصادي يحصّن القرار الوطني.
ثالثًا: من الردع العسكري إلى الردع التنموي – رؤية عراقية بديلة : إن العراق لا يملك ترف الدخول في سباق التسلح أو مشاريع الردع النووي، لكنه يستطيع أن يكون رائدًا في ردع من نوع آخر: الردع التنموي، القائم على فرض معادلة اقتصادية متوازنة في الإقليم، وفق المبادئ التالية:
1. استثمار الموقع الجغرافي كبوابة عبور للتكامل لا التصادم
• العراق يمكن أن يكون مركزًا لوجستيًا إقليميًا يصل الخليج بتركيا وأوروبا، عبر مشروع "طريق التنمية".
• تطوير منظومة السكك والموانئ والطرق يعني أن من يتحكم بالممر، يتحكم بالاستقرار.
2. إطلاق مبادرة "شراكات اقتصادية عادلة" مع دول الجوار
• بديل عن المحاور الأمنية التقليدية، تكون فيه المصالح المشتركة هي أساس التعاون.
• دعوة لعقد مؤتمر اقتصادي إقليمي يُبنى على مفاهيم الشراكة التنموية، لا التحالف العسكري.
3. نزع السلاح من الفصائل مقابل شراكات تنموية مناطقية
• تعزيز مشروع "الردع الداخلي المؤمم" عبر ربط تفكيك السلاح المنفلت بمشاريع اقتصادية مباشرة للمناطق الخارجة عن السيطرة.
• لا سيادة دون حصرية القوة، ولا أمن دون تنمية عادلة.
4. بلورة دور إقليمي مستقل ومتوازن في المنظمات الاقتصادية
• الانضمام الفاعل في منظمة شنغهاي، البنك الآسيوي للاستثمار، التحالفات النفطية غير الغربية.
• لكن بشرط أن تبقى القرارات السيادية بيد بغداد، لا تُدار بالوكالة.
رابعًا: كيف يستثمر العراق طروحات تركي الفيصل ويادلين معًا؟ : إذا كان عاموس يادلين يطرح "نظامًا إقليميًا إسرائيليًا"، فإن الأمير تركي الفيصل – في مقاله في The National – (ناقشناه بمقالنا : العراق بين توازن الردع وفوضى الاستثناء: قراءة استراتيجية في لحظة مفصلية بالحوار المتمدن-العدد: 8408 - 2025 / 7 / 19 ) قدّم نقدًا صريحًا لهذا النظام المزدوج في معاييره، ووجّه دعوة ضمنية للعرب – والعراق ضمنا – لتبنّي موقف سيادي أخلاقي في مواجهة الهيمنة النووية الإسرائيلية، دون أن يعني ذلك تبني خيار المواجهة العسكرية. من هنا، يمكن للعراق أن يلعب دوراً اقليميا عبر:
• تبنّي خطاب عقلاني يدعو إلى مساواة سيادية في تطبيق القانون الدولي، ورفض الاستثناءات الإسرائيلية.
• الدفع نحو نظام إقليمي قائم على الاقتصاد العادل بدل الردع النووي.
• بناء مظلة تعاون عربي – إقليمي تعيد التوازن بعيدًا عن منطق الحماية الأميركية المطلقة، أو الاحتواء الإيراني المنفلت.
الخاتمة: سيادة العراق تُبنى في السوق كما تُحمى في المؤسسات : إن ما تطرحه مقالات عاموس يادلين وتركي الفيصل، رغم تباين المرجعيات، يشير إلى لحظة فارقة في النظام الإقليمي. العراق، إذا أراد أن يستعيد مكانته، فعليه أن يتجاوز دور "الطرف المتلقي"، وأن يطرح رؤيته الخاصة:
• لا للمحاور، نعم للمصالح.
• لا للسلاح المنفلت، نعم للمشروع المؤسسي.
• لا للحياد السلبي، نعم للمبادرات الذكية.
فالسيادة لم تعد تُعرّف بالانفصال عن الآخرين، بل بالقدرة على الشراكة من موقع متكافئ.
والأمن لم يعد يعني الردع فقط، بل الهندسة الشاملة للاستقرار: سياسيًا، اقتصاديًا، ومجتمعيًا.
مقال عاموس يادلين وعافر غولوف الذي نُشر في Foreign Affairs إليك تحت عنوان“An Israeli Order in the Middle East: A Chance to Defeat the Iranian Vision for the Region—and Improve on the American Vision.”
على هذا الرابط : almendron.com+4foreignaffairs.com+4foreignaffairs.com+4
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الرئيس السيسي يشهد افتتاح عدد من المحطات البحرية بالمنطقة ال
.. وليد جمال الدين: 2025 يمثل عام الافتتاحات بالمنطقة الاقتصادي
.. رئيس الهيئة الاقتصادية لقناة السويس يقدم هدية تذكارية للرئيس
.. رئيس اقتصادية قناة السويس يستعرض استراتيجية الهيئة في جذب ال
.. كلمة وزير الصناعة والنقل خلال افتتاح عدد من المحطات البحرية