الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تراجع الفقر متعدد الأبعاد في العراق: قراءة تحليلية في نتائج التقرير الوطني لعام 2024 ودور برنامج الأمم المتحدة الإنمائي

عامر عبد رسن

2025 / 8 / 3
الادارة و الاقتصاد


شهد العراق حدثاً مهماً في مسار الاصلاحات الاقتصادية والسياسات الاجتماعية والتنموية، بإطلاق التقرير الوطني لدليل الفقر متعدد الأبعاد لعام 2024 من قبل وزارة التخطيط بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP).
هذا التقرير، الذي استند إلى بيانات شاملة حول مستويات الدخل والتعليم والصحة والمعيشة والعمل، يمثل محطة أساسية في تقييم الفقر بأبعاده المختلفة، بعيداً عن الاقتصار على قياس الدخل النقدي فقط.
أبرز النتائج الإحصائية للتقرير :
• تراجع مؤشر فقر الدخل إلى 17.5% بعد أن كان يتجاوز 20% في السنوات الماضية.
• انخفاض معدل الفقر متعدد الأبعاد من 11.4% عام 2018 إلى 10.8% عام 2024، وهو انخفاض يُظهر تحسناً ملموساً في بعض أبعاد الرفاه الاجتماعي.
• مقارنة بعام 2011، سجّل الفقر متعدد الأبعاد تراجعاً بنسبة 50%، ما يشير إلى وجود تأثير واضح لبعض السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تم تنفيذها خلال السنوات الماضية.
هذه الأرقام تُظهر أن العراق حقق بعض التقدم، لكننا لاننكر أنه لا يزال يواجه تحديات كبيرة في معالجة الأبعاد غير النقدية للفقر، كالخدمات الاساسية مثل التعليم، الصحة، الإسكان، والعمل اللائق.
أهمية المؤشر متعدد الأبعاد : تقليدياً، كان قياس الفقر يعتمد على مستوى الدخل، وهو مؤشر غير كافٍ لعكس الواقع المعيشي للفئات الفقيرة. دليل الفقر متعدد الأبعاد يأخذ في الحسبان عدة عناصر أساسية تمثل أوجه الحرمان، منها:
[ التعليم: سنوات الدراسة والتحصيل العلمي. والصحة: معدلات وفيات الأطفال والوصول إلى الخدمات الصحية. وظروف المعيشة: نوع السكن، توفر المياه والكهرباء، البنية التحتية. والعمل والصدمات الاقتصادية: توفر فرص العمل واستقرار الدخل.].

إذ أن اعتماد هذا الدليل يمكّن الدولة من تحديد مواقع الفقر بدقة أكبر، ووضع سياسات تستهدف معالجة أسبابه الجذرية، بدلاً من الاقتصار على الحلول النقدية قصيرة الأجل.
دور برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) : كان لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي دور محوري في إعداد التقرير، عبر:
• تقديم الدعم الفني والإحصائي في تصميم منهجية المؤشر.
• بناء القدرات المؤسسية لهيئة الإحصاء العراقية في جمع وتحليل البيانات.
• توفير الخبرات الدولية لتطبيق مقاربات متقدمة تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة (SDGs).
• ضمان اتساق البيانات المكانية والقطاعية مع معايير الأمم المتحدة، بما يسهل استخدامها في خطط التنمية الوطنية.
وهذا التعاون يعكس شراكة استراتيجية بين العراق والأمم المتحدة، تهدف إلى تحويل البيانات إلى سياسات عملية طويلة الأمد تعزز رفاه المواطنين.
انعكاسات النتائج على المواطن العراقي : رغم التحسن في بعض المؤشرات، فإن المواطن العراقي لم يلمس بعد تغييرات جوهرية في جودة الخدمات أو فرص العمل. السبب يعود إلى:
1. بطء تنفيذ البرامج التنموية بسبب البيروقراطية وضعف التنسيق بين الوزارات.
2. تحديات الفساد وسوء إدارة الموارد، مما يعيق وصول الاستثمارات إلى الفئات المستهدفة.
3. الاعتماد المفرط على السياسات الريعية التي ترتكز على توزيع عوائد النفط دون تنويع الاقتصاد.
لذلك، فإن ترجمة هذه النتائج إلى تحسن ملموس في حياة الناس يتطلب:
• تحويل الخطط الإحصائية إلى سياسات تنفيذية واضحة.
• توسيع برامج الدعم الاجتماعي المشروطة بالتعليم والصحة.
• خلق فرص عمل مستدامة من خلال تشجيع القطاع الخاص والاستثمار في البنى التحتية.
خطوات أساسية للحكومة المقبلة : اعتماد التخطيط القائم على الأدلة (Evidence-Based Planning:
إذ ينبغي للحكومة استخدام البيانات الواردة في التقرير لرسم سياسات تستهدف أكثر المناطق حرماناً، من خلال برامج تنموية موجهة جغرافياً وقطاعياً من خلال :
1. دمج سياسات الحماية الاجتماعية بالتنمية الاقتصادية : لا يكفي تقديم مساعدات نقدية، بل يجب ربطها ببرامج لرفع المهارات، وتوفير فرص عمل، وتحسين التعليم والخدمات الصحية.
2. تعزيز الشفافية والمساءلة : إشراك المجتمع المدني في متابعة تنفيذ السياسات، وضمان أن الموارد المخصصة لمكافحة الفقر تصل إلى مستحقيها.
3. توسيع الشراكات الدولية : الاستفادة من الدعم الفني والمالي للمنظمات الدولية لتطوير برامج طويلة الأمد، وضمان استدامة النتائج.

ختاماً : يمثل التقرير الوطني لدليل الفقر متعدد الأبعاد خطوة مهمة نحو فهم أعمق للفقر في العراق، لكنه في حد ذاته لا يكفي إن لم يُترجم إلى سياسات تنفيذية ملموسة. التحسن في المؤشرات، وإن كان مشجعاً، يحتاج إلى إرادة سياسية قوية لمكافحة الفساد،
تحسين كفاءة الإنفاق، وضمان وصول الخدمات إلى الفئات الأكثر حرماناً. إذ إن التعاون الوثيق بين العراق وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يتيح فرصة تاريخية لتبني نهج تنموي شامل يعيد للمواطن العراقي حقه في العيش الكريم،
من خلال دولة تستثمر البيانات لصنع القرار، وتربط السياسات الاقتصادية بالعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سعر الذهب اليوم السبت 8-11-2025 بالصاغة


.. تحقيق لـ-سي إن إن-: صور بالأقمار الصناعية تكشف عن -توسع كبير




.. الفرعون الجديد .. أبن الأقصر الذي أعاد إنتاج نحت الفراعنة


.. المفاوضات بين دمشق وقسد تواجه تحديات جديدة حول الموارد الاقت




.. موريتانيا تقنن التنقيب عن الذهب لتطويره ومنع الحوادث على الح