الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
العقوبات الأمريكية على شبكة شمخاني: قراءة عراقية في التأثيرات الاقتصادية والأمنية المحتملة
عامر عبد رسن
2025 / 8 / 5الادارة و الاقتصاد
في خطوة ذات أبعاد استراتيجية، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية في 30 تموز/يوليو 2025 عقوبات جديدة على محمد حسين شمخاني، نجل علي شمخاني، المستشار الرفيع للمرشد الأعلى الإيراني، وشبكة الشحن الدولية المرتبطة به.
شملت العقوبات 12 فرداً و52 سفينة و53 كياناً اقتصادياً تعمل ضمن منظومة تهريب النفط الإيراني، والتي يُقال إنها ولّدت عشرات المليارات من الدولارات للنظام الإيراني وعائلة شمخاني.
هذه العقوبات، التي تأتي في وقت حساس على المستويين الإقليمي والدولي، تستهدف تقويض قدرة إيران على الالتفاف على العقوبات القائمة، وتجفيف مصادر تمويلها، لا سيما تلك التي تدعم بها حلفاءها في المنطقة، بما فيهم بعض الفصائل المسلحة في العراق.
من هذا المنطلق، تبدو هذه التطورات مقلقة للعراق من الناحية الأمنية، لكنها تطرح في ذات الوقت تحديات وفرصاً اقتصادية ينبغي التعامل معها بعين اليقظة والتحليل.
أولاً: ماذا تعني هذه العقوبات؟ : العقوبات الأمريكية على شبكة محمد حسين شمخاني ليست مجرد قرار تقني ضد شخصية اقتصادية. بل هي جزء من استراتيجية أشمل تهدف إلى:
1. ضرب شبكة التهريب النفطي الإيراني التي تعتمد عليها طهران لتمويل برامجها العسكرية ودعم المليشيات التابعة لها في العراق ولبنان واليمن.
2. تعطيل التحالف الاقتصادي الخفي بين إيران وروسيا في تجارة الطاقة والتكنولوجيا.
3. زيادة الكلفة التشغيلية لإيران في إدارة وكلائها الإقليميين.
إن استهداف البنية اللوجستية – من سفن وشركات وهمية ومسارات شحن سرية – يعكس تحوّلاً نوعياً في استراتيجية العقوبات: لم تعد فقط رمزية، بل أصبحت دقيقة وموجهة ضد أعصاب الاقتصاد الموازي للنظام الإيراني.
ثانيًا: العراق في مرمى التأثيرات : فمن وجهة نظر أقتصادية أرى أن هذه العقوبات تحمل ثلاثة مسارات تأثير مباشرة وغير مباشرة على العراق:
1. اقتصاد الظل والحدود المشتركة : لطالما اعتمدت إيران على الأسواق العراقية لتصريف جزء من صادراتها بطرق غير رسمية، خصوصًا في مجالات النفط، والغاز، والمنتجات البتروكيمياوية. ومع كل ضربة أمريكية لشبكاتها الخارجية،
قد تزداد الضغوط على طهران لاستخدام العمق العراقي كساحة اقتصادية بديلة، سواء عبر تهريب المشتقات النفطية أو تضخيم التبادل التجاري غير الرسمي عبر المنافذ الحدودية.
وهذا يعني أن العراق، دون رقابة صارمة على الحدود والتجارة، قد يتحول إلى رئة اقتصادية للنظام الإيراني، ما يجعله عرضة للعقوبات الثانوية ويزيد من هشاشة اقتصاده المضطرب.
2. تضييق تمويل الجماعات المسلحة : تستفيد بعض الجماعات المسلحة في العراق من التخادم الاقتصادي مع الحرس الثوري الإيراني، سواء مباشرة أو عبر مشاريع وهمية ونشاطات تجارية يغلب عليها طابع "الواجهات الاقتصادية". ومع هذه العقوبات،
سيواجه النظام الإيراني صعوبة متزايدة في ديمومة ضخ الأموال (الدولار) للداخل الايراني، مما قد يؤدي إلى:
• تقلص قدرة هذه الجماعات على الحركة الاقتصادية والنشاط المالي .
• ازدياد محاولات الضغط الداخلي للحصول على تمويل من موارد الدولة العراقية نفسها.
• احتمالية ارتفاع التوترات بين هذه الجماعات والدولة العراقية، في ظل شُح الموارد الخارجية.
بالتالي، فإن استقرار المشهد الأمني العراقي سيكون مرتبطًا بمدى فعالية العقوبات، ومدى يقظة الحكومة العراقية في مواجهة الضغوط المزدوجة.
3. أسواق الطاقة وفرصة العراق الاستراتيجية
في ظل القيود المفروضة على صادرات إيران النفطية، تزداد حاجة الأسواق العالمية للبدائل. وهنا يظهر العراق كلاعب مرشح لسد الفجوة، شريطة أن يمتلك:
• بنية تصدير مرنة ومتنوعة (ميناء الفاو، خط العقبة، خط السعودية-البحر الأحمر).
• قدرة تفاوضية ذكية مع الشركاء الدوليين، خصوصاً الصين والهند.
• بيئة داخلية مستقرة قادرة على جذب استثمارات الطاقة والبنية التحتية.
وهكذا، فإن العقوبات المفروضة على إيران تمثل فرصة للعراق لتحسين شروطه التصديرية وزيادة إيراداته، شرط أن لا يتحول إلى ممر خلفي للنفط الإيراني المحاصر.
ثالثًا: الدلالات السياسية – الأمنية للتوقيت
يتزامن فرض العقوبات مع حديث متصاعد عن تغييرات في البنية الأمنية الإيرانية، حيث نشرت وكالة "نور نيوز" المقربة من المجلس الأعلى للأمن القومي أن هناك "إصلاحات هيكلية ضرورية" تم تنفيذها، ما ينبئ بتغييرات وشيكة في مواقع حساسة.
وقد تكهّن البعض بإمكانية تعيين علي لاريجاني أميناً جديداً للمجلس الأعلى للأمن القومي بدلاً من علي شمخاني.
إذا ثبتت صحة هذه التسريبات، فذلك يعني أن طهران تمر بإعادة توزيع مراكز القوة داخل النظام، وربما تراجعاً في نفوذ الحرس الثوري لصالح مراكز أكثر براغماتية، نتيجة الضغوط الاقتصادية والعقوبات المتصاعدة.
هذا التغير المحتمل ستكون له انعكاسات مباشرة على السياسة الإيرانية في العراق، خاصة في إدارة العلاقة مع الفصائل المسلحة، والتموضع الإقليمي في ظل الصراع الأميركي–الإيراني المستمر.
رابعًا: هل العراق مستعد للتعامل مع تداعيات هذه العقوبات؟ : ففي ضوء هذه التطورات المتسارعة، يجب على صناع القرار في العراق إدراك أن الحياد السلبي لم يعد خيارًا واقعيًا. العراق اليوم يقع بين ضغوط متعاكسة:
• التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة وشركائه الغربيين، الذي يفرض احترام العقوبات الدولية وعدم التعاون مع الشبكات المحظورة.
• التداخل الجغرافي والسياسي والاقتصادي مع إيران، بما يجعل أي اضطراب في طهران له أثر مباشر على الداخل العراقي.
وبالتالي، فإن السياسات التالية يجب أن تكون قيد التفعيل:
1. تشديد الرقابة على المنافذ الحدودية والمصارف والمصانع المرتبطة بأنشطة التهريب والتبييض.
2. بناء قاعدة معلومات استخبارية-اقتصادية مشتركة بين البنك المركزي، هيئة النزاهة، والمخابرات، لتعقب التدفقات المشبوهة.
3. إعادة هيكلة علاقة الدولة مع بعض الكيانات الاقتصادية ذات الصلة بالجماعات المسلحة، خصوصاً تلك التي تُستخدم كواجهات لتمويلات خارجية.
4. استغلال الفراغ في أسواق الطاقة لإعادة التفاوض مع الشركاء التجاريين، مستندين إلى رخص كلفة الإنتاج العراقي وموقعه الجيوسياسي.
خامسًا: سيناريوهات المستقبل المحتمل
السيناريو الأول: تصعيد أمريكي متواصل : في حال استمرت واشنطن بتوسيع العقوبات وتضييق الخناق على إيران، ستجد طهران نفسها أمام أزمة سيولة قاسية، ما يدفعها لتعزيز استخدام العراق كساحة خلفية اقتصادية. وهذا سيفرض على بغداد موقفًا أكثر حسمًا،
إما بالامتثال للعقوبات أو مواجهة ضغوط دولية.
السيناريو الثاني: تفاهم مرحلي أمريكي-إيراني : في حال تم التوصل إلى اتفاق مرحلي (مثلاً بشأن الملف النووي أو الوضع في مضيق هرمز)، قد تُخفف العقوبات بشكل جزئي، ما يفتح باباً لإيران لترتيب أوراقها من جديد،
وقد يُبقي على شبكاتها في العراق كقنوات للتنفس السياسي والاقتصادي.
السيناريو الثالث: انفجار داخلي إيراني : إذا تفاقمت الأزمة الاقتصادية الإيرانية بشكل يؤجج الوضع الداخلي، فقد نشهد انكماشاً في قدرة طهران على إدارة نفوذها الخارجي، ما يمنح العراق فرصة تاريخية لإعادة هندسة توازناته الأمنية والاقتصادية بعيداً عن منطق المحاور.
خلاصة: العراق بين تهديد الفراغ وفرصة البديل : العقوبات الأخيرة على محمد حسين شمخاني وشبكته ليست معركة مالية عابرة، بل هي فصل جديد من الصراع بين واشنطن وطهران، بأدوات اقتصادية ودلالات استراتيجية.
والعراق – بحدوده المفتوحة، وهشاشة مؤسساته، وتداخل نسيجه السياسي – هو ساحة ارتدادية مباشرة لهذا الصراع.
لكن وسط كل هذه التعقيدات، تظهر نافذة فرصة: إذا أحسن العراق إدارة موقفه، وضبط بوصلته الاقتصادية، وفعّل أدواته الرقابية، فإنه قادر على تحويل هذه اللحظة الحرجة إلى نقطة انعطاف تاريخية نحو السيادة الاقتصادية والأمنية.
وإن لم يفعل، فقد يجد نفسه – مرة أخرى – يدفع ثمن معركة لم يخترها، ولكنه لا يستطيع التملص من آثارها.
رابط الخبر الأصلي: https://lnkd.in/edgP9j5u
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 14-11-2025 بالصاغة بعد
.. إسرائيل تقرر قطع العلاقات مع البنوك الفلسطينية خلال 60 يوما.
.. رغم انتهاء الإغلاق الحكومي.. كيف سيواجه الاقتصاد الأمريكي ار
.. إثيوبيا قلقة من -حصار اقتصادي- بعد تحركات مصرية في جيبوتي وإ
.. ماذا نعرف عن الذهب الصيني الجديد؟