الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيران تغيّر خطابها في العراق: لحظة اختبار لسيادة الدولة أم تسوية مؤقتة؟

عامر عبد رسن

2025 / 8 / 5
السياسة والعلاقات الدولية


في ضوء المعلومات التي كشف عنها تقرير أساس ميديا حول زيارات قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني إلى العراق، والتطورات اللاحقة الميدانية وعلى رأسها انسحاب كتائب حزب الله من مواقعها في حزام بغداد، تتضح ملامح تحوّل نوعي في الخطاب الإيراني تجاه العراق، وملامح لحظة اختبار جديدة لقدرة الدولة العراقية على استثمار التحول لصالح مشروعها السيادي.
لطالما اعتادت الفصائل المسلحة الموالية لإيران – ومنها كتائب حزب الله – على التموقع فوق مؤسسات الدولة، أو موازياً لها، في مشهد مختلط بين العمل السياسي والعمل المسلح. إلا أن الانسحاب من مواقع عسكرية قرب بغداد، بعد أزمة أراضي الدورة، لم يكن مجرد تراجع تكتيكي، بل نتيجة مباشرة لما يمكن تسميته بـ التحول البراغماتي في المقاربة الإيرانية لملف العراق.
قاآني يُعيد ضبط قواعد الاشتباك : وفق ما ورد في التقرير، فإن زيارتين سريتين قام بهما إسماعيل قاآني إلى العراق في غضون أسبوعين حملتا رسائل غير مسبوقة. لم يكن الحديث فقط عن تحذيرات من استهدافات إسرائيلية أو أمريكية لمخازن الفصائل، بل عن تحول في السياسة الإيرانية نفسها تتمثل بـ:
• دعم استقرار العراق.
• الدعوة إلى حصر السلاح بيد الدولة.
• الامتناع عن التصعيد مع القوات الأمنية.
• تجنّب استهداف كردستان.
• تفادي تمزيق الإطار السياسي الداعم لحكومة السوداني.
هذه النقاط تُظهر أن إيران – على خلاف تصلبها في لبنان – باتت تُفضّل الاحتفاظ بنفوذها في العراق بأقل تكلفة سياسية وأمنية، ومن دون الدخول في اشتباك مباشر مع الدولة.
انسحاب كتائب حزب الله: قراءة في الدلالة السياسية
من المعروف أن فصيل كتائب حزب الله لا تتخذ قرارات بهذا الحجم دون ضوء أخضر إيراني، وربما ضغط مباشر. وقد اعتادت أن تُجاهر بالندية تجاه مؤسسات الدولة، لا سيما الأمنية منها. لكن أعلانها الانسحاب من مواقع في محيط العاصمة، بعد خلاف علني مع الدولة على خلفية حادثة مدير زراعة الدورة، يُعد سابقة سياسية وأمنية.
هذا القرار، إذن، ليس تنازلاً عراقياً داخلياً، بل نتيجة مباشرة لتوجيه إيراني بتخفيف الاحتكاك مع الحكومة. ولو كانت طهران قد لمّحت بقبول استمرار المواجهة، لما تراجعت الكتائب. وهذا ما يجعل من لحظة التراجع هذه فرصة استراتيجية للدولة العراقية، وفرصة اختبار حقيقية للفصائل الأخرى: هل ستساير هذا الاتجاه أم تحاول كسره؟
جرف الصخر: الملف المغلق المرشح للفتح
استناداً إلى منطق التحول نفسه، يمكن التنبؤ بإمكانية إعادة فتح منطقة جرف الصخر أمام أهلها قريباً. فهذه المنطقة تمثل منذ سنوات ملفاً مشحوناً بالتأزيم الطائفي والانقسام الوطني، وكانت ورقة أمنية تُمسك بها بعض الفصائل. وإن تمت إعادة الأهالي إليها، فستكون تلك إشارة على تراجع الدور الأمني للولائيين، وبداية لتصحيح سياسات التهجير والاحتكار الجغرافي.
ومع ذلك، لا يمكن تحقيق هذا التحول دون جهد حكومي مباشر، وضمانات واضحة بعدم استغلال العائدين لأي أجندات تخريبية، ما يفرض جهداً أمنياً ومجتمعياً وتفاوضياً متوازناً.
إيران 2025 ليست إيران 2015: ما الذي تغير؟
لم يعد المشروع الإيراني في العراق محصناً كما كان خلال العقد المنصرم. فالتغيرات التي فرضت معادلات توازن جديدة تشمل:
• عقوبات اقتصادية معقدة تُصيب شبكة التمويل والتهريب.
• تصعيد إسرائيلي معلن ضد النفوذ الإيراني في سوريا والعراق.
• تآكل أوراق إيران في اليمن ولبنان.
• تقاطع ضغوط أمريكية وخليجية على طهران لتقليص نفوذها العابر للحدود.
أمام كل ذلك، تجد إيران نفسها مضطرة لإعادة صياغة تموضعها في العراق من رعاية مباشرة للفصائل إلى دعم موجه أكثر تحفظاً، يُراعي التوازن مع الحكومة، ويُجنبها الانفجار الداخلي أو ذريعة لتصعيد خارجي.
المقارنة مع لبنان: لماذا التصلب هناك والهدوء هنا؟
في لبنان، تُبقي إيران على خطابها المتشدد عبر حزب الله، نتيجة:
• الفراغ السياسي المستمر.
• الانقسام الطائفي العميق.
• هشاشة المؤسسات الرسمية.
أما في العراق، فوجود حكومة ذات غطاء سياسي واسع، واستقرار نسبي في الأداء التنفيذي، ومراهنة دولية على نجاح حكومة السوداني، تجعل إيران أكثر حرصاً على عدم كسر ميزان القوى، وتجنب خلق حالة فوضى قد تُفقدها أوراقها داخلياً.
المصلحة العراقية: نافذة لا ينبغي أن تُغلق
العراق، بموجب هذا التغير، يواجه لحظة نادرة تراجعت فيها اليد الإيرانية خطوة إلى الخلف. وهذا لا يعني تخلياً تاماً عن النفوذ، بل يعني انفتاحاً على توازن جديد بين الدولة والمجاميع المسلحة.
وهنا، يُطرح السؤال: هل تُحسن الدولة العراقية استثمار هذه اللحظة؟
أم ستسمح بأعادة إنتاج الفوضى بإهمال هذه الفرصة التاريخية؟
المطلوب واضح:
1. فرض مبدأ حصر السلاح بيد الدولة عبر خطوات عملية لا بيانات سياسية.
2. سحب الملفات الأمنية من يد الفصائل، لا سيما في المحافظات المحررة والمناطق الحساسة جغرافياً.
3. البدء ببرنامج وطني لإعادة النازحين إلى المناطق المغلقة (جرف الصخر نموذجاً).
4. تفكيك الاقتصاد الموازي القائم على التهريب والجباية اللاشرعية.
وعلى العراقيين أن يُحسنوا خياراتهم ، فالتحديات المقبلة لن تُواجه بشعارات. العراق اليوم أمام مفترق:
• إما استعادة السيادة تدريجياً بعقل استراتيجي.
• أو العودة إلى مربع التجاذب الأمني والولائي الذي أثقل كاهل الدولة والشعب والاقتصاد.
وستكون بموجبه الانتخابات القادمة في تشرين الثاني 2025 محطة فاصلة، فإما أن تُفرز قوى إصلاحية تمثل المصلحة الوطنية العليا، أو تُعاد تدوير الولاءات والارتباطات الخارجية.
لذلك، على النخب والمواطنين والمؤسسات أن يدركوا أن الخيارات القادمة ليست تقنية، بل مصيرية. فالسيادة، والوحدة، والاستقرار الاقتصادي كلها رهينة بنوع التمثيل السياسي الذي سيتشكل.
خاتمة: الفراغ لا يدوم، فاملأوه بالدولة
إن لحظات التحول لا تتكرر كثيراً. والفراغ الذي قد تتركه إيران جزئياً لا يجوز أن يُملأ بفصائل جديدة أو حلفاء دوليين بدلاء، بل يجب أن يُملأ بـ مؤسسات الدولة فقط.
إنه اختبار للطبقة السياسية، وللإطار التنسيقي، ولرئيس الوزراء، وللمؤسسة العسكرية، وللقضاء، وللأحزاب الوطنية.
فإذا كان العراق يريد أن يُغلق فصل الدولة الموازية، فليبدأ اليوم.
أما إذا تلكأ، فإن هذا التراجع الإيراني المؤقت لن يلبث أن يتحول إلى عودة انتقامية أشد قسوة، ولن يُلام أحد حينها إلا العراقيين أنفسهم، لأنهم لم يُحسنوا اغتنام الفرصة... ولا اختيار الطريق.

رابط الخبر : إيران: تصلّب في لبنان وهدوءٌ في العراق.. - ASAS Media








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل إسرائيلي وإصابة ثلاثة آخرين في هجوم مزدوج


.. ترامب وبن سلمان.. هندسة جديدة لميزان القوى في المنطقة؟ | مس




.. ما الذي يمكننا فعله لوقف التنمر الجنسي؟


.. كانت حكرا على إسرائيل ..السعودية تظفر بمقاتلات الشبح الأمريك




.. محمد بن سلمان: سنزيد استثماراتنا في أمريكا لتصل إلى تريليون