الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
سانت ليغو المعدَّل 1.7: برلمان مكلف واقتصاد بلا إصلاح – نحو انتخابات 11/11/2025
عامر عبد رسن
2025 / 8 / 7الادارة و الاقتصاد
مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، تتجدد الأسئلة الجوهرية حول النظام الانتخابي المعتمد في العراق: هل يعكس إرادة الناخبين فعلاً؟ وهل يتيح تمثيلاً حقيقياً لمختلف شرائح المجتمع العراقي؟
أم أنه مجرد أداة لتكريس سلطة طبقة سياسية متنفذة تُعيد إنتاج نفسها في كل دورة انتخابية؟
في قلب هذه الأسئلة يقف نظام سانت ليغو المعدَّل 1.7، وهو أكثر الأدوات الفنية إثارة للجدل في مسار الديمقراطية العراقية. هذا النظام الانتخابي، الذي يبدو في ظاهره معادلة رياضية محايدة، تحول في الواقع إلى أداة سياسية تستعمل لضبط مخرجات الانتخابات مسبقاً،
وحصر السلطة التشريعية في يد قوى سياسية بعينها.
ما هو نظام سانت ليغو المعدل ولماذا يمثل مشكلة؟ : نظام سانت ليغو هو صيغة رياضية لتوزيع المقاعد في الأنظمة النسبية، تقوم على مبدأ قسمة أصوات كل قائمة على سلسلة من الأعداد الفردية (1، 3، 5، 7...). في العراق، تم تعديل هذا النظام باستبدال
المقسوم عليه الأول (1) برقم 1.7، وهو ما يُعرف في الأدبيات الانتخابية برفع "العتبة التمثيلية الفعلية". قد يبدو التغيير طفيفاً، لكنه يُضعف فرص القوائم الصغيرة والمستقلين في الفوز بمقاعد برلمانية، ويُكرّس احتكار القوى السياسية التقليدية.
لتبسيط الصورة، لنتخيل دائرة انتخابية بخمسة مقاعد وأربعة كيانات انتخابية حصلت على الأصوات التالية:
• الكيان الأول: 100 ألف صوت
• الكيان الثاني: 60 ألف صوت
• الكيان الثالث: 30 ألف صوت
• الكيان الرابع: 15 ألف صوت
في النظام المعدل، وبعد تقسيم الأصوات على 1.7، ثم 3 و5 و7... يحصل الكيان الأول على ثلاثة مقاعد، والثاني على مقعد واحد، والثالث على مقعد واحد، بينما الكيان الرابع لا يحصل على أي مقعد. أما في النظام الأصلي (بدون تعديل 1.7)، فستكون فرص الكيان الرابع أكبر
للاقتراب من الفوز بمقعد، كما تتعزز قدرة الكيان الثالث على منافسة الثاني. النتيجة العملية هي تقليص التعددية وإضعاف فرص القوى الناشئة.
البعد الاقتصادي للنظام الانتخابي : قد يبدو النظام الانتخابي قضية سياسية بحتة، لكنه في الحقيقة قرار اقتصادي بامتياز. فكل مقعد برلماني في العراق يحمّل الموازنة العامة نفقات هائلة تشمل الرواتب والمخصصات والحماية والسفر وغيرها.
إن استمرار نظام انتخابي يعيد إنتاج نفس القوى، يعني برلماناً غير قادر على محاسبة السلطة التنفيذية أو تقديم حلول اقتصادية جذرية.
وهكذا، تبقى السياسات الاقتصادية أسيرة المصالح الحزبية، فيما تتفاقم مشكلات العجز المالي، تضخم بند الرواتب، ضعف الاستثمار، واعتماد الدولة على النفط كمورد شبه وحيد.
غياب التمثيل الحقيقي يضعف الرقابة على الإنفاق العام، ويؤدي إلى استمرار الهدر المالي والفساد، وإلى برلمان عاجز عن إقرار إصلاحات اقتصادية جريئة، مثل إصلاح منظومة الرواتب، تنويع مصادر الدخل، وتطوير القطاعات الإنتاجية.
فالعملية السياسية المكلفة وغير الفاعلة تستهلك مليارات الدنانير دون تحقيق مردود اقتصادي ملموس للمواطن.
التجربة العراقية: من 2005 إلى 2023 : منذ 2005، شهد النظام الانتخابي العراقي تعديلات متكررة، لكنها في معظمها صبت في صالح القوى التقليدية:
• 2005: اعتماد الدائرة الواحدة والقوائم المغلقة، ما أنتج برلماناً غابت عنه تمثيلية المحافظات السنية والمستقلين.
• 2010: تعديل آلية "احتساب الباقي الأقوى" وفتح القوائم، لكنه فتح الباب للتحالفات المتلاعبة بترتيب الأسماء.
• 2014 و2018: إدخال سانت ليغو المعدل لأول مرة (1.6 ثم 1.7) بحجة الاستقرار البرلماني، لكن المخرجات كانت هيمنة الكتل الكبرى وتراجع الحركات المدنية.
• 2021: تجربة مؤقتة لإلغاء سانت ليغو واعتماد دوائر متعددة صغيرة، ما سمح للمستقلين بتحقيق حضور لافت. لكن سرعان ما أقر البرلمان في 2023 العودة إلى سانت ليغو المعدل 1.7، في رسالة واضحة مفادها: "لا نريد برلماناً مليئاً بالمفاجآت".
العتبة التمثيلية: شفافية غائبة : أحد أبرز عيوب التعديل الحالي هو فرضه عتبة تمثيل غير معلنة عبر الرقم 1.7، بدل اعتماد نسبة دخول رسمية وواضحة كـ 4% أو 5%. هذا الأسلوب يُبقي القانون الانتخابي أداة مرنة بيد القوى السياسية لتشكيل برلمان يخدم مصالحها،
بعيداً عن أي معايير ديمقراطية حقيقية.
تحديات الانتخابات المقبلة 11/11/2025 : من المتوقع أن تشهد الانتخابات القادمة نسبة مشاركة منخفضة جداً، قد لا تتجاوز 20%، بسبب فقدان الثقة في النظام السياسي وجدوى الانتخابات.
استمرار العمل بسانت ليغو المعدل سيُنتج برلماناً ضعيف التمثيل، مرتفع الكلفة، عاجزاً عن مواجهة أزمات البلاد الاقتصادية العميقة، مثل:
• تضخم حجم الرواتب على حساب الإنفاق الاستثماري.
• ضعف تنويع الاقتصاد واعتماد الدولة المفرط على النفط.
• تعطل مشاريع التنمية وغياب الإصلاحات الهيكلية.
• استمرار الهدر المالي والفساد في غياب رقابة برلمانية حقيقية.
نحو إصلاح انتخابي يعزز الإصلاح الاقتصادي : الإصلاح السياسي هو المدخل لأي إصلاح اقتصادي حقيقي. فلا يمكن لبرلمان يعكس مصالح القوى المهيمنة أن يقود إصلاحات مؤلمة لكنها ضرورية. من هنا، تبرز مجموعة من المقترحات:
1. العودة إلى سانت ليغو الأصلي (1، 3، 5...) بما يمنح القوى الناشئة فرصاً أكبر.
2. تحديد عتبة انتخابية رسمية وواضحة (4–5%) بدلاً من استخدام معامل 1.7 كأداة إقصائية.
3. دمج النظام النسبي مع التمثيل المناطقي لضمان عدالة التمثيل وخفض كلفة العملية الانتخابية.
4. إعادة النظر في حجم البرلمان وتقليل النفقات المخصصة له بما ينسجم مع وضع العراق المالي.
خاتمة: استعادة الثقة تبدأ من العدالة الانتخابية : الأرقام ليست محايدة، والنظام الانتخابي ليس مجرد معادلة رياضية. إنه أداة سياسية تحدد شكل البرلمان وقدرته على إصلاح الاقتصاد. استمرار التلاعب بالنظام الانتخابي لإقصاء المستقلين وتكريس النخب سيبقي العراق
في دائرة مغلقة من الأزمات السياسية والاقتصادية.
إن استعادة ثقة الشارع العراقي تبدأ من إصلاح النظام الانتخابي. فالعدالة الانتخابية ليست رفاهية سياسية، بل شرط أساسي لبناء برلمان فاعل قادر على معالجة التحديات الاقتصادية الهائلة التي تواجه البلاد، من عجز الموازنة إلى ضعف الاستثمار وتدهور الخدمات العامة.
والانتخابات المقبلة تمثل فرصة حقيقية، إن استُغلت، لكسر حلقة الاحتكار وإعادة بناء النظام السياسي على أسس تمثيلية عادلة تعيد الاعتبار لصوت المواطن وتضع الاقتصاد على سكة الإصلاح الحقيقي.
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. لماذا أصدر البنك المركزي السوداني ورقة نقدية فئة الألفي جنيه
.. Invicta S-Type .. تحفة بريطانية نادرةلا يتجاوز إنتاجها 75 نس
.. الإغلاق الحكومي يتحول إلى كارثة اقتصادية في أميركا
.. العربية ويكند | قانون يهدد بمواجهة اقتصادية بين أميركا وأورو
.. الفرعون الجديد .. أبن الأقصر الذي أعاد إنتاج نحت الفراعنة