الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
سنكنس التعذيب ولن نعذب الجلادين...*
قاسم علوان
2007 / 2 / 7اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
(ليس المقصود بهذه المقالة تنفيذ حكم الإعدام بصدام وأتباعه...)
لماذا لا نكنس التعذيب حقا ولا نعذب الجلادين...؟ أعرف جيدا مقدار الشحنة الرومانسية البعيدة عن الواقع.. الذي تكتنزها هذه العبارة الشعرية.. المعبئة بروح ثورية مثالية لم تتحقق يوما ما.. هذه الصرخة أو الأمنية مستحيلة التحقق في واقع مثل واقعنا، ليس الواقع العراقي وحده بل العربي... لكن من أين نأتي بإرادة سياسية قوية فاعلة لـ (تكنس التعذيب ولن تعذب الجلادين...) بالتأكيد أن هذه الأمنية ليس لها أي وجود أو صدى في واقع عربي سياسي مأزوم ومتشنج مثل واقعنا.. لم تتأصل عميقا في وجدان ثقافته أية مفاهيم إنسانية للرحمة أو العفو على الخصوم السياسيين الخاسرين مطلقا، لم نجد غير مفاهيم العقاب والأحقاد والثأر وعدم نسيان الضغائن.. بل التغني بها في كل المناسبات.. من يدلني على أي تغيير سياسي حدث في أي أرض عربية لم تصاحبه أو تليه أنهارا من الدماء وحتى الكثير من عمليات الانتقام وقتل الأبرياء أحيانا بدون مبرر، فقط لإخافة الآخرين وإرهابهم ليس إلا...! أو على الأغلب بدعاوى عقائدية مختلفة أغلبها بلبوس الدين والدين منها براء..
لماذا لا نعمد إلى إشاعة سياسة التسامح والعفو إزاء (الخصوم) السياسيين السابقين حتى ولو كانت لهم أخطاء معينة.. وربما كانت أخطائهم مميتة أيضا.. كما حدث في حالات معاصرة.. ومثلما فعل بعض القادة السياسيين في أنحاء مختلفة من العالم في الوقت الحاضر وفي أوقات سابقة أيضا، وذلك بشكل موازي للتغييرات السياسية الجذرية التي حدثت في مجتمعاتهم.. وغير بعيدة عن أذهاننا تجربة جنوب أفريقيا مثلا.. وكذلك تجربة الهند التي سبقتها بأعوام كثيرة، وبالذات دعوات الزعيم الهندي غاندي لنبذ العنف بكل أشكاله.. ألم تكن في سياسة العفو عن الخصوم السياسيين الخاسرين عقوبة نفسية لهم..؟ أولئك الجلادون الحقيقيون منهم ينتظرون العقاب حقا، وربما بسرعة.. لكنك بعفوك عنهم تضعهم أمام عقوبة الضمير الدائمة، والخوف الدائم من الناس الذين أخطئوا بحقهم سابقا.
عندما تواجه الخصم السياسي المندحر الخاسر.. بسلوك ورؤيا للحياة وللمستقبل مختلفة عن سلوكه ورؤياه السياسية الخاسرة أيضا.. نرى أن في ذلك عقوبة معنوية شديدة له.. عندما يرى فيك مشروعا سياسيا لحياة جديدة حقا تختلف كثيرا عن الحياة التي صنعها هو وبشر بها.. لكن عندما تسلك سلوكا مماثلا له، وتقتل خصومك بدم بارد مثلما كان يفعل هو.. وتبني سجونا ومعتقلات سرية مثل معتقلاته، وتعهد بها لرجال فاشلين، فقط يبحثون عن وظيفة، وسيعتادون بسرعة على ممارسة السلطة بشكل غاشم، ومن ثم إيذاء الآخرين مثل رجاله.. وتعاقبه بمثل ما كان يعاقبك لو ظفر بك حيا.... إذن فقد تحولت أنت بدمك ولحمك من ضحية له.. إلى جلاد عليه، وربما على الآخرين من أبناء شعبك ممن يختلفون معك في الرأي أو العقيدة.. فأنت في هذه الحالة مثيله، وتشبهه تماما مهما كان مشروعك السياسي أو الانتخابي القادم الذي تبشر به بين أنصارك ومريديك، ومهما تحدثت عن الديمقراطية والتعددية.. فانك لا تختلف عنه كند سياسي أبدا، وتكون بذلك منحته شيئا من الراحة النفسية والمعنوية سواء له أو لأنصاره من بعده، ممن لم تستطع أن تظفر بهم إلى هذه اللحظة بأنك مثله أو مثلهم.. فهو بذلك.. وكذلك هم لم يخسروا شيئا.. فقد استطاعوا أن يصنعوا صنوا أو مثيلا لهم في المشروع السياسي الجديد...!! وربما تتجسد قسوتك عليه إذا كان مذنبا بمنحه قليلا من الألم فقط عندما تقتله بإطلاق النار عليه.. أنت فقط في هذه الحالة تنزل العقاب أو الألم ألممض بذويه وعائلته، والذين غالبا ما يكونون أبرياء من أخطائه وآثامه تلك..
عندما تتحول الضحية إلى جلاد.. مثلها مثل سابقها القاسي والظالم.. الذي لا تنفك أنت تعدد مثالبه وتحصي ضحاياه، وتبشر بمستقبل جديد مختلف، ولكنه مع هذه الحالة الجديدة، لم تعد هناك من قضية سياسية جديدة رابحة يفرح بها الشعب الذي كان مضطهدا سابقا.. أمام سيف الانتقام المرفوع من جديد مطالبا بثارات سابقة.. بل سينكفئ الجميع وسيصابون بالإحباط عندما يرون هذا العدد الكبير من القتلى بغض النظر عما إذا كانوا مذنبون أو لا.. لماذا تكون دائما التهم جاهزة لنلصقها بالضحايا.. مثلما كان يفعل (رجال صدام) بخصومهم.. بان هذه (الضحية) أو تلك وبسرعة قصوى هو (إرهابي..) أو (وهابي..) بدون تمحيص ولا تدقيق.. لا نعتقد أبدا بأن نفسا سوية تفرح أو تقبل بهذا الشكل من العقاب العلني.. إلا إذا كانت متعطشة للدماء والقتل المجاني مثل جلادها السابق.. وسيقول قائل.. ألم يرد في كتاب الله (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) ونقول نعم فليكن هناك قصاص.. ولكن أمام القضاء والقانون الذي تطبقه الدولة أو الحكومة الشرعية.. وليس الأفراد أو الأحزاب.. نقول ذلك ونحن نقف الآن أمام جهاز قضائي جديد ومختلف جدا عن السابق يمكن أن يحقق العدالة حتى بأثر رجعي...
لذا لم يكن شيئا مفاجئا للجميع أن نرى هذا العدد الكبير من الناس البسطاء يتأسفون علنا على (نظام صدام المقبور) لأنه وعلى حد تعبيرهم.. لم يكن يحدث في ذلك الزمن أن يقتل هذا العدد الكبير من الضحايا.. وتحدث هذه الفظائع بشكل علني...! وكذلك ما حدث ويحدث للمجتمع العراقي في الوسط والجنوب من تمزق وتهجير للعائلات بدعاوى كريهة تشمئز النفس السوية منها.. كان ضحايا (النظام السابق) يختفون فجأة ولا يستطيع أحد أن يتكلم عنهم أو يذكرهم أو يستطيع أن يبحث أو يسأل عنهم.. لكن الذي يحدث الآن بأن يختطف الضحايا على رؤوس الأشهاد من مختلف المشارب والمذاهب على الهوية.. ودائما على أيدي مجهولين.. ليعثروا على جثثهم بعد ساعات مرمية في المزابل أو على الطرق الخارجية.. وبالتالي لا نريد للعراق كما يتوقع البعض بأن (العملية السياسية) هي بصدد إنتاج نظام سياسي مماثل للنظام السابق إن لم يكن أبشع أو تقسيم العراق...!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من قصيدة للشاعر البحريني الكبير قاسم حداد
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الأدميرال ميغويز: قدراتنا الدفاعية تسمح بالتصدي للأسلحة التي
.. صدامات بين الشرطة وإسرائيليين عند معبر كرم أبو سالم
.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية ليلية تستهدف مناطق في مدينة ر
.. احتجاجات حرب غزة تقاطع حفل تبرعات للرئيس بايدن
.. ضربات إسرائيلية على مدينة حلب تسفر عن مقتل 38 شخصا من بينهم