الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
سباق الممرات الإقليمية: بين جنون الجغرافيا وفرصة العراق الأخيرة لحماية سيادته ومكانته الاقتصادية
عامر عبد رسن
2025 / 8 / 10السياسة والعلاقات الدولية
في عالم تتغيّر فيه الجغرافيا السياسية بسرعة، لم يعد الصراع بين الدول محصورًا بالقوة العسكرية أو النفوذ السياسي، بل أصبح سباقًا محمومًا على الممرات الاقتصادية والطرق الاستراتيجية. اليوم، يشهد الشرق الأوسط وامتداداته نحو القوقاز
وشرق المتوسط إعادة رسم لخرائط النفوذ، يقودها لاعبان بارزان: رجب طيب أردوغان وبنيامين نتنياهو.
وإذا كان نتنياهو – في نظر كثيرين – يسعى لفرض وقائع جديدة بحثًا عن ممرات وأراضٍ إضافية، فإن أردوغان يبدو أكثر جرأة وإصرارًا، مدفوعًا برؤية أوسع تتجاوز حدود تركيا نحو فضاء جغرافي مترابط يمتد من آسيا الوسطى
إلى شرق أفريقيا، مرورًا بالقوقاز والعراق وسوريا.
ضعف إيران النسبي في السنوات الأخيرة، وتراجع قدرتها على التحكم بمسارات التجارة الإقليمية، خلق نافذة تاريخية لأطراف أخرى لملء الفراغ. وهنا، يجد العراق نفسه أمام مفترق طرق: إما أن يكون لاعبًا محوريًا في هذه اللعبة الجغرافية،
أو أن يتحول إلى ممر بديل في حسابات الآخرين، بلا عوائد حقيقية ولا سيادة كاملة.
أولًا: منطق اللاعبين في سباق الممرات :
1. تركيا – رؤية أردوغان التوسعية : تركيا تسعى لبناء ما يمكن تسميته بـ"شبكة الممرات التركية"، التي تربط الأناضول بالقوقاز، ثم بآسيا الوسطى والخليج والبحر الأحمر.
الأدوات متعددة: ممر زنغزور (الذي يقلّص اعتماد أذربيجان على إيران)، النفوذ في شمال سوريا وشمال العراق، مدّ خطوط الطاقة والسكك، وتفعيل اتفاقيات لوجستية–عسكرية مرنة. كما توظّف تركيا الشركات الكبرى، والبلديات،
والمؤسسات الدينية والوقفية، وحتى الجاليات التركية في الخارج كأذرع ناعمة لدعم مشروعها.
2. إسرائيل – استراتيجيات نتنياهو : تركز إسرائيل على تثبيت ممرات أمنية واقتصادية في شرق المتوسط، من خلال ربط موارد الغاز والكابلات البحرية بموانئ وممرات نحو أوروبا والهند، بالتعاون مع اليونان وقبرص .
كما تبحث عن عمق جغرافي يمنحها قدرة مناورة أكبر بعيدًا عن القيود المفروضة عليها في محيطها المباشر.
3. إيران – خطر فقدان دور “دولة العبور” : مع تراجع نفوذها النسبي، تواجه إيران خطر فقدان دورها كحلقة وصل تجارية بين آسيا الوسطى والقوقاز من جهة، والخليج وشرق المتوسط من جهة أخرى.
هذا الضعف قد يدفعها إلى تعطيل المشاريع المنافسة عبر وكلاء أو الدخول في صفقات محدودة لحفظ بعض النفوذ.
ثانيًا: خرائط الممرات الحرجة حول العراق
• شمال–شمال شرق: ممر زنغزور نحو تركيا وأوروبا، يقلّل من أهمية الممرات الإيرانية.
• شمال العراق–الأناضول: خطوط طاقة وطرق وسكك محتملة عبر كردستان أو الموصل–الأنبار باتجاه المتوسط.
• شرق–غرب سوريا: ربط تركي–متوسطي عبر شمال سوريا، يضغط على المنافذ البرية العراقية غربًا.
• جنوب العراق–الخليج: مشروع ميناء الفاو الكبير وربطه بالسكك الحديدية كممر بحري–بري منافس.
ثالثًا: التأثير المباشر على العراق
1. اقتصاديًا ولوجستيًا
• خطر تحويل مسارات التجارة بعيدًا عن العراق إذا تفوقت الممرات التركية–القوقازية–المتوسطية.
• احتمالية زيادة تكاليف الواردات إذا تحكمت تحالفات إقليمية جديدة برسوم ومعابر حيوية.
• فرصة للعراق إذا سرّع مشروع الفاو–السكك–المناطق الحرة ليصبح لاعبًا في تجارة الخليج–المتوسط.
2. أمنيًا وحدوديًا
• تمدد "المناطق الآمنة" التركية داخل شمال العراق بذريعة مكافحة الإرهاب قد يفرض وقائع جغرافية جديدة.
• احتمالية صراع بالوكالة إذا حاولت إيران تعطيل الممرات المنافسة عبر أراضٍ عراقية أو سورية.
• حساسية عالية لخطوط النفط والغاز وكابلات الاتصالات العابرة للأراضي العراقية.
3. سياسيًا وسياديًا
• ضغوط لعقد تفاهمات ممرية مشروطة، قد تقلل من قدرة بغداد على فرض تسعير ومعايير مرور عادلة.
• انقسامات داخلية محتملة حول توزيع العوائد والتعويضات على المحافظات التي تمر بها هذه الممرات.
رابعًا: سيناريوهات محتملة
1. هيمنة الممر التركي–القوقازي: نجاح ممر زنغزور وشبكات تركيا مع شمال سوريا، مع تراجع دور العراق إذا لم يسرّع مشاريعه.
2. توازن ممرات بوساطة دولية: ترتيبات تشغيل مشتركة وعوائد موزعة، ما يمنح العراق فرصة للتكامل بدل التهميش.
3. تعطيل متبادل: تصعيد أمني وتعطيل للممرات، ما يزيد الكلفة على التجارة ويهدد الاستقرار في شمال العراق.
خامسًا: مؤشرات إنذار مبكر يجب مراقبتها
• توقيع عقود تشغيل وحماية تركية–أذرية لممرات جديدة.
• استثمارات تركية في بنية تحتية شمال العراق من دون اتفاق اتحادي واضح.
• ترتيبات أمنية أجنبية قرب نقاط عبور استراتيجية.
• ربط ممرات القوقاز بمشاريع طاقة وكابلات دولية تمر بالمنطقة.
سادسًا: ما الذي يجب على العراق فعله الآن؟
أ) تسريع البدائل الوطنية
• استكمال مشروع ميناء الفاو الكبير وربطه بشبكة سكك حديدية ومناطق لوجستية ذكية.
• إقامة مناطق حرة على المحاور التجارية، خاصة نحو الحدود التركية والسورية والأردنية.
• عقد اتفاقات عبور بديلة مع دول الخليج ومصر والأردن.
ب) تثبيت السيادة على الممرات
• ربط أي تعاون حدودي–أمني مع تركيا بحزمة اقتصادية–لوجستية تحفظ رسوم عبور عادلة للعراق.
• فرض معايير مرور وأمن وتشغيل تحت إشراف اتحادي معلن.
ج) تنويع الشركاء
• إدخال شركات تشغيل لوجستية آسيوية وأوروبية في مشاريع الموانئ والسكك لتقليل الهيمنة الإقليمية.
• إنشاء مجلس وطني للممرات يضم النقل والكمارك والطاقة والاتصالات.
د) تحصين الاقتصاد
• إنشاء صندوق لتثبيت أسعار الاستيراد للمواد الاستراتيجية إذا ارتفعت رسوم أو تأخر العبور.
• دعم النقل متعدد الوسائط (سكة–شاحنة–نهر) لتسريع حركة البضائع.
هـ) إدارة العوائد والمخاطر
• توزيع عوائد العبور على المحافظات المضيفة للمشاريع، مع التزامات حماية بيئية واجتماعية.
• تأمين خطوط النفط والغاز وكابلات الاتصالات بأنظمة مراقبة واستجابة سريعة.
المشهد الحالي ليس مجرد تنافس على مشاريع طرق وموانئ، بل هو إعادة رسم لخريطة النفوذ في المنطقة. إذا لم يتحرك العراق بسرعة ليكون طرفًا فاعلًا في سباق الممرات،
فقد يجد نفسه محاصرًا بين شبكات إقليمية تتحكم بمنافذه، وتفرض شروطها على تجارته، بل وربما على قراره السياسي.
الفرصة ما زالت قائمة، لكنها تتطلب رؤية جريئة، تنفيذًا سريعًا، وتحالفات ذكية تحفظ للعراق سيادته وتجعله عقدة استراتيجية لا يمكن تجاوزها.
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. بن سلمان -يراهن- على طموح ترامب لوقف الحرب| السودان الآن.
.. -ترامب يصنف السعودية -حليفاً رئيسياً من خارج الناتو
.. دار غلوبال السعودية تسعى لتمويل أحدث فنادق ترامب ببيع رموز م
.. هل قطعت البرازيل غابات الأمازون لاستضافة قمة المناخ؟
.. الكونغرس الأمريكي يصوت لصالح نشر وثائق التحقيق في قضية جرائم