الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الكهرباء في العراق: وفرة الموارد وغياب الإنجاز
عامر عبد رسن
2025 / 8 / 15الادارة و الاقتصاد
في الوقت الذي تنجح فيه بعض الدول في ابتكار حلول غير مألوفة لتوليد الطاقة، حتى من الطائرات الورقية، لا يزال العراق – صاحب ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم، وثالث أكبر احتياطي من الغاز في المنطقة، وأكثر من 300 يوم مشمس سنويًا، ومساحات شاسعة قابلة لاستثمار طاقة الرياح – يعاني من خدمة كهرباء متردية وانقطاعات مزمنة. المفارقة أن عناصر إنتاج الطاقة المتجددة والمتنوعة لدينا ليست أحلامًا أو مشاريع مستقبلية، بل موارد حقيقية تتبخر فرصها يوميًا بين سوء التخطيط، وضعف الاستثمار، وغياب الإرادة السياسية لتحويل الإمكانات إلى إنجازات. وهكذا، نجد أنفسنا في وضع يمكن وصفه بأنه "ترف الهدر"؛ نملك النفط والغاز والشمس والرياح، ومع ذلك نعيش في عجز كهربائي مزمن، فيما العالم من حولنا يولّد الكهرباء حتى من ألعاب الأطفال.
أولاً: صورة الواقع – أرقام تكشف التراجع
1. التخصيصات المالية الضخمة دون نتائج مستدامة
1. وفق بيانات الموازنات العراقية خلال الأعوام الأخيرة، حصلت وزارة الكهرباء على تخصيصات تجاوزت 81 تريليون دينار عراقي بين 2003 و2023.
2. في موازنة 2023 وحدها، بلغت التخصيصات حوالي 15 تريليون دينار (ما يعادل أكثر من 10 مليارات دولار).
3. رغم هذه الأرقام الضخمة، لا يزال الإنتاج الفعلي للطاقة يتراوح بين 20 – 24 ألف ميغاواط، في حين أن الحاجة الفعلية تتجاوز 32 ألف ميغاواط في ذروة الصيف.
2. الاعتماد المفرط على الاستيراد
• يستورد العراق ما بين 1200 إلى 1500 ميغاواط من الكهرباء من إيران، إضافة إلى الغاز المشغّل لمحطات توليد الكهرباء، بكلفة سنوية تصل إلى 4 مليارات دولار.
• هذا الاعتماد يضع العراق تحت ضغط سياسي واقتصادي، خاصة في أوقات الأزمات أو العقوبات على إيران.
ثانياً: الفرص المهدورة – موارد تكفي لتصدير الكهرباء
1. الغاز المصاحب
• العراق يحرق سنويًا أكثر من 18 مليار متر مكعب من الغاز المصاحب لاستخراج النفط، وهو ما يعادل 5 جيغاواط من الكهرباء يمكن توليدها لو استثمرت هذه الكمية.
• قيمة الغاز المحروق تقدّر بأكثر من 3 مليارات دولار سنويًا، أي أنه يتم إحراق فرصة لتغطية نصف عجز الكهرباء تقريبًا.
2. الطاقة الشمسية
• يتمتع العراق بأكثر من 300 يوم مشمس سنويًا، بمعدل سطوع يتراوح بين 5 – 7 كيلوواط/ساعة لكل متر مربع يوميًا.
• مشاريع الطاقة الشمسية الحالية أقل من 3% من إجمالي الإنتاج الكهربائي، وهي نسبة متواضعة جدًا مقارنة بدول مجاورة مثل الإمارات (أكثر من 10%) والسعودية (خطط لتجاوز 50% بحلول 2030).
3. طاقة الرياح
• مناطق غرب العراق (الأنبار، نينوى) وجنوبه (ذي قار، المثنى) تتمتع بسرعة رياح تتراوح بين 6 – 7 م/ث، وهي مثالية لتشغيل توربينات الرياح.
• تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن العراق قادر على إنتاج 4 – 5 جيغاواط من الرياح فقط عبر استثمارات لا تتجاوز 8 مليارات دولار.
ثالثاً: جذور المشكلة – لماذا نفشل رغم الوفرة؟
1. غياب التخطيط طويل الأمد: معظم المشاريع تنفذ كرد فعل لأزمات انقطاع الكهرباء، لا ضمن خطة استراتيجية وطنية للطاقة.
2. الفساد الإداري والمالي: عقود بمليارات الدولارات أبرمت لبناء محطات أو استيراد معدات لم تدخل الخدمة الفعلية أو توقفت بعد أشهر.
3. البيروقراطية وتعطيل الاستثمار الخاص: القوانين والإجراءات المعقدة تحد من دخول الشركات الأجنبية والمحلية في قطاع الطاقة المتجددة.
4. الاعتماد النفسي على النفط: استمرار الاعتقاد بأن وفرة النفط تغني عن تنويع مصادر الطاقة، مما يؤخر الاستثمار الجاد في الطاقة المتجددة.
رابعاً: مقارنة دولية – كيف تحولت الطائرات الورقية إلى كهرباء؟
في الوقت الذي يهدر فيه العراق الغاز ويحرق فرصة الاستفادة من الشمس والرياح، هناك دول مثل أيرلندا طورت مشاريع لاستخراج الطاقة من حركة الطائرات الورقية الكبيرة المربوطة بتوربينات، مستفيدة من الرياح على ارتفاعات عالية.
هذه المقارنة ليست لتقديم الطائرات الورقية كحل للعراق، بل للتندر على حجم الإبداع في العالم مقابل الركود المحلي: إذا كانت دول بلا نفط ولا شمس كافية قادرة على توليد الكهرباء من ألعاب الأطفال، فكيف بعراق يملك كل عناصر القوة الطاقوية ويعاني من الظلام؟
خامساً: خارطة طريق لحل أزمة الكهرباء
1. استثمار الغاز المصاحب خلال 3 سنوات
• فرض إلزام على شركات النفط بتجميع الغاز وحرق صفر بحلول 2028.
• إقامة شراكات مع شركات عالمية مثل "شل" و"توتال" لتسريع مشاريع الاستغلال.
2. برنامج وطني للطاقة الشمسية
• إطلاق مشروع لتوليد 10 جيغاواط من الطاقة الشمسية بحلول 2030، عبر شراكات حكومية–خاصة.
• تشجيع تركيب الألواح الشمسية على أسطح المباني السكنية والمؤسسات، مع إعفاءات جمركية وضريبية.
3. مزارع رياح استراتيجية
• تخصيص أراضٍ في الأنبار والمثنى ونينوى لمزارع رياح بقدرة إنتاجية إجمالية 4 جيغاواط.
• تقديم حوافز للشركات الأجنبية للاستثمار في هذا القطاع الحيوي.
4. إصلاح الإطار المؤسسي
• إنشاء هيئة عليا للطاقة المتجددة والكفاءة الطاقوية، تتمتع بصلاحيات تنفيذية ومالية مستقلة.
• وضع خطة موحدة لدمج الطاقة المتجددة بالشبكة الوطنية وخفض الاعتماد على الاستيراد إلى أقل من 5% بحلول 2030.
سادساً: الفوائد المتوقعة من التنفيذ
• تغطية العجز الكهربائي بالكامل بحلول 2030.
• توفير 4 مليارات دولار سنويًا كانت تذهب لاستيراد الغاز والكهرباء.
• خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 40%، ما يفتح باب التمويل الدولي لمشاريع الطاقة النظيفة.
• خلق أكثر من 100 ألف فرصة عمل في مشاريع الطاقة المتجددة وصيانة المحطات.
الخاتمة
أزمة الكهرباء في العراق ليست أزمة موارد، بل أزمة إدارة وإرادة. ما لم تتحول الخطط إلى التزامات زمنية ملزمة، ويُكسر احتكار القرار لصالح رؤية وطنية شاملة، فإن العراق سيبقى بلد النفط المظلم، بينما تضيء الطائرات الورقية سماء الآخرين.
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الرئيس السيسي يشهد افتتاح عدد من المحطات البحرية بالمنطقة ال
.. وليد جمال الدين: 2025 يمثل عام الافتتاحات بالمنطقة الاقتصادي
.. رئيس الهيئة الاقتصادية لقناة السويس يقدم هدية تذكارية للرئيس
.. رئيس اقتصادية قناة السويس يستعرض استراتيجية الهيئة في جذب ال
.. كلمة وزير الصناعة والنقل خلال افتتاح عدد من المحطات البحرية