الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الاقتصاد قبل المدفع: كيف تهدد ضغوط الأسواق الإسرائيلية مشروع إعادة احتلال غزة؟
عامر عبد رسن
2025 / 8 / 15الادارة و الاقتصاد
منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023، انشغل الرأي العام الدولي بالجدل السياسي والدبلوماسي حول الموقف الإسرائيلي، فيما تراجعت – أو كادت تُهمل – قراءة الأبعاد الاقتصادية للأزمة.
غير أن المؤشرات الأخيرة تكشف أن الضغوط المالية والاقتصادية على الحكومة الإسرائيلية قد تكون أعمق وأكثر تأثيراً من الضغوط السياسية أو حتى العسكرية. ففي حين يمكن للحكومات أن تتحمل عزلة سياسية أو انتقادات إعلامية،
إلا أن الأسواق لا ترحم، وهروب الاستثمارات وضرب الثقة الاقتصادية يفرض تكلفة يومية مباشرة على المالية العامة وعلى بيئة الأعمال.
اللافت أن هذه الضغوط الاقتصادية قد تتحول إلى عامل حاسم في تغيير مسار السياسات، وربما تُسهم – أكثر من أي ضغط سياسي – في إضعاف نزعة “صقور” الحكومة الإسرائيلية لدفع مشروع إعادة احتلال غزة.
فالمستثمرون الدوليون، بخلاف الساسة، يتخذون قراراتهم على أساس حسابات الربح والخسارة، ولا يترددون في الانسحاب عندما ترتفع المخاطر الأخلاقية أو تتزايد التكاليف التشغيلية والسياسية.
أولاً: خطوة النرويج… جرس إنذار للأسواق : أحدث قرار صندوق الثروة السيادي النرويجي – الأكبر في العالم بقيمة تريليوني دولار – بإنهاء عقوده مع مديري الأصول في إسرائيل وبيع حصص في 11 شركة إسرائيلية،
صدمة في أسواق تل أبيب. القرار جاء بعد مراجعة عاجلة شملت استثمارات الصندوق في شركات تقدم خدمات أو معدات للجيش الإسرائيلي، في ظل الحرب الجارية في غزة والضفة الغربية.
وفق بيانات الصندوق، كان يمتلك أسهماً في 65 شركة إسرائيلية بنهاية 2024 بقيمة تقارب 1.95 مليار دولار، باع منها حصصاً في شركات طاقة واتصالات العام الماضي لأسباب أخلاقية،
وها هو الآن يوسع قائمة التخارج. الأخطر أن المراجعة لا تزال مفتوحة، ما يعني أن موجة بيع ثانية قد تكون في الطريق، وهو ما يخلق حالة ترقب وقلق في أوساط المستثمرين المحليين والدوليين.
هذه الخطوة ليست مجرد صفقة بيع أسهم، بل رسالة سياسية–اقتصادية مزدوجة:
1. إسرائيل لم تعد وجهة استثمارية آمنة أخلاقياً أو سياسياً لكبار الصناديق.
2. الخروج يمكن أن يتم على نطاق واسع وسريع، مما يربك الأسواق ويضغط على أسعار الأصول.
ثانياً: سجل الانسحابات… النرويج ليست وحدها : هذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها السوق الإسرائيلي موجات انسحاب من صناديق كبرى:
• 2009: استبعاد شركة Elbit Systems من صندوق الثروة النرويجي، ما أثار أزمة دبلوماسية ولفت أنظار المستثمرين إلى مخاطر الاستثمار في قطاع الدفاع الإسرائيلي.
• 2014: تصفية PGGM الهولندي لاستثماراته في خمسة بنوك إسرائيلية بسبب تمويل أنشطة في المستوطنات.
• 2021: KLP النرويجي يسحب استثماراته من 16 شركة مرتبطة بالمستوطنات.
• 2024: KLP يبيع حصصه في Caterpillar، وPFZW الهولندي يعلن التخارج من جميع استثماراته المدرجة في إسرائيل.
• 2025: KLP يستبعد Oshkosh وThyssenKrupp لارتباطهما بالحرب على غزة.
هذه السوابق تبرز نمطاً متزايداً: الضغوط الأخلاقية والحقوقية تتحول إلى قرارات مالية، وهذه القرارات تُترجم إلى خسائر رأسمالية، وتدفقات خارجة، وانكماش في الثقة.
ثالثاً: أثر الانسحابات على السوق الإسرائيلي : رغم أن بعض هذه الانسحابات تبدو محدودة في القيمة (ملايين أو عشرات الملايين من الدولارات)، فإن تأثيرها النفسي والسوقي أكبر بكثير.
فالسوق المالية الإسرائيلية تعتمد بشكل متزايد على تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، لا سيما من الصناديق الغربية التي تملك معايير استثمار مسؤولة.
الآثار المباشرة:
1. انخفاض أسعار الأسهم المستهدفة: الشركات التي شملتها قرارات التخارج عادة ما تسجل تراجعاً فورياً في أسعارها.
2. ارتفاع تكلفة رأس المال: انسحاب الصناديق يقلل الطلب على السندات والأسهم، ما يرفع العوائد المطلوبة.
3. زيادة تقلبات السوق: موجات بيع من مؤسسات كبيرة ترفع من التذبذب، وتجعل السوق أكثر عرضة للمضاربات.
الآثار غير المباشرة:
• تراجع التصنيف الأخلاقي لإسرائيل في مؤشرات الاستثمار المستدام (ESG)، ما يحد من قدرة الشركات على جذب تمويل عالمي.
• تنامي المخاطر القانونية، خصوصاً في أوروبا، حيث تفرض بعض القوانين على الصناديق التحقق من التزامات حقوق الإنسان في استثماراتها.
رابعاً: من الاقتصاد إلى السياسة… متى يتأثر القرار العسكري؟
الضغط الاقتصادي على الحكومة الإسرائيلية يأتي في وقت حساس للغاية. فمشروع إعادة احتلال غزة يتطلب تمويلاً ضخماً، ليس فقط للعملية العسكرية نفسها، بل لإدارة طويلة الأمد للأراضي، بما يشمل الأمن والبنية التحتية والخدمات.
ومع تزايد كلفة الاقتراض وتراجع الاستثمارات، تصبح معادلة التمويل أكثر صعوبة:
• زيادة الإنفاق العسكري تتزامن مع انخفاض الإيرادات الضريبية نتيجة تباطؤ الاقتصاد.
• الأسواق تراقب بحذر، وأي مؤشر على تورط طويل الأمد في غزة يمكن أن يدفع بمزيد من رؤوس الأموال إلى الخروج.
هنا، يتحول الاقتصاد إلى أداة ضغط داخلية: وزارة المالية، بنك إسرائيل، والقطاع الخاص قد يجدون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع “صقور” الحكومة، محذرين من أن الكلفة الاقتصادية لمغامرة عسكرية طويلة قد تكون أكبر من المكاسب السياسية المزعومة.
خامساً: الاستفزازات السياسية كأداة دفاعية… لكنها مكلفة : ردود الفعل الإسرائيلية على قرارات الانسحاب غالباً ما تأخذ طابعاً سياسياً حاداً، مع اتهام هذه الصناديق بـ”معاداة السامية” أو “التحيز السياسي”.
هذه الاستفزازات، التي يطلقها بعض وزراء الحكومة وأقطاب اليمين، قد تُرضي القاعدة الانتخابية الداخلية، لكنها تزيد من عزلة إسرائيل الاقتصادية.
الأسواق لا تكترث بالشعارات السياسية، لكنها تلتقط الرسائل حول بيئة الاستثمار:
• إذا بدا أن الحكومة مستعدة لتصعيد التوتر مع مستثمرين كبار، فإن ذلك يزيد من تصور المخاطر.
• التصريحات العدائية قد تدفع صناديق مترددة إلى اتخاذ قرار الخروج بدلاً من البقاء في سوق عالية المخاطر السياسية.
سادساً: مؤشرات مقلقة على المدى المتوسط : وفق تقديرات محللين ماليين، إذا استمرت موجة التخارجات بوتيرة مماثلة لما حدث مع النرويج وKLP وPFZW، فإن القيمة السوقية للشركات الإسرائيلية المدرجة
قد تتراجع بما بين 3% و5% خلال 12 شهراً، وهو ما يعني عشرات المليارات من الشواكل من رأس المال السوقي المفقود.
في المقابل، أي تحسن في الأوضاع السياسية أو تقليص العمليات العسكرية يمكن أن يعيد جزءاً من هذه الثقة، لكن ذلك يتطلب قرارات سياسية جريئة ومكلفة داخلياً.
الخاتمة: الاقتصاد يفرض إيقاعه : تاريخياً، عاشت إسرائيل أزمات سياسية وعسكرية عديدة، لكن الاقتصاد ظل قادراً على امتصاص الصدمات بفضل الدعم خارجي والتدفقات الاستثمارية القوية.
الجديد اليوم هو أن مصادر التمويل الغربية ذات المعايير الأخلاقية أصبحت أكثر حساسية وأسرع في اتخاذ قرارات الخروج.
إذا تواصل هذا الاتجاه، فقد تجد الحكومة الإسرائيلية نفسها مضطرة لموازنة أولوياتها العسكرية مع قدرة الاقتصاد على التحمل. في هذه المعادلة، قد يكون إلغاء أو تعديل مشروع إعادة احتلال غزة
خياراً براغماتياً لتخفيف النزيف الاقتصادي، حتى لو استمرت الخطابات السياسية المتشددة.
بكلمات أخرى: قد ينجح الاقتصاد فيما فشلت فيه السياسة – كبح جماح التصعيد – ليس بدافع القيم أو الضغوط الدولية، بل بفعل حسابات الربح والخسارة الباردة التي تحكم الأسواق.
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 14-11-2025 بالصاغة بعد
.. إسرائيل تقرر قطع العلاقات مع البنوك الفلسطينية خلال 60 يوما.
.. رغم انتهاء الإغلاق الحكومي.. كيف سيواجه الاقتصاد الأمريكي ار
.. إثيوبيا قلقة من -حصار اقتصادي- بعد تحركات مصرية في جيبوتي وإ
.. ماذا نعرف عن الذهب الصيني الجديد؟