الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
غرفةٌ واحدة، مقعدٌ واحد يتحدّث والبقية تُصغي. حين تعيد واشنطن تعريف التحالفات وتفرض على أوروبا مقعد الإصغاء
عامر عبد رسن
2025 / 8 / 19الادارة و الاقتصاد
طل علينا اليوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المكتب البيضاوي، يجلس على كرسيه خلف المكتب الرئاسي، بينما يجلس أمامه على مقاعد متقاربة مجموعة من
قادة أوروبا (إيمانويل ماكرون، فولوديمير زيلينسكي، جورجيا ميلوني، والأمين العام لحلف الناتو).
هذا الترتيب ليس مجرد صورة بروتوكولية، بل يحمل رسائل سياسية دقيقة:
* ترامب في موضع “القاضي” أو “المرجع”، فيما يظهر القادة الآخرون في موقع “المستمعين”.
* التوازن في الكراسي يوحي أن هؤلاء القادة مجتمعون عنده في “موقع الطالب”، بينما هو في موقع “المقرر”.
ثانياً:
الدلالات الرمزية
1. إعادة تموضع أميركا:
الصورة توضح أن أوروبا، رغم استقلاليتها الشكلية، ما تزال مرتبطة بالقرار الأميركي، خاصة في الملفات الكبرى (الحرب في أوكرانيا، أمن الطاقة، العلاقة مع روسيا).
2. مركزية ترامب:
ترامب، الذي كان طوال ولايته الأولى على خلاف مع الناتو والاتحاد الأوروبي، يظهر الآن وكأنه “المرجعية السياسية والعسكرية” لهم. هذا تحول رمزي مهم:
أوروبا تجلس لتستمع له، لا لتجادله.
3. الضعف الأوروبي:
القادة الأوروبيون يجلسون متقاربين وكأنهم وفد واحد، ما يعكس “تكتلاً مضطراً” أمام شخصية أميركية مهيمنة. هذا قد يُقرأ كدليل على ضعف الدور الأوروبي منفردًا.
4. الحرب في أوكرانيا:
وجود زيلينسكي وسط الصورة يوحي أن أوكرانيا تبقى محور الاجتماع، وأن ترامب – حتى قبل أي قرار عملي – هو مركز الثقل الذي يحدد مستقبل الحرب أو التسوية.
ثالثاً:
الرسائل السياسية غير المباشرة
* إلى الداخل الأميركي: ترامب يرسل رسالة أنه “رئيس الأمر الواقع”، حيث يجتمع عنده العالم ليأخذ التوجيه.
* إلى روسيا: أن أوروبا ما زالت مربوطة بالموقف الأميركي، رغم تعثر الحرب.
* إلى الصين وبقية العالم: الولايات المتحدة تعود لقيادة النظام الدولي عبر “الرمزية الشخصية” لترامب، وليس عبر المؤسسات.
رابعاً:
قراءة في لغة الجسد
* ترامب يجلس مرتاحًا على كرسيه، في وضعية “المالك” أو “الحاكم”.
* القادة الأوروبيون في وضعية “الإنصات والانتظار”، مع تدوين ملاحظات (ماكرون مثلاً) أو صمت متأمل.
* هذا التباين يعزز صورة الهيمنة الأميركية على القرار الأوروبي.
الصورة ترسم مشهدًا رمزيًا لعودة “أحادية القطب” بقيادة أميركا – ولكن بوجه ترامب الشعبوي لا بوجه المؤسسات الأميركية. أوروبا تبدو ككتلة ضعيفة تبحث عن “مرجعية”،
فيما أوكرانيا هي الذريعة التي جمعتهم.
الرسالة واضحة للحلفاء قبل الخصوم: التحالف الأطلسي باقٍ، لكن بوصفه تحالفًا تقوده واشنطن وتُديره وفق إيقاعها، لا نادٍ متكافئًا للأنداد. في عالم يعاد ترتيبه بسرعة،
تُفضِّل القوة الأميركية الصفقات السريعة على البروتوكول، والنتائج على المجاملات.
ماذا يعني ذلك لنا كعراقيين؟
1. تصلّب المحاور: أوروبا ستنضبط أكثر تحت المظلّة الأميركية أمنياً ومالياً، ما يقلّص هامش “الحياد الأوروبي” في ملفاتنا.
2. أولوية الردع على الدبلوماسية في بيئتنا الإقليمية: لغة “الضمانات” ستسبق لغة “التفاهمات”.
3. حساسية النظام المالي: أدوات الضغط المالية (العقوبات، الامتثال، نظم المدفوعات) ستستخدم بسرعة أكبر وبتنسيق أوسع.
4. سباق التكنولوجيا: الذكاء الاصطناعي، الدفاع الجوي، والحرب السيبرانية ستصير محدّدات النفوذ الأولى حتى 2030.
أين نقف؟
* العراق يقع على خط تماس محاور متشابكة (أميركي–أوروبي، إقليمي، آسيوي).
* لدينا أصلٌ استراتيجي (الطاقة والممرّات والعمق السكاني) لكن لدينا هشاشة مؤسسية (تعدّد مراكز القوة، منظومة امتثال مالي ضعيفة، حدود رخوة).
خياراتنا حتى 2030: سياسة “الحياد النشط الذكي”
القاعدة الذهبية: عدم السماح لأي طرف بجرّ العراق إلى موقع الوكيل، مع تحويل موقعنا إلى منصة مصالح مشتركة لا ساحة تصفية حسابات.
1) أمن وسيادة
* احتكار قسر الدولة للسلاح بجدول زمني ومقايضات ذكية: دمج/إعادة هيكلة/مهنية، مع خط أحمر واضح: لا سلاح خارج قرار الدولة ولا منصات إطلاق من الأرض العراقية.
* دفاع جوي-صاروخي طبقي (كشف مبكر، تشويش، اعتراض) قائم على تنويع المصادر وتبادل البيانات الإقليمي.
* ضبط الحدود كملف سيادي–اقتصادي: تكنولوجيا مراقبة، ممرات جمركية ذكية، واتفاقات أمن حدودية “قابلة للتحقّق”.
2) مالية واقتصاد
* امتثال مالي مُحكم: وحدة وطنية للامتثال والعقوبات داخل البنك المركزي ووزارة المالية تربط المصارف والوزارات لحظيًا؛ هذا يقلّل كلفة الضغط الخارجي ويُسرّع الثقة.
* تنويع قنوات التسوية دون مغامرة بنظام الدولار: اتفاقات مقاصة ثنائية محدودة، توسيع استخدام العملات الإقليمية في التجارة غير النفطية، مع بقاء صادرات النفط بالدولار.
* تحويل النفط إلى نفوذ: تسريع البتروكيماويات، الغاز المصاحب، والتكرير؛ عقود “نفط مقابل بنى تحتية” بشروط شفافة وسقوف تكلفة.
* صندوق استقرار سيادي بسِقف قواعدي (قاعدة مالية): يجمّد فوائض الطفرات ويحقن العجز في الدورات الهابطة.
3) دبلوماسية “محاور القضايا”
* ثلاثي المسارات: مسار واشنطن/العواصم الأوروبية (أمن وتمويل وتقنية)، مسار عربي–خليجي (طاقة وربط كهربائي واستثمار)، مسار جوار (إيران–تركيا) لملفات الحدود والمياه والتجارة.
* اتفاقيات محدَّدة النتائج لا عناوين كبرى: كهرباء، مياه، ممرات لوجستية، أمن حدود، عودة أموال، تبادل سجناء… مع آليات تحكيم واضحة.
4) تكنولوجيا وحوكمة
* أمن رقمي وطني: مركز موحّد لرصد التهديدات السيبرانية للبنوك والطاقة والاتصالات مع بروتوكول استجابة خلال دقائق.
* اقتصاد بيانات: فتح البيانات الحكومية غير الحساسة وتمكين الشركات الناشئة، مع إطار خصوصية صارم.
* التعليم والمهارات: برنامج وطني عاجل لإعادة تأهيل 100 ألف شاب في الأمن السيبراني والبرمجة والذكاء الاصطناعي بحلول 2027.
ضبط الأداء: ما الذي نفعله غدًا، خلال 90 يومًا، و12 شهرًا؟
خلال 30–90 يومًا :
* ترسيخ مبدأ الحياد النشط وخارطة طريق لنزع عسكرة الداخل.
* إنشاء خلية امتثال مالي سيادي وربطها بالقطاع المصرفي فورًا.
* إقرار قواعد اشتباك حدودية وتفعيل غرفة عمليات مشتركة مع الجوار لمنع أي استخدام لأرضنا للهجوم أو الردّ.
خلال 6–12 شهرًا :
* إطلاق أول اتفاق مقاصة تجارية بالعملات المحلية للسلع غير الحساسة.
* بدء مشروع درع سيبراني للقطاعين المالي والطاقة.
* توقيع حزم خدمات مقابل طاقة مع شركاء متعدّدين (نقل، صحّة، تعليم) بعقود شفافة قابلة للتدقيق.
مصفوفة المخاطر وكيف نقلّلها
* عقوبات/تجميد مالي → علاجها: امتثال استباقي، شفافية دفعات، تتبّع آني.
* تصعيد عابر للحدود → علاجها: دفاع جوي طبقي واتفاقات عدم استخدام الأرض.
* تقلب أسعار النفط → علاجها: صندوق الاستقرار والتحوّط السعري الجزئي.
* حرب معلومات → علاجها: مركز وطني للاتصال الاستراتيجي ورسائل موحّدة للحكومة.
مؤشرات قياس النجاح
* انخفاض التحويلات المرفوضة دولياً، تقليص فجوة السعر الموازي/الرسمي، صفقة استثمار نوعية كل 6 أشهر، صفر منصات إطلاق من الداخل، وتراجع الخروقات الحدودية بنسبة 50% خلال عام.
الخلاصة: هذا النوع من المشاهد يقول إن العالم يُدار بمنطق “نتيجة أولاً”. إذا أردنا حماية حدودنا ومكاسبنا حتى 2030، فعلينا أن نتحرّك كدولة عملية، منضبطة، سريعة الامتثال،
ومتعدّدة الشراكات: حيادٌ نشط لا حيادٌ سلبي، وردعٌ للعنف الداخلي، وجرأةٌ اقتصادية محسوبة تحوّل موقع العراق من ساحة تنافس إلى منصة مصالح.
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ألمانيا ترفع القيود عن صادرات الأسلحة إلى إسرائيل التي فرضته
.. موريتانيا.. حظر رمي النقود في المناسبات الاجتماعية
.. أسعار الذهب اليوم الاثنين 17 نوفمبر
.. خالد بيبو ووليد صلاح الدين ومحمد يوسف ونجوم الجيل الذهبى بال
.. الرئيس السيسي يشهد افتتاح عدد من المحطات البحرية بالمنطقة ال