الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الكاش إلى الرقمنة: هل ينجح العراق في إرجاع 80% من العملة خارج البنوك إلى النظام المصرفي؟

عامر عبد رسن

2025 / 8 / 22
الادارة و الاقتصاد


في خطوة لافتة تعكس تسارع مسار الرقمنة المالية في العراق، أعلن مجلس بغداد للتحول الرقمي عن وصول حجم تعاملات الدفع الإلكتروني في شهر تموز الماضي إلى نحو 2.8 تريليون دينار، وهو رقم قياسي يبرز التحول المتزايد
من الاقتصاد النقدي التقليدي إلى منظومات الدفع الحديثة. ويُعد المجلس – الذي أُطلق ليكون منصة وطنية للتنسيق بين المؤسسات الحكومية، والبنك المركزي، والقطاع المصرفي والتقني – أحد أهم الأطر الجديدة لدعم سياسة الشمول المالي
والتحول الرقمي في العاصمة، على أمل أن يشكل نموذجاً يمكن تعميمه في بقية المحافظات.
هذا التطور لا يمثل مجرد زيادة رقمية في حجم التعاملات، بل يعكس ديناميكية أعمق ترتبط بمحاولة استعادة الدولة السيطرة على السيولة النقدية، إذ ما يزال أكثر من 80% من إجمالي العملة العراقية خارج النظام المصرفي.
ومن هنا يكتسب الدفع الإلكتروني أهمية مضاعفة كأداة للحوكمة المالية، ومحرك لتوسيع قاعدة الاستثمار، وتعزيز ثقة المواطن بالقطاع المصرفي.
مجلس بغداد للتحول الرقمي: منصة للتنسيق والتحديث المالي : إذ يُعد مجلس بغداد للتحول الرقمي مبادرة حكومية – مصرفية أُطلقت لدعم سياسات الشمول المالي والتحول الرقمي، وجاء تأسيسه استجابةً لتوجهات البنك المركزي العراقي
والحكومة الاتحادية في تقليص الاعتماد على النقد الورقي. يضم المجلس ممثلين عن محافظة بغداد، ووزارة المالية، والبنك المركزي، إلى جانب دوائر خدمية ومصارف أهلية وحكومية، فضلاً عن شركات الدفع الإلكتروني. ويتمثل دوره الرئيس في:
• تنسيق الجهود بين المؤسسات الحكومية والمصرفية لضمان توحيد السياسات الرقمية.
• تهيئة البنية التحتية اللازمة لتوسيع نقاط البيع (POS) واعتماد وسائل الدفع الحديثة.
• متابعة الأداء الميداني لشركات الدفع الإلكتروني والتأكد من الامتثال للمعايير.
• تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التحول الرقمي في المعاملات اليومية، سواء في تسديد الرسوم الحكومية أو في التجارة الخاصة.
إن إنشاء المجلس يُمثل انتقالاً من المعالجات الجزئية إلى إطار مؤسسي منظم، يُفترض أن يحوّل العاصمة بغداد إلى مختبر وطني لتجربة سياسات الدفع الإلكتروني وتعميمها لاحقاً على باقي المحافظات.
التحليل الاقتصادي والمالي
أولا : زخم تسارع الانتقال إلى الدفع الإلكتروني : يُظهر الرقم 2.8 تريليون دينار في تعامُلات الدفع الإلكتروني خلال شهر واحد ارتفاعًا ملحوظًا، خاصة بالمقارنة مع بيانات العام الماضي:
1) في يوليو (تموز) 2024، سجّل حجم المعاملات نحو 2 تريليون دينار، مقابل 0.8 تريليون دينار في يوليو 2023 .
2) هذا يشير إلى نمو سنوي يقارب 40% في التعامُلات الإلكترونية خلال يوليو 2025 على أساس 2024، مما يعكس تسارعًا لافتًا جداً في التوسعة الرقمية.
ثانيا : أسباب هذا النمو
1) جهود البنك المركزي والحكومة: تحفيز الدفع الإلكتروني عبر المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، بتوسيع انتشار أجهزة نقاط البيع POS))، وتبني سياسات تشجيعية .
2) تعميق البنية التحتية المالية الرقمية: إنشاء أنظمة مركزية للدفع الرقمي، زيادة عدد الحسابات المصرفية والبطاقات والمحافظ الإلكترونية .
3) المستوى الاقتصادي: حاجة للحد من الاعتماد على الكاش للمكافحة الفساد، وعزْم على تحسين التحصيلات الحكومية وتعزيز الشمول المالي .
ثالثا : الآثار الاقتصادية المحتملة ؛ تقليل الاعتماد النقدي وتحسين الشفافية ؛ التحول نحو الدفع الإلكتروني يساهم في:
1) تقليص المعاملات النقدية، التي غالبًا ما تكون عرضة للتهرب والفساد.
2) تعزيز الشفافية في سجل المعاملات الحكومية والخاصة.
3) دعم النمو المالي والاقتصادي المنظم :
A. مع ترسيخ الدفع الإلكتروني، يتسنى للدولة التحكّم بالكتلة النقدية بشكل أفضل ومتابعتها عبر المنظومة البنكية.
B. تحصّل عوائد جمركية وضريبية بكفاءة أعلى، ما ينعش الإيرادات العامة.
4) تشجيع القطاع المصرفي والتقني :
A. مزيد من الحسابات المصرفية والبطاقات الإلكترونية والمخازن الرقمية يعني اتساع قاعدة المستفيدين.
B. انبثاق سوق خدمات مالية رقمية Hedge Fintech من الربط بين المصارف ومقدمي الخدمات الإلكترونية.
5) مجابهة الفساد والنزيف المالي ؛ على غرار التحذيرات من الخسائر الجمركية الناتجة عن خلل في الرقابة على المنافذ، الدفع الإلكتروني يوفر سجلاً واضحًا قابلًا للتتبع والمراقبة (على الرغم من أن هذين المجالين مختلفان إلا أن الآليات قد تكون مشتركة) .
رابعا: التحديات المقبلة
1. البنية التحتية التكنولوجية: ضرورة ضمان تغطية أفضل للخدمات الإلكترونية، خاصة في المناطق النائية والمحال التجارية الصغيرة.
2. التوعية المجتمعية: دعم التثقيف المالي والدعوة لاستخدام الوسائل الرقمية بأمان وراحة.
3. الأمان السيبراني والاحتيال: حماية المستخدمين من الاختراق، ورفع معايير الأمان الإلكتروني.
4. التكامل والتشبيك: الربط بين أنظمة الدفع، المصارف، الجهات الحكومية لضمان استجابة مؤسسية فعالة.
إن هذا الرقم ليس مجرد إحصائية، بل مؤشر قوي على توسع الرقمنة المالية في العراق، وهو انعكاس للتحولات الاقتصادية الكبرى نحو نظم شفافة وآمنة ومحكومة.
خامسا : أهمية التحول الرقمي في ظل سيطرة الكاش على الاقتصاد : إذ تشير التقديرات الرسمية إلى أن نحو 80% من إجمالي العملة العراقية المتداولة توجد خارج البنوك، أي أنها تدور في الأسواق والأنشطة غير الرسمية بعيداً عن الجهاز المصرفي.
هذا الواقع يمثل تحدياً مزدوجاً:
1. من جهة، يحرم القطاع المالي من السيولة الضرورية لتوسيع الإقراض والاستثمار.
2. ومن جهة أخرى، يزيد من هشاشة الاقتصاد أمام ظواهر مثل التهرب الضريبي وغسل الأموال وتمويل الاقتصاد غير المنظم.
والتحول إلى نظم الدفع الإلكتروني يمثل أحد أهم الأدوات لمعالجة هذه الإشكالية؛ إذ يجبر الكتلة النقدية على المرور عبر النظام المصرفي، مما يعزز:
1. قدرة البنوك على تعبئة المدخرات وتوجيهها نحو التمويل والإقراض المنتج.
2. فعالية السياسة النقدية للبنك المركزي في إدارة التضخم والسيولة.
3. إمكانية مراقبة حركة الأموال للحد من الفساد المالي والاقتصاد الموازي.
وبذلك، فإن الرقم البالغ 2.8 تريليون دينار في تموز 2025 لا يعكس مجرد توسع تقني، بل يمثل خطوة عملية لاستعادة الدولة السيطرة على كتلة نقدية هائلة كانت معزولة عن النظام الرسمي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -الذهب الأزرق- في سماء الإمارات.. استمطار السحب لمواجهة عطش


.. كيف نفهم فوز عمدة نيويورك زهران ممداني اقتصاديا؟




.. سعر الذهب اليوم الجمعة 7-11-2025 بعد آخر انخفاض


.. 29 7 مليار دولار مشروع علم الروم نقلة اقتصادية وسياحية جدي




.. الملك توت عنخ آمون وقناعه الذهبي خلال حفل افتتاح #المتحف_الم