الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
التحليل النفسي والعلمي لحادث (انتحار) الطبيبة النفسية بان زياد
ماجد عبد الحميد الكعبي
2025 / 8 / 24مواضيع وابحاث سياسية
بعيداً عن حكايات التواصل الاجتماعي العاطفي والرومانسي (المؤيدة والمعارضة لحادث الانتحار) ، وبالتأكيد سيكون مختلفاً عن الخطاب السياسي والديني المؤدلج، وربما يكون اكثر بعداً عن شعارات الناشطين بحقوق (الحركات النسوية) ، يأتي الخطاب العلمي الاكاديمي الذي قد يتماهى كثيراً مع نتائج الادلة الجنائية حيث كلاهما يعتمدان على الادلة والوثائق والاحصائيات والتجارب ونتائجها المستمدة من وقائع البحث العلمي الرصين. متخذاً من الحياديةِ المنزلةَ اقصاها، ومن الموضوعية اعلاها رتبة ، ليضع بصمته على صفحة طال الحديث عنها وحولها وتشعب ، فاختلط الامر على المشاهد والسامع واصبح ضبابيا ، لا بل موضوعاً يكتنفه كثير من الغموض. ويجب ان لا ننسى ان ابرز سمة في هذا الخطاب انه لا يتبنى نظرية الحقيقة المطلقة ولا يلجأ الى الجزم وضرب الاحكام القاطعة الباتة وانما يسهم في جعل ميدان التفسير والتأويل رحباً اكثر ودائرة الفهم اكبر اتساعاً .
ان هذا التحليل النفسي النقدي يستند الى الأدلة والتجارب المستمدة من نظريات وتحليلات علم النفس السريري (الاكلينيكي) التي وردت في كتاب عالمة النفس المعروفة باني شورتر في كتابها الموسوم : التأثر بالمقدس – الممارسة النفسية للشعائر . وبما ان الطبيبة بان زياد متخصصة في علم النفس فان المقاربة في التحليل ستكون مناسبة لتبني هــذا التحليل لـــحادث ( الانتحار).
في حوادث ومواقف مشابهة لما تعرضت اليه الطبيبة النفسية بان زياد ، تروي عالمة النفس (باني شورتر ) قصة رجل يدعى (اندريه) وامرأة تدعى (هيلينا) قصداها لعيادة التحليل النفسي (لانهما أرادا الخروج مما هما فيه . فقد مرت بهما اوقات شعر كل منهما بانه يريد عن قناعة الخروج من الحياة نفسها). على الرغم من انهما لم يلتقيا سابقا مطلقا بيد انهما مرتبطان من الناحية النفسية حيث كانت نزوة الموت واقعهما المشترك. وان سبب الخروج من الحياة مرتبط بعملهما في مهن اعلامية كانا فيها محبوسين في الاستوديوهات والدوائر ومطوقين بعوالم ذاتية المرجع ويواجهان مطالب تخلو من التنوع ويتوقان الى انهاء ذلك جميعاً).
واذا ما عدنا الى حالة الطبيبة (بان ) نلاحظ انها كانت تعيش في ظروف عمل صعبة وقاسية تلتقي فيها بالمرضى وحالاتهم النفسية المضطربة التي قد تجعل الطبيب المعايش لها متأثراً بوعي او دون وعي بما يسمعه ويشاهده. ومشغولاً ومهموماً بحالات مرضاه. ومهتماً بهمومهم ، متقمصاً ومتماهياً مع حالاتهم المرضية ، ومع ما يشعرون به من معاناة واضطرابات نفسية قاسية. وهناك دراسات وشهادات كثيرة تؤكد اصابة الاطباء النفسيين المعالجين بأمراض نفسية مشابهة لما يعاني منها مرضاهم وتزداد نسب هذه الحالات اذا كان هناك تاريخ مرضي في الاسرة . وقد تم تأشير تلك الحالة المرضية لدى الطبيبة بان التي كانت تعتاد على زيارة احدى عيادات الطب النفسي حيث شهدت طبيبتها ان (بان) كانت تعاني من بعض انواع حالات الاكتئاب.
وما يحدث في ميدان التحليل النفسي قد يحدث في ميدان التمثيل. فالممثل يسعى الى تقمص دور الشخصية التي ينوي تمثيلها ، فيلجأ الى سبل المعايشة معها للوصول الى اقصى درجة من التماهي الذي قد يصل الى حد التطابق شبه التام بين الاثنين . وبعدما ينتهي الممثل من العمل يجد نفسه في ورطة التخلص من دور الشخصية الذي تقمصه، فيضطر الى مراجعة الاطباء النفسيين لغرض المعالجة ، ولا سيما اذا كان دور الشخصية مرتبطاً بالمشاعر الحزينة المؤلمة، والعواطف المؤثرة الناتجة عن فقد الاحباب والاقارب . وكذلك حالات ممارسة العنف الجسدي والتعذيب وارتكاب الجرائم وغيرها.
والسؤال الذي يتبادر الى الذهن ـ هنا ـ هو : هل ان كل شخص يعاني من الاكتثاب والاضطرابات النفسية يمكن ان يقدم على الانتحار ؟
والجواب سيكون طبعاً: لا . لان هناك عوامل اخرى تحفز هذه الحالات لدفعها الى ما يسمى ابتداء بالموت النفسي الذي يرتبط باليأس الانتحاري كما تقول شورتر. ولنأخذ مثالاً على ذلك كلام الطبيبة بان في التسجيل الصوتي عندما كانت تقول : (طبعا بعدها الافكار الانتحارية موجودة (الموت النفسي) ولكني لست من النوع الذي يستجيب الى هذا الامر. ولكن الان اصبحت هذه الافكار قوية (اليأس الانتحاري)). وتعترف : (انها لا تريد ان تؤذي نفسها عندما تقدم على فعل الانتحار بل انها تعبت من الوجود ( وأخذت تكرر ذلك ) . وان فكرة : ان ليس لديها خيار غير الوجود هي فكرة صعبة التقبل عندها) . لذلك فهي تمر بمرحلة الموت النفسي وهو موت الحياة التي كانت تعيشها. فقامت بمحاولة الانتحار جسدياً للتخلص من الظروف الحياتية التي تعيشها. وعلى الرغم من ان (هيلينا) و (بان) كانتا تعيشان حياة مريحة وتكاد تكون مرفهة لكن هذه الحياة توصف بانها غير حيوية كما لو انهما كانتا تعملان ( في مصانع تجميع رتيبة او في معامل صغيرة تدفع أجراً بخساً تحت ظروف عمل مزرية).
وتعزو شورتر سبب ذلك في تحليلها الى : ( ان (هيلينا) شعرت باليأس من الحصول على فرصة التعبير عن نفسها بوصفها امرأة او بوصفها شخصاً قادراً على ان يثير اهتمام الاخرين ويستحثهم ويتحصل منهم على استجابة قد تدعو شريكاً ما لإقامة علاقة معها او العيش معاً). وكذلك كان أندريه يتصور ان الانتحار هو الحياة الوحيدة بغياب شراكة مماثلة.
وبالعودة الى السردية التي قدمها التحقيق والادلة الجنائية ، يبدو ان الطبيبة بان قد فشلت في الحصول على شريك للعيش معها – ايضا- يتقاسم معها او يخفف عنها فكرة تقبل الوجود وظروف العمل الشاقة. وقد عانت الطبيبة بان كما عانت الاعلامية (هيلينا) عندما ( وهن فيها جانب المرأة او الشخص قبل ان يموت جسدها. وفي الوقت الذي استشارت فيه المحلل النفسي ، تلبدت حياتها بسحائب علاقات محطمة ).
ومرة أخرى يتبادر الى الذهن سؤال: هل ان كل فرد يشعر بالاكتئاب والاضطراب النفسي وفي الوقت نفسه يعاني من غياب الشريك يلجأ حتماً الى الانتحار؟
والاجابة – هنا - لابد ان تكون ترجيحية لأننا يمكن ان نضيف سببأً آخر يستخلص من مجمل الافكار والشهادات وتحليل الحالات المرضية التي اعتمدت عليها باني شورتر في التحليل السريري للمرضى والذي يعود الى غياب الممارسات النفسية للشعائر . لان غياب الشعيرة في نفس الفرد يمكن ان يسهم في استفحال الاسباب السابقة المتمثلة بالاكتئاب والاضطرابات النفسية فضلا عن ظروف العمل الشاقة فتجنح النفس نحو الموت والذي يعرف بالموت النفسي. ولغرض منع الفرد من الوصول الى حالة الياس الانتحاري لابد من المعالجة النفسية عن طريق ممارسة بعض الطقوس والشعائر. لان التحليل السريري والعلاج النفسي وحدهما لا يمكن ان يكونا حلاً ناجعاً للشفاء من الامراض النفسية.
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ما مخرجات القمة الأوروبية من أجل الاستقلال الرقمي؟ | نشرة ال
.. ترامب يستقبل بن سلمان بحفاوة استثنائية، ما هي الأسباب؟
.. مراسل الجزيرة يرصد آثار الدمار الذي خلفته الغارات الإسرائيلي
.. لازاريني: لا يدخل القطاع ما يكفي من الموارد
.. الرئيس الأوكراني: 9 قتلى في هجوم للقوات الروسية