الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
بين سقوط الأسد وتحوّلات دروز الجولان: دروس استراتيجية للأمن القومي العراقي
عامر عبد رسن
2025 / 8 / 25السياسة والعلاقات الدولية
المقدمة: من خبر عابر إلى تحوّل استراتيجي
مساء الأحد، كشفت القناة السابعة العبرية عن ارتفاع ملحوظ في طلبات الجنسية الإسرائيلية المقدمة من دروز الجولان، معتبرة ذلك نتيجة مباشرة لسقوط نظام بشار الأسد وما رافقه من اضطرابات في السويداء. وأكدت القناة أن هذا التحوّل يُعدّ سابقة في هوية سكان الجولان الذين طالما تمسكوا بانتمائهم السوري رغم سيطرة إسرائيل الفعلية على المنطقة. في السياق ذاته، أفادت هيئة البث الإسرائيلية “كان” أن الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي لدروز إسرائيل، زار باريس مؤخراً حيث طُرح أمامه ملف الانتهاكات في السويداء وأوضاع جبل العرب، في حين أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع من دمشق عن تقدم في مفاوضات أمنية مع إسرائيل بوساطة أميركية ورعاية خليجية.
هذه الأخبار التي قد تبدو محلية الطابع تخفي وراءها أبعاداً استراتيجية عميقة، ليس على مستقبل سوريا فحسب، بل على الإقليم ككل، وبخاصة العراق الذي يقف عند مفترق طرق مشابه في مواجهة تحديات الهوية الوطنية والانقسامات الطائفية والعرقية.
أولاً: ماذا يعني اندفاع دروز الجولان نحو الجنسية الإسرائيلية؟
القرار الفردي أو الجماعي لأبناء الأقليات في المناطق المتنازع عليها بالانتماء إلى سلطة الأمر الواقع يكشف قاعدة استراتيجية خطيرة: حين تفشل الدولة الوطنية في توفير الأمان والحقوق والخدمات، تتجه المجتمعات نحو خيارات بديلة، حتى لو بدت متناقضة مع هويتها التاريخية.
دروز الجولان لم يكونوا يوماً مؤيدين لسيطرة إسرائيل، لكنهم اليوم يبحثون عن أمان قانوني وخدماتي لم يعد النظام السوري قادراً على ضمانه.
هذا التحول يُظهر أن القوة الناعمة للدولة لا تقل أهمية عن السلاح، وأن الشرعية تُبنى بالخدمات والأمن أكثر مما تُبنى بالشعارات.
إسرائيل استثمرت هذا الفراغ وفتحت الباب لمنح الجنسية، مقدمة نفسها كدولة حامية للأقليات، في مقابل صورة “الدولة السورية” التي تحولت إلى سلطة متداعية محاصرة.
ثانياً: الدروز كورقة استراتيجية في الصراع السوري – الإسرائيلي
لا يمكن فهم التحرك دون إدراك وزن الطائفة الدرزية في المعادلة:
الشيخ موفق طريف لم يعد مجرد زعيم روحي، بل بات جسراً سياسياً بين إسرائيل، أميركا، والشتات الدرزي في سوريا ولبنان.
دمشق، عبر دعوته لزيارة سوريا، حاولت استعادة بعض النفوذ المعنوي المفقود في جبل العرب.
واشنطن استثمرت ملف السويداء لتقويض سردية “الممانعة” السورية، محولة المعاناة الإنسانية إلى ورقة ضغط.
هذا البعد يعلّمنا أن الأقليات ليست مجرد تفاصيل ديمغرافية، بل أوراق تفاوضية حساسة يمكن أن تغيّر مسارات النزاعات، إذا ما أُهملت من قبل الدولة.
ثالثاً: المفاوضات السورية – الإسرائيلية وظلالها على الإقليم
إعلان الرئيس أحمد الشرع من دمشق عن بحث “اتفاق أمني جديد” مع إسرائيل، برعاية أميركية وخليجية، يؤكد أن الدولة السورية باتت مستعدة للمساومة على أوراقها التقليدية مقابل استقرار داخلي.
أي تفاهم سيكون ضمن خط الهدنة لعام 1974، لكنه يحمل رسالة استراتيجية: دمشق تدرك أن تحالفها مع إيران لم يعد كافياً لضمان البقاء.
إسرائيل تسعى لتحييد سوريا عن طهران، وهو هدف جوهري ضمن صراعها الأوسع مع إيران.
الخليج والولايات المتحدة يرون في هذا الاتفاق بداية إعادة إدماج سوريا في معادلة إقليمية جديدة.
رابعاً: الدرس العراقي – كيف تحمي الدولة نفسها من سيناريو الجولان؟
هنا يأتي السؤال للعراق: ما علاقة دروز الجولان بالأمن القومي العراقي؟
العلاقة تكمن في القاعدة الذهبية: الشعوب حين تُترك بلا أمان، تتفتت وتبحث عن بدائل. العراق، مثل سوريا، يتكون من نسيج متنوع ومعقد من قوميات وطوائف. فشل الدولة في إدارة هذا التنوع وتحويله إلى هوية جامعة قد يدفع بعض المكونات للبحث عن “جنسية بديلة” أو “حامٍ خارجي”.
تجربة الإيزيديين بعد اجتياح داعش، حيث اضطر آلاف منهم إلى الهجرة بحثاً عن حماية غربية، مثال صارخ.
التوترات في كركوك والمناطق المتنازع عليها تكشف هشاشة الانتماء حين تغيب إدارة الدولة العادلة.
استمرار السلاح المنفلت والميليشيات يرسل رسالة خطيرة بأن الدولة العراقية لا تحتكر الأمن، وهو ما يضعف ثقة المكونات فيها.
خامساً: الوطنية الجامعة كخيار استراتيجي عراقي
المطلوب عراقياً هو بناء وطنية جامعة تتجاوز الطائفة والعرق. هذه الوطنية ليست شعاراً رومانسياً بل استراتيجية للأمن القومي.
على الدولة أن تُثبت لكل مواطن، من زاخو إلى الفاو، أن أمانه وحقوقه مصونة حصراً بسلطة الدولة، لا بعشيرة ولا ميليشيا ولا قوة خارجية.
تعزيز سيادة القانون وتكريس العدالة الاجتماعية يخلق شعوراً بالانتماء يتفوق على أي دعوة انفصالية.
إدماج الأقليات في مفاصل القرار، لا كـ “ديكور سياسي” بل كشركاء حقيقيين، يحصّن العراق من اختراقات خارجية مشابهة لما يجري في الجولان.
سادساً: خطر “الأمان الشكلي” الذي تبحث عنه الشعوب الضعيفة
ما نراه اليوم في دروز الجولان يعكس بحث الشعوب عن أمان شكلي حين تفشل الأنظمة الدكتاتورية في توفير الأمان الحقيقي.
الدكتاتوريات ترفع شعارات “الوحدة والصمود”، لكنها تعجز عن ضمان الخبز والكهرباء والأمان من السلاح المنفلت.
في النهاية، يلجأ الناس إلى من يوفر لهم الأمان حتى لو كان خصماً تاريخياً أو قوة احتلال.
هذا الدرس موجه للعراق: لا تتركوا المواطنين في فراغ أمني وخدماتي، وإلا بحثوا عن البدائل مهما كانت قاسية.
سابعاً: انعكاسات مباشرة على العراق
أمنياً: أي تقارب سوري – إسرائيلي برعاية أميركية يعني إضعاف نفوذ إيران، وهذا يفرض على العراق إعادة تقييم توازناته مع طهران وواشنطن.
اجتماعياً: التحول الدرزي يذكّرنا بخطورة ترك المكونات العراقية في الهامش أو تحت تهديد السلاح المنفلت .
سياسياً: العراق يجب أن يستبق أي اختراق خارجي لمكوناته عبر بناء خطاب وطني جامع يعالج المظالم قبل أن تتحول إلى مطالب انفصال.
اقتصادياً: أي استقرار سوري – إسرائيلي قد يعيد فتح بوابات التجارة عبر الشام نحو المتوسط، ما يفرض على العراق التفكير في ممراته التجارية البديلة.
ثامناً: نحو استراتيجية عراقية جامعة
إذا أراد العراق أن يتجنب سيناريوهات التفتت، عليه تبني استراتيجية شاملة تقوم على:
احتكار السلاح بيد الدولة: أي سلاح خارج سيطرة الدولة يهدد الوطنية العراقية.
تحصين الاقتصاد الوطني: حتى لا تبقى المجتمعات تحت رحمة الوظائف الحكومية أو المساعدات الأجنبية.
إصلاح التعليم والإعلام: لترسيخ الهوية الوطنية الجامعة على حساب الهويات الفرعية المتنازعة.
تطوير سياسة خارجية متوازنة: لا ارتهان لمحاور، بل شراكات اقتصادية وأمنية متوازنة تحفظ استقلالية القرار العراقي.
الخاتمة: الدرس الكبير للعراق
إن اندفاع دروز الجولان نحو الجنسية الإسرائيلية ليس مجرد تفصيل سوري، بل رسالة للعراق:
المجتمعات حين تُترك بلا أمان حقيقي تتفتت وتلجأ للبدائل، ولو كانت بدائل عدائية.
الوطنية الجامعة هي خط الدفاع الأول للأمن القومي العراقي، لأنها وحدها القادرة على تحصين المجتمع من الاختراق الخارجي والتمزق الداخلي.
العراق اليوم أمام لحظة حاسمة: إما أن يُعيد بناء دولته على أساس العدالة والأمان والخدمات، أو يترك الباب مفتوحاً لانقسامات شبيهة بتلك التي نراها في الجولان.
إن الشعوب الضعيفة تبحث دائماً عن أمان شكلي لم تستطع أن توفره لها الدكتاتوريات. والدروس أمامنا واضحة والفرصة ما زالت سانحة : لنحْصُن العراق قبل أن يصبح كل مكون فيه يبحث عن جنسية بديلة أو حماية خارجية.
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. هجمات 13 نوفمبر: بعد مرور عشر سنوات.. بلدية مولنبيك البلجيكي
.. الصين تعلن دخول حاملة الطائرات الثالثة -فوجيان- حيز الخدمة
.. البرازيل: الأمازون، طريق -الدمار- • فرانس 24 / FRANCE 24
.. ترامب يستقبل قادة 5 دول من آسيا الوسطى وعلى جدول الأعمال -ال
.. ماذا ينتظر العراقيون من السلطة المقبلة؟ • فرانس 24