الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعتباراً مِنَ الغَدّ.. مِنَ الغَدّ

عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث

(Imad A.salim)

2025 / 9 / 3
كتابات ساخرة


في كلّ بلدانِ العالَمِ، للغَدِ طَعمٌ مُختلف، طعمٌ أعذَب، مَذاقٌ أطيب، عَيشٌ أفضل.. إلاّ هُنا في العراق.
غداً.. لن يكونَ لهُ مذاقٌ مُختَلِفٌ عن المذاقِ المُرِّ لهذا اليومِ "الماصِخِ".. أبداً.
غداً.. ليس لهُ وقعٌ أو إيقاعٌ مُختَلِف.
الغَدُ هنا يبدو مُظلِما على الدوام.. لا ضوء فيه، ولا أُفقَ له.
تذهبُ إلى طبيب الأسنان، لتحظى بابتسامةٍ أفضل تستقبلُ بها يومَ غد، فيخبركَ أن جميع اسنانكَ قد تبدأ بالتساقط.. اعتباراً من الغَدّ.
تذهبُ إلى طبيب القلب، لتحظى بقلبِ أكبرَ، وأكثرَ بياضاً، لتعيش به بين الناسِ، وكأنّ قلبكَ لم يكن "أسودَ" يوماً.. فيخبركَ الطبيبُ بأنّ هناكَ احتمالٌ كبير بأنّكَ قد تُصابُ بالجلطةِ الأخيرةِ (التي قد تكونُ "دماغيّةً" أيضاً).. اعتباراً من الغَدّ.
تذهبُ إلى طبيب العيون، لترى العالمَ أجمل، والناسَ كما هُم، وليس كما تعتقدُ أنت.. فيخبركَ بأنّكَ قد تُصابُ بالعمى.. اعتباراً من الغَدّ.
تذهبُ إلى طبيبَ الأنفِ والأُذنِ والحُنجُرة، فيُخبِرُكَ بعبوس بأنّ "جِدْرَ الدولمة"، و صحنِ "البامية" ، و"ماعون اليابسة" ستفقِدُ مذاقها العراقيّ بالنسبة لك، ولن يكونَ لـ"فيروز" أو لـ "سعدي الحِليّ" وجودٌ صباحيٌّ (أو مسائيّ) في حياتكَ البائسةِ بعد الآن، وأنّكَ لن تولوِلَ بـعد الآن بـ "أبوذيّاتكَ" الكالِحة لتزعجَ بصوتكَ "المُنكَر" المِزاجَ الرائِقَ والذائقةَ "السيمفونيّة" للعائلةَ والجيران، وأنّ عليكَ استبدالَ "جيوبكَ الأنفيّةَ" بخياشيمِ "الجِرِّي" لكي تتنفّسَ الهواءَ "المكروهَ" بعُمق، وأنّ كُلّ هذا سيحدثُ لك.. اعتباراً من الغَدّ.
تذهبُ إلى طبيب الأمراض النفسية والعصبية، فيقولُ لكَ بثِقة مُطلَقةٍ وهو يبتَسِم ببرود، بأنّ كُلّ شيءٍ فيكَ قد أصابهُ التَلَف، وأنَّ عليكَ على الفور أن "تَعهَدَ عَهدَك، وتَلُمَّ شملَك، وتكتبَ وصيّتك"، لأنك قد تبدأ محاولاتكَ الحثيثةَ لقتلِ نفسك.. اعتباراً من الغَدّ.
تذهبُ إلى من أصبحوا مُصادفةً "أولياءَ الأمرِ" في هذا البلد.. فيخبرونكَ أنّ "أبوابَ الجحيم" قد تُفتَحُ عليكَ إذا تجرّأتَ يوماً، وقُلتَ لهُم "أُفّاً"، أو "نَهَرتَهُم".. اعتباراً من الغَد.
تأتي إلى "هنا"، إلى حقل "التيسبوك" الفسيح، وتحاولُ أن تكتبَ شيئاً، أيّ شيءٍ، ليُخفّفَ عنك محنتَك، أو لتُرَفِّهَ عن نفسك، وتتملّصُ من "العقوباتِ" البشريّةِ عليك.. فيكتبُ لك بعض "الأصدقاء" الشباب:
لقد عشتَ يا "جِدّو" حياتكَ بالطول والعَرض، وبلغتَ من العُمر"عِتِيّا".. أما نحنُ فلم نحيا ولو ليومٍ واحدٍ حياةً ذاتَ معنى.. وكانت حياتنا أكثرُ صعوبةً وتعقيداً من حياتكم.. وأنّنا قد عشنا طويلاً دون جدوى، وأنّنا قد حارَبنا على جميع الجبهات، بل أنّنا "مُتنا" فقط، وشبَعنا موتاً، ولم "نستَشهِد" مثلكم، بالرغم من كوننا من مواليد 2007 فما فوق، وأنَّ لا أملَ لنا بشيءٍ أفضلَ قد يحدثُ لنا يومَ غَدّ، بل نحنُ أصلاً.. ليسَ لنا غَد!
يبدو أنّ أفضل شيءٍ يمكنُ لكَ أن تفعلهُ في هذه الحياةِ الكئيبة، هو أن تضَعَ كلّ هذا الهراء "الوجوديّ" حول الأمسِ واليومِ والغَدّ، تحتَ مؤخّرتكَ العتيقة.. وتذهب إلى "جُحرِكَ" الخاص.. وتواصِلُ "سُباتكَ" الدائمِ هناك، مثل "دُبٍّ" مُصابٍ باللوكيميا نتيجةً لنفوق أسماكَ "السَلَمون" في نهرِ دجلة.
ستنامُ طويلاً.. وتنامُ، وتنام.. إلى أن يقوم هذا "التاريخُ" السخيفُ باستهلاكِ نفسه..
ولا يكونُ لهُ غَدّ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ناهد السباعي: فيلم السادة الأفاضل صعب وأحداثه متشابكة ووافق


.. العاملون بفيلم الباب يكشفون تفاصيل كواليس التصوير وأماكنها




.. الكلاسيكو - محمود فؤاد الناقد الرياضي: العلاقة بين حسام حسن


.. الكلاسيكو - محمود فؤاد الناقد الرياضي يكشف قصة عقد حسام عبد




.. الكلاسيكو - كريم رزق الله الناقد الرياضي: حسام حسن هيمشي لو