الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حساباتُ الحقل وحساباتُ البيدَر في العراق

عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث

(Imad A.salim)

2025 / 9 / 4
الادارة و الاقتصاد


على وفق "حسابات الدولة" للنصف الأول من عام 2025، الصادرة عن وزارة المالية، فإنّ:
- اجمالي الرواتب المدفوعة (بأنواعها كافّة) = 44.946 ترليون دينار.
- إيرادات صادرات النفط الخام= 45.283 ترليون دينار.
هذا يعني أنّ الرواتب (على اختلاف مسميّاتها) قد استهلكَت بالفعل ما نسبتهُ 99.2% من إيرادات صادرات النفط الخام (حتّى لا نقول أنّها استهلَكَت كُلَّ هذه الإيرادات) خلال النصف الأول من عام 2025.
اقتصاديّاً.. فإنّ الحَلّ الرئيس و"الحقيقي" لهذه الأزمة هو في "مواجهة الفساد والحَدّ منه، وضبط المالية العامة" (وبالذات من خلال "ترشيد" الانفاق العام).
أرجوكم.. اتركوا هذا الحلّ لـ "الملائكة" لكي تقوم بهِ في السماء.
لماذا؟
لأنّهُ، وعلى هذهِ الرقعةِ من الأرض التي تعيشونَ وتعملونَ فيها، لن يجرؤ أحدٌ، لا "الدولةُ" كُلّها، ولا "الحكومةُ" وحدها على فِعل ذلكَ الآن.
بل أنّها، أي "الدولة"، التي يعمل على ادارتها "نظام سياسي"، بخصائصهِ وسِماته التي أكتسبها من "طبيعة تكوينهِ" المُختَلّةِ أصلاً، والمعروفةُ لكم جميعاً.. لن تفعلَ ذلك أبداً.
إذَن.. ما هو الحَلّ؟
دونَ لفٍّ ودَورانٍ وتنظيرٍ اقتصاديٍّ- اجتماعيٍّ – سياسيٍّ لا معنى له ولا جدوى منهُ الآن.. فإنّ الحَلّ "الوحيد- المُتاح" على المدى"الحَرِج-القصير"، وليس الحلّ "العقلاني- الأفضل-المثالي على المدى الطويل".. ولكي نتمكّن من مواجهة التبعات الكارثيّة لـجملة "الحماقات الاقتصادية" المشينة التي اقترفتها الحكومات المتعاقبة بحقّ العراقيّينَ أوّلاً، وبحقِّ الاقتصاد العراقي والماليّة العامة في العراقِ ثانياً.. هذا الحَلّ هو: خفض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار.
كم سيكون، وكيف سيتمُّ تحديده، وكيفَ سنتمكّن من تقليلِ الكُلفة الاقتصاديةِ والاجتماعيّةِ المُترتَبةِ على العملِ به؟ هذا ما سأتركهُ للأكثرِ جدارةً واختصاصاً وأهليّةً منّي بهذا المجال.
غير "أنّني" اقتَرِح (مثلاً) أن يكون الدولار الأمريكي الواحد= 2000 دينار عراقي، بدلاً من 1300 دينار (وهو سعر الصرف الذي احتسبت على أساسه الإيرادات "المُخمّنة" لصادرات النفط الخام بموجب قانون الموازنة العامة الاتّحادية للسنوات المالية 2023-2024-2025).
كان رفع قيمة الدينار مقابل الدولار من قبل الحكومة الحاليّة خطئاً كارثيّاً وغير محسوب.. ولكن ماذا بوسعنا أن نقولَ ونفعل إذا كانت "الشعبويات الارتِجاليّة"، والإدارة بـ "الفزعَة"، والتخطيط بـ "القُرعة" أهمُّ بكثيرٍ من التخصيص الأكفأ للموارد، ومن الإدارةِ الأفضل للمال العام؟
بتخفيض قيمة الدينار مقابل الدولار، من 1300 دينار للدولار إلى 2000 دينار للدولار، سيتم قيد كُل دولار يتمُّ ايداعهُ في حساب وزارة المالية لدى البنك المركزي، بما يعادل 2000 دينار عراقي (واجب الدفع) لوزارة المالية (عند الطلب).
وبهذا كان يمكن تحقيق زيادة بنسبة 53.8% في إيرادات وزارة المالية من الصادرات النفطية (بالدينار العراقي)، لو أنّ هذا التخفيض قد تمّ تطبيقه (بأثَرِ رجعيّ)، و"إعادة احتساب" ايرادات الصادرات النفطية (على وفقه) اعتباراً من 1-7-2025.
وبافتراض ثبات الإيرادات النفطية للنصف الثاني من عام 2025 (كما هي في النصف الأول من ذات العام)، فإنّ ذلك كان سيشكّل إضافة (اجماليّة) لإيرادات الصادرات النفطية قدرها 24.362 ترليون دينار.
وبذلك يمكن أن يكون اجمالي إيرادات الصادرات النفطية للنصف الثاني من عام 2025 = 69.645 ترليون دينار.. مقارنةً بـ 45.283 ترليون دينار تم تحقيقها في النصف الأول من ذات العام بدولار = 1300 دينار.
واستناداً لـ "حسابِ العَرَبِ" هذا، كانت إيرادات الصادرات النفطية ستكون أكبر من اجمالي الرواتب المدفوعة بـ 24.699 ترليون دينار (بشرط ثبات كتلة الرواتب في النصف الثاني من عام 2025، وعدم التوسّع فيها بهدف مقايضة الريع النفطي بالصوت الانتخابي).
من أين يأتي البنك المركزي بهذه الكميات الضخمة من الدينار العراقي، لكي يتمكّن من الدفع إلى وزارة المالية، بالقيمة الجديدة للدينار مقابل الدولار؟
دون أيّة مزايدات ومهاترات.. "اقتصاديّة" بالذات.. فإنّ البنك المركزي قد يقوم بذلك من خلال "الإصدار النقدي الجديد".
أو قد يقوم بذلك من خلال استخدام "أساليب" أخرى غير الاصدار النقدي الجديد.
هل هناك بدائل أكثر كفاءة وأقلّ كلفة من الإصدار النقدي الجديد؟
ما هي؟
وماذا سيحدثُ بعد ذلك؟
هل سترتفع معدلات التضخَم: نعم.
هل ستنخفِض القوّة الشرائية للرواتب: نعم.
هل سيتضرّر أصحاب الدخل المحدود: نعم.
هل سيكون هناك ارتباك في تسوية الالتزامات المختلفة: نعم.
هذا كلّهُ صحيح.. وسيحدث.. ولكن أن تفقد الرواتب ما بين 25% إلى 50% من قيمتها "الحقيقية" (كضريبة مستتِرة للتضخّم)، فإنّ ذلك سيكون أفضل بكثير من عدم دفع الرواتب أصلاً.. أو دفع نصفها (أو دفعها على نحوٍ متقطِّع وغير مُنتظَم، كما يحدث في إقليم كردستان، الذي لم يستلِم موظّفوه رواتب "متراكمة" لمدة تزيد عن ثلاثين شهراً ما تزالُ في "رقبة" الحكومات حتّى الآن).
العراقي يهمّهُ "الدخل النقدي".. ادفَع لهُ راتبهُ "نقداً"، كاملاً غير منقوص، وبموعدهِ المُحدّد.. سيكونُ ممتنّاً لك، ولن يأبه لـ "معدّل التضخّم" المرتفع وما ينطوي عليه من تخفيض في "الدخل الحقيقيّ".. على الأقلّ في الأجل القصير.
نحنُ لسنا اقتصاد الولايات المتّحدة الأمريكية، حيث يجب ألاّ يزيد معدّل التضخمّ عن 4% في أسوأ الأحوال.
ومعدّل التضخمَ السنوي في تركيا اليوم لا يقل عن 33%..
وفي مصر انخفض هذا المعدّل كثيراً، ومع ذلك فهو اليوم لا يقلّ عن 16%..
أماّ العراق فيتباهى بـ "ركوده" الاقتصادي الذي جعل معدل التضخم في العراق ينخفِض من (2.8%) في الفصل الرابع من عام 2024، ليبلغ في الفصل الأول من عام 2025 (2.2%) فقط، لا غير.
مشكلة الحكومة الآن، هي في تلبية المتطلبّات المُلحّة، و"النفقات الحاكِمة" لهذا "الأجل القصير" الذي يبدو وكأن زمامهُ "ماليّاً" قد أفلتَ من يدها.
هذا الأجل القصير هو ما يهمّنا الآن (ويُفتَرَض به أن يهُمَّ الحكومةَ أكثر منّا).. لأنّنا سنكونُ جميعاً "موتى" في الأجل الطويل، كما قال يوماً عمّنا "الإنجليزي" العزيز (جون مينارد كينز).
كيف نتصرّف بحكمة (ودون مزايدات)، في مواجهة نفقاتٍ ضخمة، وإمكاناتٍ ماليّةٍ محدودة (بل وقابلة للانخفاض).. في الأجل القصير.
الآن.. لن يجرؤ أحدٌ على فعل ذلك.
بعد الانتخابات.. لا حلّ سوى ذلك.
مستشارو الحكومة.. يعرفونَ ذلك.
طلبة المرحلة الأولى في كليات الإدارة والاقتصاد.. يعرفونَ ذلك.
صاحب "البسطية" وسائق "السايبا" وبائعة "الخضراوات" والمُستثمِرونَ الكبار.. يعرفونَ ذلك.
يعرفونَ أنّ لا شيء لدينا الآن غيرَ "إيرادات الصادرات النفطيّة"، وأنّ "الإيرادات غير النفطية" هي مجرّد "خرافة"، أو "نُكتة" يراد منها الضحكَ على الذقونِ الحليقةِ وغير الحليقةِ للعراقيّين.
يعرِفونَ أنّ الفساد الذي "استوطَنَ" كُلَّ شيء، وتغلغلَ في كُلّ شيء (بما في ذلك الرواتبَ بأنواعها كافّة) لا يمكنُ القضاء عليه، ولا حتّى الحَدّ منه، لأنّ هذا الفساد (مُتعدّد الأبعاد) قد أصبحَ هو العنصر الرئيس، والمُتحَكِّم، والمُتَنَفِّذ، في بُنية "النظام السياسي الراهن في العراق.
أيُّ حكومةٍ سيتمّ تشكيلها بعد الانتخابات، ستَجِدُ نفسها مُضطَرّةً لفعل ذلك.
لو أن السيّد رئيس مجلس الوزراء الحالي قد "فازَ" بولايةٍ ثانية.. سيجِدُ نفسهُ مُضطّراً لفعل ذلك.
بعد ستّةِ أشهرٍ (على أبعدِ تقدير).. سيحصلُ ذلك.
يومها.. الويلُ لنا لو أنّ، حتّى الـ 2000 دينار مقابل الدولار، لن تكونَ كافيةً لردمِ "الهوّةِ" السحيقةِ بين الايراداتِ "المحدودةِ" والنفقات "المُنفَلِتَةِ" التي قامت الحكوماتُ المتعاقبةُ بـ "دفنِ" العراقِ فيها.
أخيراً..
فإنّ هذا الطَرح قد يُستخَدَمُ كأداةِ "استفزازٍ" بهدف "حثِّ" الحكومةِ على طرحِ بدائلَ أفضلَ للخروجِ من ورطتها هي، وأيضاً للخروجِ ممّا ورّطتها به الحكومات السابقات عليها.
هو مجرّدُ "رأيٍ" أو "اجتهادٍ" شخصيٍّ على أيّةِ حال.. فإن لم يكن يعجبكم، أو إن كانَ يثيرُ حفيظتكم..
فهاتوا "بدائلكم"، أنتُم والحكومة.. إن كنتم صادِقين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سعر الذهب اليوم السبت 8-11-2025 بالصاغة


.. تحقيق لـ-سي إن إن-: صور بالأقمار الصناعية تكشف عن -توسع كبير




.. الفرعون الجديد .. أبن الأقصر الذي أعاد إنتاج نحت الفراعنة


.. المفاوضات بين دمشق وقسد تواجه تحديات جديدة حول الموارد الاقت




.. موريتانيا تقنن التنقيب عن الذهب لتطويره ومنع الحوادث على الح