الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طوفان الأقصى 699 - «إسرائيل: وحش فرانكشتاين؟». من الرمز الأدبي إلى جريمة إغتيال رئيس وزراء اليمن

زياد الزبيدي

2025 / 9 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي

5 سبتمبر 2025


إستعارة الوحش

في رواية فرانكشتاين لماري شيلي Mary Shelley، يصنع عالم مغرور كائناً هجيناً من أشلاء متفرقة، ثم ينفخ فيه الحياة ليجد نفسه أمام مخلوقٍ يخرج عن السيطرة، يعيش على القتل والإنتقام. هذه الإستعارة الأدبية، التي أُعيد إحياؤها في مقال الصحفية الأميركية Ash Gallagher (منصة Medium التشاركية في 1 أيلول/سبتمبر 2025)، تصلح مفتاحاً لقراءة إسرائيل اليوم: كيان مصطنع، وُلِد من رحم مشروع إستعماري غربي، وصار وحشاً منفلتاً لا يعرف سوى منطق القوة والإبادة.

فالغرب، منذ وعد بلفور وحتى الدعم الأميركي غير المحدود، صنع "المختبر" الذي خرجت منه إسرائيل. لكن النتيجة لم تكن "الدولة الديمقراطية" التي بشّروا بها، بل وحش فرانكشتاين سياسي، يعيش على التوسع والإغتيال والحروب الدائمة.


أولاً: تاريخ من الدم والإغتيالات

منذ تأسيسها عام 1948، جعلت إسرائيل من الإغتيال أداة رئيسية في إستراتيجيتها:

•استهداف قادة المقاومة الفلسطينية (من غسان كنفاني إلى إسماعيل هنية).

•إغتيال حسن نصر الله وقادة حزب الله في بيروت.

•قصف دمشق وإغتيال قادة سوريين ولبنانيين، بينهم سمير القنطار عام 2015، الذي وصفه شقيقه بعد إستشهاده قائلاً: «لا يمكن تحقيق أي إنجاز سياسي بوجود الإرهاب الذي تصنعه إسرائيل».

•تنفيذ عمليات في عواصم بعيدة، وصولاً إلى طهران حيث أغتيل هنية رغم كونه مهندساً لأحد أهم إتفاقات وقف إطلاق النار.


هذا السجل الطويل لا يمكن فهمه بمعزل عن "منطق الوحش": كيان لا يستطيع أن يتنفس إلا عبر سحق خصومه وتعميم الفوضى من حوله.


ثانياً: اليمن في مرمى الوحش

الحدث الأبرز الذي سلطت عليه Ash Gallagher الضوء هو إغتيال رئيس وزراء اليمن، أحمد غالب (الرهوي). هذه الجريمة تكشف عن توسّع غير مسبوق في دائرة عمل إسرائيل:

•اليمن، برغم ضعفه الإقتصادي، كان شوكة في خاصرة إسرائيل بفضل موقف حكومته ودور الحوثيين في وقف شحنات السلاح والنفط بإتجاه الكيان.

•دعم صنعاء العلني للمقاومة الفلسطينية جعلها إستثناءً في الخليج.

•إغتيال رئيس وزرائها يمثل رسالة ترهيب، تهدف إلى ضرب أي نموذج عربي يجرؤ على كسر الطوق السياسي.


هذا الإغتيال ليس مجرد عملية أمنية، بل حلقة جديدة في مسلسل "وحشية فرانكشتاين": كل من يقف في وجه الكيان يصبح هدفاً مشروعاً للتصفية الجسدية.


ثالثاً: الوحش وصانعه

كما في الرواية، لا ينفصل الوحش عن خالقه. الولايات المتحدة والغرب هم اليد التي صنعت وأطلقت هذا المسخ:

•واشنطن وفّرت الغطاء العسكري والسياسي، من صفقات السلاح إلى حماية إسرائيل في مجلس الأمن عبر "الفيتو".

•اللوبيات الصهيونية مثل AIPAC تسيطر على الكونغرس، كما تقول Gallagher: «أعضاء الكونغرس إشترتهم إسرائيل ومستثمروها».

•الأنظمة العربية بدورها –خاصة الخليجية– قدّمت الغطاء عبر التطبيع وصفقات الطائرات والغاز، بينما إمتنعت عن أي مواجهة حقيقية.


إذن، إسرائيل ليست "دولة منفلتة" فحسب، بل هي وحش مُدلل من قِبل القوى الكبرى، يعيش على دعمها وشرعيتها.


رابعاً: منطق فرانكشتاين – العنف كشرط للبقاء

التحليل البنيوي يقود إلى أن إسرائيل تشبه مخلوق شيلي في ثلاث نقاط أساسية:

1. الولادة المصطنعة: دولة تأسست بفعل قوة إستعمارية خارجية، لا بعملية إجتماعية طبيعية بين أهل الأرض.


2. العيش على التدمير: كما لا يعرف الوحش سوى القتل، لا تعرف إسرائيل سوى الحرب والإحتلال والتطهير العرقي.


3. لعنة الصانع: الغرب الذي أوجد إسرائيل يجد نفسه اليوم مطارداً بإرتدادات سياساته؛ عزلة أخلاقية، مظاهرات متواصلة في شوارع لندن وباريس وواشنطن، وتصدعات في الشرعية الدولية.


خامساً: بين المقاومة والسياج الدولي

تطرح Gallagher سؤالاً صريحاً: «هل يكون الحل بإغتيال قادة إسرائيل؟» ثم تجيب بتردد، مستشهدة بنموذج نيلسون مانديلا الذي بدأ بالمقاومة المسلحة قبل أن يقود مشروع المصالحة في جنوب أفريقيا.

إن جوهر المسألة يكمن في أن إسرائيل –بمنطق الوحش– لا تستجيب إلا للقوة أو العزلة.

الدعوات لفرض حظر سلاح دولي تتكرر، لكن يتم إسقاطها بفيتو أميركي.

الأساطيل الشعبية (قوافل كسر الحصار إلى غزة) تبحر وحيدة بلا حماية دولية.

الأنظمة العربية منشغلة بالتجارة والصفقات، تاركة فلسطين واليمن تحت نيران الوحش.


سادساً: ماذا بعد؟

المشهد قاتم: إسرائيل تتحول تدريجياً إلى نسخة أشد فتكاً من النازية، كما تصف Gallagher: «العالم يشاهد إسرائيل وهي تصبح أسوأ من النازيين مع قوة نارية أكبر».

لكن الإستنتاج الأهم أن إسرائيل، بوصفها وحش فرانكشتاين، تحمل بذور فنائها في ذاتها:

•لا يمكن لكيان يعيش على الحروب والإغتيالات أن يستمر إلى ما لا نهاية.

•توسع دائرة العنف إلى اليمن وإيران ولبنان لن يؤدي إلا إلى تعجيل المواجهة الإقليمية الكبرى.

•الشعوب –وليس الحكومات– تتحرك ببطء ولكن بثبات ضد شرعية الكيان.


الخاتمة

إسرائيل ليست دولة طبيعية يمكن إصلاحها ببعض الضغوط الدبلوماسية؛ إنها وحش فرانكشتاين سياسي، جرى صناعته من قِبل قوى إستعمارية، وخرج اليوم عن كل قيد، يفتك بجيرانه ويهدد النظام الدولي برمته.

إغتيال رئيس وزراء اليمن ليس حادثة معزولة، بل هو دليل جديد على أن الوحش يمد مخالبه في كل إتجاه. لكن كما في الرواية، فإن الوحش، مهما بدا قوياً، يظل محكوماً بالهزيمة في النهاية، لأنه وُلد ضد الطبيعة، ويعيش ضد العدالة، ومصيره أن يبتلع نفسه بعد أن ينهش الآخرين.

إن مسؤولية العالم اليوم، عرباً وغرباً، هي كسر هذا المسار قبل أن يغرق الجميع في الجليد الأخير لفرانكشتاين.

*****

هوامش

قصة وحش فرانكشتاين (رواية ماري شيلي عام 1818)

✦ القصة بإيجاز:

فيكتور فرانكشتاين، شاب سويسري مولع بالعلوم، يدرس الطب والكيمياء في جامعة إنغولشتات. ينغمس في هوس "خلق الحياة" بعد أن أغرته فكرة أن يصبح مثل "إله صغير" يبعث الروح في الجماد.

يتمكّن فرانكشتاين من جمع أجزاء بشرية من المقابر وغرف التشريح، ويصنع جسدًا عملاقًا، ثم ينجح في إحيائه عبر الكهرباء والتجارب العلمية. لكنه يفزع من مخلوقه حين يراه، إذ بدا قبيحًا ومرعبًا، فيهرب تاركًا إيّاه وحيدًا.

المخلوق، الذي لم يُعطَ اسمًا، يتعلّم الكلام والقراءة من مراقبة البشر سرًا، ويحاول التواصل معهم، لكنه يُقابَل بالرفض والعداء بسبب مظهره. يشعر بالعزلة والخذلان، فيغمره الغضب واليأس.

يعود إلى "خالقِه" فرانكشتاين مطالبًا إياه بصنع رفيقة تشبهه، كي لا يعيش وحيدًا منبوذًا. لكن فرانكشتاين يتردد ثم يرفض خوفًا من أن يتضاعف الخطر. عندها ينتقم المخلوق بقتل أقرب الناس إليه: شقيقه، صديقه المقرّب، ثم عروسه ليلة زفافه.

في النهاية، يطارد فرانكشتاين مخلوقه عبر الجبال والثلوج حتى يموت منهكًا في القطب الشمالي. يقف الوحش أمام جثته نادمًا، معلنًا أنه سيُنهي حياته ويرمي بنفسه في الجليد، ليختفي عن العالم الذي رفضه.

✦ المغزى:

•الرواية تسائل حدود العلم حين ينفصل عن الأخلاق.

•تطرح قضية "مسؤولية الخالق تجاه مخلوقه".

•وتكشف عن مأساة الكائن المختلف المنبوذ من المجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حل مشكلة السكن: هل تقتدي دول أخرى بالنموذج البولندي؟ | عينٌ


.. أزمة جوية في سماء الولايات المتحدة




.. الرئيس الإيراني يتحدى أميركا بتصريحات مثيرة حول البرنامج الن


.. نشرة إيجاز - كاتس يأمر بتدمير جميع أنفاق غزة، والسودان.. موج




.. الشيوخ الأمريكي يستعد لإجراء تصويت لإنهاء الإغلاق الحكومي