الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طوفان الأقصى 703 - بين خطاب -إنهاء الحرب- وإستطلاعات -التطهير العرقي-: كيف يُعاد تشكيل المشروع الصهيوني في غزة؟

زياد الزبيدي

2025 / 9 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي

9 سبتمبر 2025



منذ إندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، تصاعدت موجات الدعاية والجدل حول طبيعة الصراع ومآلاته. فبينما يصرّ أنصار إسرائيل على المقولة الشهيرة: "إذا توقفت إسرائيل عن القتال فلن تبقى إسرائيل، وإذا توقفت حماس عن القتال فلن تبقى حرب"، يقدّم كتّاب نقديون مثل الكاتبة الصحفية والناشطة السياسية الأسترالية كيتلين جونستون Caitlin Johnstone رؤية معاكسة تماماً، ترى أن الحرب ليست مجرد "معركة ضد حماس"، بل مشروع متكامل للتطهير العرقي وإعادة تشكيل الديمغرافيا في غزة.
وبالتوازي، تكشف استطلاعات الرأي التي أوردها تقرير مطوّل نشر باللغة الروسية بقلم الكاتب والمحلل السياسي الروسي فلاديمير ماسلوف في 4 أيلول/سبتمبر الجاري (موقع المنصة الالكترونية الروسية Pikabu) عن واقع صادم: أغلبية الإسرائيليين اليهود تؤيد ترحيل سكان غزة قسراً، حتى بإستخدام الوسائل العسكرية. هذا التلاقي بين الخطاب السياسي و"الإرادة الشعبية" يعيد إلى السطح أسئلة وجودية حول مستقبل القضية الفلسطينية، وحول مدى قدرة المجتمع الدولي على مواجهة مشروع إستعماري يتغذى من الداخل الإسرائيلي نفسه.

أولاً: قلب المعادلة – الحرب ليست ضد حماس بل ضد الفلسطينيين

تقول كيتلين جونستون في مقالها (5 أيلول/سبتمبر 2025): "إذا أوقفت إسرائيل القتال، ستنتهي الإبادة الجماعية. وإذا توقفت حماس عن القتال، فإن خطة التطهير العرقي لغزة ستُنفذ بسرعة ودون مقاومة."
هذا التصور يعكس أن الصراع يتجاوز البعد العسكري، ليصبح مرتبطاً بمخططات معلنة تتصل بخطة ترامب السابقة لإعادة "توطين" الفلسطينيين خارج غزة. حتى لو سلّمت حماس سلاحها وأفرجت عن الأسرى، فإن المخطط، بحسب تصريحات مسؤولين إسرائيليين، لن يتوقف.
بمعنى آخر: جوهر الحرب هو وجود الفلسطينيين، لا وجود حماس.

ثانياً: استطلاعات الرأي – من الهامش إلى التيار العام

تكشف سلسلة من الإستطلاعات (أغسطس 2024 – يوليو 2025)، كما جاء في مقال ماسلوف، عن تحولات جذرية في المجتمع الإسرائيلي:
•76% من اليهود الإسرائيليين يعتقدون أنه "لا يوجد أبرياء في غزة".
•54% يؤيدون الترحيل القسري لسكان القطاع، حتى بإستخدام القوة العسكرية.
•64% يدعمون فكرة إقامة "مخيّم مغلق" في رفح لا يُغادره الفلسطينيون إلا نحو دول أخرى.
•80% يفضلون "إعادة توطين" الفلسطينيين خارج غزة.
هذه الأرقام ليست مجرد رأي عابر، بل تعكس –كما وصفها الكاتب الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي منذ عام 2016– "فقدان البوصلة الأخلاقية"، حين قال: "إسرائيل تتحول إلى وحش، وتشكل هوية قومية جديدة، وهناك بذور سامة لا يمكن منع نموّها."

ثالثاً: الأبعاد الدولية – الإسلاموفوبيا كسلاح

تربط كيتلين جونستون بين الحرب على غزة وبين خطاب إسرائيلي موجه للغرب، يقوم على الإسلاموفوبيا.
•حساب إسرائيل الرسمي بالعربية نشر رسوماً حول "تكاثر المساجد في أوروبا"، ملوّحاً بخطر "الإستبدال الديمغرافي".
•نفتالي بينيت غرّد: "أوروبا تتحول إلى قارة إسلامية."
•بنيامين نتنياهو وصف رئيس وزراء بلجيكا بأنه "ضعيف" لأنه –على حد قوله– يسعى لمهادنة "الإرهاب الإسلامي".
هذا الخطاب يعكس محاولة ربط مصير أوروبا بمصير إسرائيل، تحت ذريعة أن قتل الفلسطينيين وحصار المسلمين يصب في مصلحة "الهوية الغربية".

رابعاً: من "7 أكتوبر" إلى ذريعة الإبادة

ينقل مقال هآرتس أن ضابطاً إسرائيلياً تلقى تحذيرات قبل هجوم 7 أكتوبر لكنه لم يتخذ إجراءً. ترى جونستون أن هذا يعزز فرضية "السماح بالهجوم" أو على الأقل إستغلاله لتمرير مخطط جاهز مسبقاً.
بذلك، يصبح 7 أكتوبر ليس "بداية" الصراع، بل شرارة أُريد لها أن تفتح الباب أمام مشروع أكبر: التهجير والتطهير العرقي.

خامساً: الرأي العام والشرعية الدولية

حين يُسأل الإسرائيليون: "هل الترحيل ينتهك القانون الدولي؟"
•22% أجابوا: لا ينتهك إطلاقاً.
•16%: ينتهك بدرجة طفيفة.
•47% فقط يرون أنه يمثل إنتهاكاً "كبيراً جداً أو بدرجة ملحوظة".
هذا الإنقسام يكشف عن تآكل مكانة الشرعية الدولية داخل الوعي الإسرائيلي. بل إن إستطلاع معهد الأمن القومي (أغسطس 2024) أظهر أن 47% يرون أن "إسرائيل غير ملزمة أصلاً باتباع القانون الدولي أو القيم الأخلاقية" في حربها على غزة.

سادساً: الولايات المتحدة – "وزارة الحرب" وتغطية على المخططات

تتوسع جونستون لتشير إلى واشنطن، حيث أعلن ترامب عزمه إعادة تسمية "وزارة الدفاع" إلى "وزارة الحرب". وفي الوقت نفسه، أطلق وزير الخارجية ماركو روبيو تصريحاً لافتاً: "لا يهمني ما يقوله مجلس الأمن. مادورو متهم بالإتجار بالمخدرات ومطلوب للعدالة الأمريكية."
هذا الموقف يلخص عقلية الهيمنة: العالم كله يعتبر ساحة نفوذ أمريكية، والسيادة الوطنية مجرد عائق أمام المصالح النفطية والجيوسياسية. وهو ما يوازي، على نحو لافت، المنطق الإسرائيلي القائم على تجاهل الشرعية الدولية.

سابعاً: الرأسمالية والثقافة – "نجاح بلا روح"

في ختام مقالها، تشير كيتلين جونستون إلى أن الشهرة في المجتمع الرأسمالي تتحول إلى فخّ: الفنان يخسر فنه في اللحظة التي يحقق فيها "النجاح". هذه الملاحظة الثقافية تبدو انعكاساً رمزياً: كما تُفرغ الرأسمالية الفن من روحه، فهي تُفرغ السياسة الدولية من معناها الإنساني، وتُختزل القيم الأخلاقية إلى ذرائع تُستعمل لتبرير السيطرة والإبادة.

الخاتمة

يكشف الجمع بين خطاب كيتلين جونستون وبين إستطلاعات الرأي الإسرائيلية كما لخصها فلاديمير ماسلوف عن صورة قاتمة: الحرب على غزة ليست حرباً ضد "الإرهاب" بل ضد وجود الفلسطينيين ذاته.
فالأغلبية الإسرائيلية تتحرك بإتجاه قبول –بل وتأييد– مشاريع الترحيل الجماعي، في إنزلاق أخلاقي خطير وصفه جدعون ليفي بأنه "فقدان البوصلة الأخلاقية".
وعلى المستوى الدولي، يتقاطع هذا مع الخطاب الأمريكي القائم على الهيمنة، حيث تُعاد صياغة المفاهيم (من "وزارة الدفاع" إلى "وزارة الحرب") لتكشف جوهر المشروع الإمبراطوري.
السؤال الذي يفرض نفسه: هل يملك العالم، في ظل هذا الإنحراف الأخلاقي والسياسي، الأدوات اللازمة لوقف مشروع تطهير عرقي يتمتع بدعم داخلي إسرائيلي واسع وتغطية غربية متواصلة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف ستغير الروبوتات مستقبل الزراعة


.. أنفاق حماس .. كيف سيدمر كاتس مدينة أرضية كاملة؟ | #التاسعة




.. بالخريطة التفاعلية.. هذه أبرز تطورات الحرب الروسية على أوكرا


.. أوروبا تقترب من حظر الغاز الروسي.. هل ينجح الغرب في تجفيف من




.. مستوطنون يهاجمون مزارعين فلسطينيين في بلدة بيتا جنوبي نابلس