الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمريكا وإعادة رسم خرائط الشرق الأوسط: نظرة استقرائية في التحولات الجديدة ومخاطرها على العراق

عامر عبد رسن

2025 / 9 / 10
الادارة و الاقتصاد


الشرق الأوسط يعيش اليوم واحدة من أكثر مراحله اضطرابًا منذ عقود، مرحلة تمتزج فيها التحولات الرمزية (كتغيير اسم وزارة الدفاع الأميركية إلى "وزارة الحرب") مع التحولات الميدانية (كاستهداف قيادات حماس في الدوحة وإنذار نتنياهو لسكان غزة بالمغادرة الفورية).
هذا التزامن ليس محض صدفة؛ بل يعكس إستراتيجية متكاملة تسعى واشنطن وتل أبيب من خلالها إلى إعادة رسم خرائط النفوذ بما يتجاوز حدود الجغرافيا والسيادة الوطنية.
في هذا المشهد الملبّد، يبقى العراق في قلب المعادلة: بلد تتقاطع فيه خطوط النار، وموارد الطاقة، ومسارات التجارة، وحسابات القوى الكبرى. لذا فإن أي قراءة استقرائية لهذه التحولات لا يمكن أن تكون مكتملة من دون التوقف مطولًا عند موقع العراق ومصيره.
أولاً: "وزارة الحرب" – من الرمزية إلى العقيدة
1. دلالات التسمية الجديدة
• التحرر من قناع الدفاع: الاسم القديم كان يوحي بأن الجيش الأميركي أداة حماية. أما "الحرب" فتصريح مباشر بأن القوة هي أداة الإدارة الأولى.
• تثبيت الردع بالعنف: التسمية بحد ذاتها رسالة إلى الخصوم والحلفاء أن واشنطن لن تتردد في خوض الحروب المباشرة.
• انسجام مع شخصية ترامب السياسية: الرئيس الأميركي يفضّل الخطاب الصارم، وهذا القرار يعكس فلسفته في استعراض القوة.
2. أثرها على المنطقة
• إشعار الفاعلين الإقليميين أن مرحلة التسويات الناعمة قد انتهت.
• تعزيز صورة أن أي حوار مع واشنطن سيكون محكومًا بميزان القوة العسكرية، لا ميزان الدبلوماسية.
• بالنسبة للعراق، فإن هذه التسمية تؤكد أن وجود القوات الأميركية على أراضيه لن يكون محايدًا، بل جزءًا من مشروع صراع أوسع.
ثانياً: السياسة الأميركية في الشرق الأوسط – إدارة الصراع لا حله
1. تثبيت الوجود العسكري : واشنطن تبني قواعدها العسكرية وتبقي قواتها في العراق وسوريا والخليج ليس فقط بذريعة "الحرب على الإرهاب"، بل أيضًا لـ:
• حماية إسرائيل باعتبارها الركيزة الأولى في الإستراتيجية الأميركية.
• السيطرة على طرق الملاحة من مضيق هرمز إلى باب المندب.
• التأثير في التسويات السياسية في سوريا واليمن والعراق.
2. إشغال الشعوب بالفوضى
• غزة: القصف المكثف، والتدمير المنهجي للأبراج السكنية (50 برجًا خلال 48 ساعة) يهدف إلى إعادة تشكيل الوعي الفلسطيني عبر التهجير القسري.
• قطر: محاولة اغتيال قيادات حماس في الدوحة دليل على أن الصراع خرج من جغرافيا فلسطين ليمتد إلى العواصم المستقرة، في رسالة أن "لا مكان آمن" للخصوم.
• العراق: الضغوط تتخذ أشكالًا متعددة، تبدأ من التلويح بعدوان إسرائيلي مباشر، مرورًا بالضغوط الاقتصادية عبر ملف الدولار، وامتدادًا إلى الشروط السياسية التي تستهدف الحشد الشعبي، وصولًا إلى قضايا حساسة ذات طابع دولي،
مثل قيام كتائب حزب الله – العراق بإطلاق سراح الرهينة تسوركوف، وهو حدث يكشف حجم تشابك الملف العراقي مع حسابات إقليمية ودولية معقدة.
3. الاقتصاد كسلاح : النفط والغاز ليسا فقط مصدر دخل، بل ورقة مساومة:
• واشنطن تتحكم بأسعار الطاقة عالميًا لتؤثر على اقتصادات العراق والخليج.
• أي صراع في المنطقة ينعكس أولًا على بغداد التي تعتمد بنسبة تتجاوز 90% على صادرات النفط.
ثالثاً: المستجدات الأخيرة – دلالات أعمق
1. انفجارات الدوحة – اغتيال سياسي عابر للحدود
• استهداف قيادات حماس في قلب العاصمة القطرية رسالة مزدوجة:
a) إسرائيل تقول إنها بلا حدود، قادرة على الوصول إلى أي مكان.
b) أميركا تُحرج حليفها القطري، وكأنها تقول: حماية الخصوم على أراضيكم لن تمر بلا ثمن.
• قطر ردّت بغضب، لكنها تدرك أن المعركة قد تنقلها إلى خانة الضغط الدولي.
2. إنذار نتنياهو لسكان غزة
• دعوته العلنية لمغادرة المدينة، مقرونة بتهديد بهدمها، تعني أن التهجير القسري لم يعد ممارسة ضمنية، بل سياسة معلنة.
• هذا التحول يكرس أن المرحلة المقبلة لن تشهد مفاوضات حول "حل الدولتين"، بل هندسة ديموغرافية جديدة.
4. الربط مع العراق
• إذا كانت إسرائيل تجرؤ على استهداف خصومها في الدوحة، فما الذي يمنعها من التدخل المباشر في العراق بحجة ملاحقة فصائل مرتبطة بالمقاومة؟
• تصريحات نتنياهو تعكس عقلية "كسر الجغرافيا"، ما يضاعف المخاطر على بغداد التي تقع ضمن شبكة النفوذ الإسرائيلي–الأميركي.
رابعاً: العراق في قلب العاصفة
1. الموقع الجغرافي كنعمة ونقمة
• العراق يقع بين إيران وسوريا والخليج وتركيا: عقدة مواصلات وموارد.
• لكن هذا الموقع يجعله الأرض المفضلة لتصفية الحسابات.
2. المخاطر المباشرة
• الحشد الشعبي: المستهدف الأول في أي تفاهم أميركي–إسرائيلي، باعتباره قوة ردع مستقلة.
• الاقتصاد الريعي: أي اهتزاز في أسعار النفط أو في مسارات التصدير (مضيق هرمز، خط كركوك–جيهان) يعني اهتزاز الدولة العراقية كلها.
• الاستقرار الداخلي: العراق هشّ أمام محاولات إشعال النزاعات الطائفية أو العشائرية، خصوصًا في ظل ضعف الثقة بالمؤسسات.
3. التحدي الأكبر – السيادة
• واشنطن تريد عراقًا ضعيفًا منضبطًا، قادرًا على تنفيذ الإملاءات لكنه عاجز عن فرض قراره.
• إيران ترى في العراق ساحة متقدمة للردع ضد إسرائيل وأميركا.
• النتيجة: العراق في مرمى "شد الحبل" المستمر.
خامساً: دروس من الجوار – لمنع تكرار السيناريوهات
• لبنان: ترك الاقتصاد رهينة التحويلات والديون فتح الباب لانهيار كامل.
• اليمن: ضعف الدولة المركزية سمح بتحولها إلى ساحة حرب إقليمية مفتوحة.
• سوريا: الاعتماد على الحلفاء الخارجيين جعلها رهينة أجنداتهم.
هذه النماذج تؤكد للعراق أن غياب الإصلاح الداخلي يعني الوقوع في فخ الآخرين.
سادساً: مسارات التحصين الاستراتيجي للعراق
1. الأمن والدفاع
• إصدار قانون وطني يحدد بوضوح العلاقة بين الجيش والفصائل المسلحة.
• الاستثمار في الصناعات العسكرية المحلية لتقليل الاعتماد الخارجي.
• التعاون مع قوى محايدة (مثل الاتحاد الأوروبي) لتطوير قدرات الجيش.
2. الاقتصاد
• إنشاء صندوق سيادي للأجيال يستثمر فوائض النفط في مشاريع داخلية (زراعة، طاقة متجددة، صناعة).
• دعم قطاع الزراعة عبر التكنولوجيا الحديثة لتقليل الاستيراد.
• تبنّي سياسة نقدية أكثر استقلالًا، مع إعادة النظر بسعر صرف الدينار لحماية الخزينة العامة.
3. السياسة والدبلوماسية
• اعتماد توازن القوى: لا انحياز مطلق لأميركا أو إيران، بل إدارة ذكية للتناقضات.
• تعزيز الشراكة مع دول محايدة مثل الهند واليابان والاتحاد الأوروبي.
• الانخراط في مبادرات إقليمية للتعاون في الطاقة والمياه.
4. المجتمع والعقد الوطني
• صياغة ميثاق اجتماعي جديد يربط مكونات العراق حول فكرة الدولة الجامعة.
• مكافحة الفساد بآليات مؤسسية لا بشعارات سياسية.
• الاستثمار في التعليم والتكنولوجيا لجعل الشباب أداة بناء لا أداة فوضى.
خاتمة: العراق بين الفعل ورد الفعل
إن أحداث الدوحة وغزة، بالتزامن مع تغييرات واشنطن الرمزية–الاستراتيجية، تؤكد أن المنطقة دخلت مرحلة جديدة من هندسة الخرائط. العراق، في هذا السياق، ليس مجرد متأثر جانبي، بل هدف مركزي في معادلة السيطرة.
إما أن يختار العراق أن يكون فاعلًا مستقلًا عبر تحصين سيادته وبناء اقتصاد متنوع، أو أن يتحول إلى ساحة صراع مفتوحة تنهشها التدخلات من كل حدب وصوب.
التاريخ يعطينا إشارات واضحة: الشعوب التي أهملت بناء عقدها الاجتماعي ومؤسساتها دفعت أثمانًا باهظة. والعراق اليوم أمام لحظة حاسمة: إما أن يتعلم من الدروس أو يكرر الأخطاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس السيسي يشهد افتتاح عدد من المحطات البحرية بالمنطقة ال


.. وليد جمال الدين: 2025 يمثل عام الافتتاحات بالمنطقة الاقتصادي




.. رئيس الهيئة الاقتصادية لقناة السويس يقدم هدية تذكارية للرئيس


.. رئيس اقتصادية قناة السويس يستعرض استراتيجية الهيئة في جذب ال




.. كلمة وزير الصناعة والنقل خلال افتتاح عدد من المحطات البحرية