الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طوفان الأقصى 705 - بين -الجنون الإسرائيلي- و-التواطؤ الأمريكي- – كيف سترد قطر على ضربة الدوحة؟

زياد الزبيدي

2025 / 9 / 10
مواضيع وابحاث سياسية



منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بدا واضحًا أنّ الصراع لن يبقى محصورًا في الجغرافيا الفلسطينية وحدها. فالتصعيد العسكري الذي إنطلق بذريعة “القضاء على حماس” تحوّل تدريجيًا إلى معركة أوسع تتجاوز حدود غزة، وتنعكس تداعياتها على موازين القوى في الشرق الأوسط، بل وتضع الولايات المتحدة وحلفاءها في مأزق معقّد. ففي الوقت الذي يواصل فيه الجيش الإسرائيلي قصفه المدمّر لغزة، يخرج خبراء ومحللون ليكشفوا عن آفاق أبعد من مجرد مواجهة عسكرية.
ثلاثة أصوات بارزة في الإعلام الروسي أضاءت جوانب مختلفة من هذا المشهد:
فيودور لوكيانوف، رئيس تحرير مجلة «روسيا في الشؤون العالمية»، قدّم رؤية إستراتيجية تفسّر لماذا دخلت إسرائيل في حرب بلا أفق.
المراسل الحربي ألكسندر كوتس سلّط الضوء على التناقضات الميدانية والفضائح التي تهز الرواية الإسرائيلية الرسمية.
أما منصة «تساريغراد» الإعلامية فقد ركّزت على البعد الإقليمي والدولي، خاصةً بعد إستهداف إسرائيل لقادة «حماس» في الدوحة وردّ قطر الغاضب.
إن جمع هذه المقاربات الثلاث يمنحنا لوحة متكاملة لفهم طبيعة الأزمة الراهنة: حرب ميدانية مدمّرة، مأزق سياسي داخلي لإسرائيل، وإنفجار إرتدادات إقليمية ودولية تهدد بإشعال الشرق الأوسط.

المحور الأول: الحرب الإسرائيلية بين المأزق والمستحيل (رؤية لوكيانوف)

يرى فيودور لوكيانوف أن إسرائيل دخلت حرب غزة على أساس شعار “القضاء على حماس”، لكن سرعان ما إصطدمت بأرض الواقع، حيث لا يمكن لهذه العملية أن تُحسم عسكريًا أو سياسيًا. ويقول: “إسرائيل أعلنت هدفًا مطلقًا لكنها لم تمتلك خطة قابلة للتنفيذ. فإذا لم تُستأصل الحركة كليًا، فإن الحرب تبدو بلا جدوى، وإذا إستمرت بلا أفق، فإن إسرائيل ستغرق في مستنقع إستنزاف”.
من وجهة نظره، تحوّلت العملية إلى إختبار وجودي للدولة العبرية نفسها، لأنها تكشف عن حدود القوة الإسرائيلية. صحيح أن إسرائيل تملك تفوقًا عسكريًا ساحقًا، لكن إستخدامها المفرط للقوة لم يحقق نتيجة سياسية ملموسة. ويضيف لوكيانوف: “كلما طال أمد الحرب، كلما إزداد وضوح العجز الإسرائيلي عن تقديم حل مستدام، وهذا العجز يضرب صورة إسرائيل كقوة قادرة على فرض إرادتها”.
ويضيف المحلل السياسي الروسي فيدور لوكيانوف أن إسرائيل ببساطة تحررت من أي قيود، وتتصرف وفق منطق: "لا تقتربوا مني، أنا مجنونة".
•ضربت في سوريا بذريعة الحرب الأهلية.
•ضربت في إيران بذريعة العداء التاريخي.
•والآن تضرب في قطر، بلد محايد رسميًا وحليف لواشنطن.
والرهان الإسرائيلي، كما يرى لوكيانوف، هو أن أحدًا لن يوقفها، وأن العالم سينسى الجريمة بمجرد تحقيق الهدف: القضاء على حماس.
كما يشير المحلل الروسي إلى البعد الدولي، موضحًا أن الولايات المتحدة تجد نفسها الآن مضطرة للدفاع عن حليف فقد السيطرة على مجريات الحرب. فالبيت الأبيض لا يريد إنهيار إسرائيل، لكنه في الوقت نفسه لا يستطيع تحمل كلفة دعم حرب لا تحظى بشرعية دولية ولا تحقق نتائج. ويختتم لوكيانوف تحليله قائلاً: “لقد تحولت غزة إلى عبء إستراتيجي لا على إسرائيل وحدها، بل على رعاتها الغربيين أيضًا”.

المحور الثاني: إسرائيل في مرمى النقد – شهادة من الميدان (ألكسندر كوتس)

بينما قدّم لوكيانوف تشخيصًا إستراتيجيًا، جاء صوت ألكسندر كوتس ليكشف فضائح الخطاب الإسرائيلي على الأرض. ففي تقاريره الميدانية، ركّز كوتس على التناقض بين الصورة التي تحاول تل أبيب ترويجها للعالم وبين الواقع القاسي الذي يعيشه جنودها.
يقول كوتس: “الجيش الإسرائيلي يواصل القصف الكثيف، لكن هذا لا يخفي حقيقة أن جنوده يواجهون مقاومة عنيفة وخسائر متزايدة. إن خطاب نتنياهو عن الإنتصارات المتلاحقة يتهاوى أمام شهادات الجنود أنفسهم”.
كوتس أشار إلى أن الإعلام الإسرائيلي الرسمي يتحدث عن “تقدم حاسم”، بينما تكشف التسريبات أن هناك حالة إستنزاف عسكري ومعنوي. وعلّق قائلًا: “عندما تضطر الحكومة إلى تكميم أفواه الصحافة والتعتيم على تصريحات الجنود، فهذا دليل على أن الحقيقة مؤلمة أكثر من الدعاية”.
لكن الأكثر إثارة في مقالات كوتس كان تعليقه على حادثة إستهداف إسرائيل لمقرّ قيادة «حماس» في الدوحة. فهو لم يتوقف عند تفاصيل الضربة وحدها، بل طرح أسئلة لاذعة عن دور قطر. قال: “أين كانت أنظمة الدفاع الجوي؟ في قطر هناك منظومات باتريوت وNASAMS، وقد تباهت الدوحة العام الماضي بإسقاط الصواريخ الإيرانية. أما هذه المرة فقد سقطت عشر صواريخ إسرائيلية دفعة واحدة بلا إعتراض. هل يعقل أن يكون ذلك مجرد صدفة؟”.
ثم يذهب أبعد من ذلك بالقول إن قطر ربما سمحت بالهجوم بناءً على طلب أمريكي مباشر، ملمّحًا بسخرية: “عندما يطلب منك من لا تستطيع أن ترفضه، يصبح الأمر واضحًا. وربما أخذت حتى مفتاحًا تذكارياً من البيت الأبيض”.
بهذا الطرح، يكشف كوتس جانبًا حساسًا: أن الحرب على غزة لم تعد شأنًا فلسطينيًا-إسرائيليًا فحسب، بل باتت إختبارًا لتحالفات إقليمية ودولية، حيث يُظهر الميدان أن الشعارات لا تصمد طويلًا أمام الحقائق.

المحور الثالث: الدوحة تدخل المشهد – الرواية من «تساريغراد»

إذا كان لوكيانوف قد ركّز على المأزق الاستراتيجي، وكوتس على الفضيحة الميدانية، فإن منصة «تساريغراد» أبرزت البعد الإقليمي والدولي بعد الضربة الإسرائيلية في قلب العاصمة القطرية.
المقال نقل تصريحات صريحة لرئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الذي قال: “لا يمكن تجاهل الأفعال التي تمثل إنتهاكًا سافرًا لسيادة الدول، ويجب مواجهتها بكل الوسائل”. وعلى الرغم من أن قطر لا تملك جيشًا كبيرًا، فإن نبرة التصريحات كانت غاضبة وغير مسبوقة. فقد وصف آل ثاني الضربة الإسرائيلية بأنها “إرهاب دولة”، وأكد أن بلاده بدأت بالفعل بالتواصل مع حلفائها.
اللافت أن البيت الأبيض حاول الدفاع عن نفسه، إذ صرحت المتحدثة كيرولين ليفيت بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “أمر مبعوثه الخاص بإبلاغ قطر بالهجوم قبل وقوعه، لكن للأسف لم تصل الرسالة في الوقت المناسب”. لكن الخارجية القطرية ردّت ببرود مؤكدة أن الإتصال الأمريكي جاء أثناء القصف نفسه، أي بعد فوات الأوان.
هنا يظهر التناقض الصارخ: الولايات المتحدة، الحليف التاريخي لقطر منذ غزو العراق، لم تستطع – أو لم ترغب – في حمايتها من ضربة إسرائيلية مباشرة، رغم وجود أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة على الأراضي القطرية. وعلّقت «تساريغراد» بحدة: “كيف يمكن لواشنطن أن تبرر لشريك إستراتيجي مثل قطر أنها عجزت عن منعه من أن يصبح ساحة لتصفية الحسابات الإسرائيلية؟”.
وبهذا، فإن الحدث لم يكن مجرد ضربة عسكرية، بل تحوّل إلى أزمة دبلوماسية، حيث شعرت قطر أن حليفتها الكبرى خذلتها في لحظة إختبار حاسمة.

الخاتمة: غزة كميزان حرارة للأزمة الإقليمية

تكشف المقاربات الثلاث عن صورة مركّبة:
•إسرائيل غارقة في حرب بلا أفق (لوكيانوف).
•جيشها يواجه تناقضات وإنكشافًا أمام الرأي العام (كوتس).
•بينما إنتقلت إرتدادات الصراع إلى قلب الخليج مع إهتزاز ثقة قطر بحليفتها الأمريكية (تساريغراد).
في المحصلة، تبدو غزة اليوم أشبه بميزان حرارة سياسي وأمني يقيس حرارة الأزمة في الشرق الأوسط. فكل قنبلة تسقط هناك، تُحدث صدى يتردّد في الدوحة وواشنطن وتل أبيب. وكل تصريح أو تسريب يزيد من تعقيد المشهد، ويدفع الجميع إلى التساؤل: هل ما يجري هو مجرد جولة جديدة في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، أم بداية لمرحلة إقليمية أشد خطورة تهدد بانفجار واسع؟
لقد تحوّلت غزة إلى إختبار شامل: لإسرائيل التي تبحث عن “نصر” غير موجود، وللولايات المتحدة التي تعاني من تناقض سياساتها، وللقوى الإقليمية التي تجد نفسها فجأة في مرمى النيران. وبينما يستمر نزيف الدم في غزة، يبقى السؤال معلقًا: إلى أين يقود هذا المأزق الشرق الأوسط، ومن سيدفع الثمن الأكبر في النهاية؟
*****
هوامش
1) فيودور لوكيانوف
أستاذ في المدرسة العليا للاقتصاد، صحفي وباحث سياسي، خبير الشؤون الدولية، رئيس تحرير مجلة "روسيا في الشؤون العالمية"، رئيس هيئة رئاسة " مجلس السياسة الخارجية والدفاع"، عضو هيئة رئاسة "المجلس الروسي للشؤون الدولية"، المدير العلمي لمؤسسة التنمية والدعم لنادي الحوار الدولي "فالداي"، مؤلف ومقدم برنامج "المراجعة الدولية". أحد مؤلفي الموسوعة الروسية الكبرى.
2) ألكسندر كوتس
مراسل حربي روسي بارز يعمل في صحيفة "كومسومولسكايا برافدا"، إشتهر بتغطيته للنزاعات في الشيشان، سوريا، أوكرانيا وغزة. يُعتبر من أكثر المراسلين الميدانيين متابعة في الإعلام الروسي، ويكتب بأسلوب مباشر يجمع بين السرد الميداني والتحليل السياسي.
3) منصة تساريغراد
وسيلة إعلامية روسية تأسست عام 2015، معروفة بتوجهها المحافظ والوطني، وتغطي الشؤون السياسية والدولية بشبكة واسعة من المقالات والتحليلات. تتميز بإبراز وجهات نظر موسكو الرسمية والدفاع عن السياسات الروسية في الشرق الأوسط وأوروبا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء ترامب والشرع... تحالف وصفقة جديدة لسوريا؟ | مسائية


.. هانيبال القذافي يختار البقاء في لبنان مع عائلته بعد إفراج ال




.. فرنسا تلاحظ -إشارات- جزائرية إلى -رغبة في معاودة الحوار-


.. وزير الصحة في -حكومة تأسيس- يكشف لسكاي نيوز عربية الأوضاع في




.. صحفيون فلسطينيون: اعتداءات المستوطنين علينا باتت ممنهجة