الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موسكو بين الحصار والصمود: الإقتصاد الروسي يتحدى تنبؤات الإنهيار

زياد الزبيدي

2025 / 9 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي

12 سبتمبر 2025

منذ إندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022 وما رافقها من عقوبات غير مسبوقة، راهن الغرب على أن روسيا ستنزف إقتصاديًا حتى تركع. جُمِّدت الأصول، فُرضت القيود على النفط والغاز، وقطعت الشركات الغربية الكبرى حضورها في السوق الروسية، حتى بدا المشهد وكأننا أمام نسخة جديدة من «حصار برلين» أو «خطة مارشال» مقلوبة على الرأس.

لكن ما تكشفه الأرقام، سواء من موسكو أو من مؤسسات مالية دولية، يروي قصة مختلفة. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لخّص الأمر مؤخرًا بقوله: «هذه أرقام باردة، ليست بحاجة إلى تحليل خاص. توقعوا إنهيارًا كاملًا، لكن الإحصاءات تقول إن العكس هو ما يحدث. وفق البنك الدولي، روسيا اليوم رابع إقتصاد عالميًا على أساس تعادل القوة الشرائية، والأكبر في أوروبا».
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد صرّح في وقت سابق بأن سياسة إحتواء روسيا وإضعافها تمثل إستراتيجية طويلة الأمد للغرب، مضيفاً أن العقوبات لم تُلحق ضرراً بروسيا وحدها، بل وجّهت ضربة قوية للإقتصاد العالمي بأسره. وأكد أن الهدف الأساسي للغرب هو تعقيد حياة الملايين من البشر وإفقارهم، - هذا ما جاء في خبر بثته وكالة ريا نوفوستي للأنباء في 8 أيلول/سبتمبر.

من التوقعات السوداوية إلى الواقع الرقمي

حين فرضت الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي حزمتهم الأولى من العقوبات، توقّع محللون في بروكسل وواشنطن أن يتقلص الإقتصاد الروسي بنسبة تتجاوز 15% في عام واحد. بعض مراكز الأبحاث الغربية شبّهت السيناريو بإنهيار الإتحاد السوفياتي مطلع التسعينيات. غير أن ما حدث كان عكس ذلك: إنكماش محدود في البداية، ثم عودة إلى النمو. ففي 2023 سجّل الإقتصاد الروسي نمواً يفوق 3.6%، وهو معدل أعلى من متوسط نمو الإتحاد الأوروبي نفسه.

الطاقة: سلاح ذو حدين

شكلت الطاقة بُؤرة الصراع الإقتصادي. أوروبا التي إعتادت الغاز الروسي الرخيص وجدت نفسها مضطرة لشراء بدائل مكلفة من الولايات المتحدة وقطر. النتيجة: تضخم فاتورة الطاقة وتراجع تنافسية الصناعات الثقيلة الألمانية والفرنسية.
أما موسكو فاتجهت شرقًا: الصين أصبحت المستورد الأكبر للنفط الروسي، والهند دخلت بقوة، ما سمح بإعادة رسم الجغرافيا الإقتصادية بدل خسارتها بالكامل.

العقوبات التكنولوجية والرد الروسي

العقوبات على التكنولوجيا المتقدمة، خاصة أشباه الموصلات والطيران المدني والبرمجيات، هدفت إلى شل الصناعة الروسية. لكن موسكو تحركت في مسارين:
1. التعويض عبر شركاء جدد: الصين، تركيا، الإمارات، وغيرها وفرت قنوات بديلة.
2. الإنتاج المحلي: عبر برامج "الإحلال محل الواردات" التي تسارعت بعد 2022.
النتائج ما زالت جزئية، لكنها بدأت تظهر في الصناعات العسكرية والزراعية.

صعود الإقتصاد الحربي

اليوم يقترب الإقتصاد الروسي من نموذج إقتصاد الحرب. نسبة كبيرة من الموازنة تُضخ في الصناعات العسكرية: صواريخ، دبابات، طائرات مسيرة. وهنا المفارقة: الحرب التي أراد الغرب أن تستنزف روسيا، أصبحت محرّكاً رئيسياً لنموها، ولو على حساب قطاعات مدنية.

الغرب في مأزق ردات الفعل

العقوبات لم تمر بلا ثمن على من فرضها. أوروبا تواجه تضخمًا في أسعار الطاقة والغذاء، وألمانيا تعاني ركوداً ممتداً، فيما نقلت شركات أوروبية كبرى خطوط إنتاجها إلى الولايات المتحدة حيث الطاقة أرخص. الهدف كان إضعاف روسيا، لكن النتيجة كانت أزمة مزدوجة داخل الإتحاد الأوروبي نفسه.

الإقتصاد الموازي: من بريكس إلى الجنوب العالمي

أحد أسرار صمود موسكو هو توسعها في بناء تحالفات بديلة. «بريكس» لم تعد تكتلاً رمزياً، بل منصة تبحث في بدائل للدولار. الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا رفعت تجارتها مع روسيا، كما تعززت الروابط مع إيران ودول الخليج وآسيا الوسطى. لم تُعزل روسيا، بل ساهمت الحرب في تسريع إعادة توزيع القوة الإقتصادية عالمياً.

الثمن الباطني للصمود

ورغم هذه الصورة، يبقى الواقع معقدًا. المواطن الروسي يواجه ارتفاع أسعار، وتراجعًا في بعض مستويات المعيشة، وقيودًا على السفر والتكنولوجيا. كما أن ضخ الموارد في الحرب يترك أثرًا على التعليم والصحة والبنى المدنية.

سباق النفس الطويل

يبقى السؤال مفتوحًا: هل يستطيع الغرب الإستمرار في تمويل أوكرانيا ومراكمة العقوبات رغم أزماته الداخلية؟ أم أن روسيا، رغم صمودها الحالي، ستدخل مرحلة إنهاك تدريجي إذا طال أمد الحرب؟
ما هو واضح أن سيناريو الإنهيار السريع الذي رُوّج له في 2022 صار من الماضي. الواقع اليوم صراع إستنزاف طويل: إقتصاد في مواجهة إقتصاد، ونَفَس طويل في سباق مفتوح لم يُحسم بعد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة تعفي المجر من العقوبات المفروضة على النفط ا


.. البرهان يصر على مواصلة القتال.. وهكذا ستتحرك أميركا لفرض اله




.. وزارة الصحة اللبنانية: 7 جرحى في غارة من مسيرة إسرائيلية على


.. مصدر بالجيش السوداني: أسقطنا مسيرة للدعم السريع كانت تستهدف




.. الضفة الغربية.. استمرار اعتداءات المستوطنين على تجمعات بدوية