الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
طوفان الأقصى 708 - تداعيات الضربة الإسرائيلية على قطر بين الانعكاسات الدبلوماسية وإعادة الحسابات الاستراتيجية
زياد الزبيدي
2025 / 9 / 14مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي
14 سبتمبر 2025
تمهيد
أحدثت الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت وفداً من حركة "حماس" في العاصمة القطرية الدوحة زلزالاً سياسياً ودبلوماسياً تجاوز حدود الخليج ليصل إلى قلب النظام الدولي. فالهجوم، الذي وصفه مراقبون بأنه "خطأ استراتيجي"، جاء في وقت حساس، وأجبر جميع الأطراف المعنية ـ من الولايات المتحدة إلى دول الخليج وتركيا وبريطانيا ـ على إعادة تقييم مواقفها.
في هذا السياق، تبرز قراءتان متكاملتان: الأولى قدّمها الكاتب الصحفي أندريه ياشلافسكي في صحيفة موسكوفسكي كومسوموليتس في 10 أيلول/سبتمبر، حيث ركّز على البعد الدبلوماسي وردود الفعل الفورية. والثانية طرحها المحلل السياسي دميتري روديونوف في صحيفة فزغلياد الالكترونية يوم 11 أيلول/سبتمبر، حيث أبرز كيف دفعت الضربة حلفاء الولايات المتحدة إلى إعادة الحسابات الإستراتيجية في ضوء هشاشة المظلة الأمنية الأميركية.
أولاً: مشهد العملية وردود الفعل المباشرة
بحسب ياشلافسكي، فإن إسرائيل "شنّت غارات جوية على أعضاء بارزين من حركة حماس في قطر أثناء مشاركتهم في مفاوضات تتعلق بوقف إطلاق النار في قطاع غزة"، مؤكداً أن "ستة أشخاص قُتلوا في الهجوم، بينهم نجل القيادي خليل الحيّة، بينما نجا كبار قادة الحركة".
رد الفعل الأميركي جاء متحفظاً، إذ أوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض أن "القصف الأحادي لأراضي قطر، الدولة ذات السيادة والحليف الوثيق لواشنطن، لا يخدم أهداف إسرائيل أو أميركا". لكن المفارقة الكبرى، كما ينقل ياشلافسكي، أن واشنطن كانت قد أُبلغت مسبقاً بالهجوم وحاولت "تحذير قطر من العملية، لكن للأسف كان الأوان قد فات".
ثانياً: غضب قطر والدول العربية
أبرزت مقالة ياشلافسكي الغضب القطري الشديد، حيث قال رئيس الوزراء الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني: "تحتفظ قطر بحق الرد على هذا الإعتداء السافر، وستتخذ كل الإجراءات اللازمة. الوساطة جزء من هويتنا ولن يمنعنا أحد من القيام بدورنا".
كما أدانت تركيا والجامعة العربية الهجوم، وإعتبر أحمد أبو الغيط أنه "ينتهك سيادة قطر دون أن يكترث لعواقب أفعاله". حتى بريطانيا، رغم دعمها الدائم لإسرائيل، وصفت العملية بأنها "خطوة خطيرة قد تؤدي إلى تصعيد جديد".
ثالثاً: إعادة الحسابات الإستراتيجية – قراءة روديونوف
من زاوية أخرى، يذهب دميتري روديونوف إلى أن الضربة لم تكن مجرد حدث عابر، بل "جعلت جميع حلفاء الولايات المتحدة يعيدون الحسابات". ففي نظره، هذه العملية كشفت ثغرة كبرى في المظلة الأمنية الأميركية التي يفترض أن تحمي الدول المضيفة للقواعد العسكرية الأميركية مثل قطر.
ويقتبس روديونوف تساؤل الباحث الأميركي من أصل إيراني تريتا بارسي: "ما قيمة المظلة الأمنية الأميركية لقطر، وما جدوى إستضافة قاعدة أميركية، إذا كانت واشنطن نفسها متورطة في التآمر للهجوم عليك؟". هذه الأسئلة، كما يرى، لا تطرحها قطر وحدها، بل جميع دول الخليج التي تعتمد على التحالف مع الولايات المتحدة كضمانة لأمنها.
رابعاً: واشنطن بين الإنكار والتورط
في مقالة ياشلافسكي، يظهر أن البيت الأبيض حاول التنصل من المسؤولية، إذ قال ترامب إن العملية "قرار نتنياهو وحده". لكن رواية دميتري روديونوف تكشف أن هذا التبرير لم يُقنع أحداً، بل زاد الشكوك حول عمق التواطؤ الأميركي. فهو يرى أن "محاولة واشنطن إلقاء اللوم على إسرائيل وحدها لا تلغي حقيقة معرفتها المسبقة وعدم قدرتها على حماية حليفها".
هنا يظهر التناقض الصارخ: واشنطن، التي تستخدم قاعدة العديد في قطر كأداة رئيسية لعملياتها بالمنطقة، فشلت في إظهار أي قدرة ردعية أو حتى في الحفاظ على هيبة شريكها المحلي.
خامساً: حسابات خليجية جديدة
صحيح أن قطر تُوصَف في العالم العربي بأنها "الطفل المشاغب" ـ مفرط في الولاء لأميركا وبريطانيا والغرب، وعلاقاته مع جيرانه، خصوصاً السعودية، ليست مستقرة. لكن قطر ليست إيران "الشيعية المارقة"، التي يمكن التغاضي عن قصفها أو حتى تبريره. ما جرى في الدوحة يبرهن بوضوح على ما قد يواجهه أي بلد يفرط في الثقة بالغرب.
السعودية إلتزمت الصمت حتى الآن، لكنها بلا شك تفكر ملياً. ومن شبه المؤكد أن مشروع إدخالها في "إتفاقات أبراهام" إنتهى، إذ سيكون من المستحيل إقناع الرأي العام السعودي بجدوى الإعتراف بإسرائيل بعد ما حدث. وهذا سيدفع الرياض إلى الإبتعاد عن واشنطن والتقارب مجدداً مع روسيا والصين، وربما الإنضمام إلى مجموعة "بريكس" ـ وهو ملف كان قد جُمّد بعد فوز ترامب بالإنتخابات، حين ظن السعوديون أنه حليف مضمون.
أما على المستوى الإقتصادي، فقد يصبح موضوع "التخلي عن الدولار في تجارة النفط العربية" واقعاً ملموساً، ما قد يوجه أقسى ضربة للهيمنة الإقتصادية الأميركية في تاريخها.
سادساً: التداعيات على ميزان القوى الإقليمي
بحسب ياشلافسكي، فإن الهجوم مثّل "إعتداءً على الدبلوماسية ذاتها" في وقت كانت فيه قطر ومصر والولايات المتحدة نفسها تسعى إلى وقف إطلاق النار. بينما يرى روديونوف أن الخطر أبعد من ذلك: "الضربة أظهرت أن إسرائيل مستعدة لتجاوز كل الخطوط الحمراء، حتى لو كان ذلك على حساب حلفاء واشنطن".
هذا التحول قد يدفع دولاً خليجية إلى البحث عن بدائل توازن، سواء عبر تعزيز الشراكات مع الصين وروسيا، أو عبر تنويع تحالفاتها الأمنية. وهو ما يعني أن إسرائيل، بسلوكها، لم تضعف موقع قطر فقط، بل قوّضت الثقة بالبنية الأمنية الأميركية في المنطقة بأسرها.
سابعا: أسئلة حول الدفاع الجوي القطري
أيضاً يثير التساؤل غياب أي رد من الدفاع الجوي القطري. على مواقع التواصل، يتداول البعض فرضية أن الأميركيين عطّلوا بطاريات "باتريوت" الموجودة في قطر، بينما كانت مقاتلات سلاح الجو الإسرائيلي تحلق "بسلام" فوق العاصمة في وقت الهجوم، ترافقها طائرات تزويد بالوقود أميركية وبريطانية.
المشهد إذن لا يحرج قطر وحدها، بل يحرج الولايات المتحدة أيضاً، إذ يوحي بأن حليفاً يملك أكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة لم يتمكّن من حماية سمائه، وربما جرى تقييد قدراته الدفاعية عمداً. هذه النقطة بالذات، كما يشير روديونوف، تعمّق أزمة الثقة بكل التحالفات الأمنية الأميركية في الخليج.
خاتمة
إن الجمع بين مقالتَي أندريه ياشلافسكي ودميتري روديونوف يبيّن بوضوح أن الضربة الإسرائيلية على قطر كانت نقطة تحوّل إستراتيجية. فمن ناحية، كشفت العملية عن عدوانية إسرائيلية غير مسبوقة في إنتهاك سيادة حليف عربي لواشنطن. ومن ناحية أخرى، سلّطت الضوء على هشاشة المظلة الأمنية الأميركية، وأجبرت عواصم المنطقة على إعادة التفكير في خياراتها.
كما لخّص روديونوف بحدة: "الضربات على قطر جعلت جميع حلفاء الولايات المتحدة يعيدون الحسابات". وفي ظل هذا التحول، تبدو المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من إعادة التموضع، حيث لم يعد بإمكان واشنطن أن تفترض تلقائياً أن حلفاءها سيبقون تحت جناحها مهما حدث.
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. عاجل | ولي العهد السعودي يؤكد لترامب: الانضمام للاتفاقات الإ
.. ترمب: عقدت اجتماعا رائعا مع ولي العهد السعودي
.. ولي العهد السعودي: سنعلن عن زيادة استثماراتنا في الولايات ال
.. الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يستقبل ولي العهد السعودي الأمير
.. هل تغيّر طائرات رافال الفرنسية شكل الحرب في أوكرانيا؟