الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعبة القط والفأر .. ألى اين ؟

كاظم محمد

2007 / 2 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


لم تشهد منطقة الخليج العربي مثل هذا الحشد العسكري الأمريكي ، منذ حرب الكويت 1991 وغزو العراق في 2003 ، والذي دفع ، مع الكثير من المعطيات المرتبطة بالوضع العراقي ، في ترسيخ الاعتقاد العام للكثيريين بأن الصدام الامريكي الايراني بدأ يقترب ، وان مؤشرات العد العكسي لهذا الصدام تتكرس عراقيآ واقليميآ .
لقد صرحت بعض المصادر الدبلوماسية الاوربية ، بأن ايران قامت بتركيب عدد من اجهزة الطرد المركزي ، والتي تستخدم لتخصيب اليورانيوم ، وهذا ما فُسر لدى العديد من الاوساط السياسية ، بأنه مؤشر على ان النظام الايراني ينوي الاعلان عن نجاحه في قدرته على انتاج الوقود النووي ، والذي على درجة تخصيبه تتوقف استخداماته السلمية او العسكرية .
وفي هذه الحالة يُعتقد ان ايران تتحدى مجلس الامن في قراره بفرض الحصار الاقتصادي ، اذا لم تتوقف عن برنامجها بتخصيب اليورانيوم ، وان عدم استجابة طهران لهذا القرار في موعد اقصاه 21-2-2007 فأن مجلس الامن يهدد بعقوبات قاسية وطويلة ، والتي تصطدم بالموقفين الروسي والصيني ، اللذان لا يحبذان مثل هذه العقوبات وخاصة اذا كانت تحت البند السابع والذي يقر استخدام القوة العسكرية .
لقد دأبت ادارة بوش وخلال الفترة الاخيرة ، وخاصة مع ازدياد الضغوط الداخلية والخارجية ، ومع الفوضى الكارثية التي يعيشها العراق ، وفشل السياسات العسكرية والامنية وانسداد افق عملية الاحتلال السياسية ، وترافقآ مع طرح بوش لما تسمى " استراتيجية بوش الجديدة " ، دأبت هذه الادارة على قرع الطبول الاعلامية والسياسية والدبلوماسية لما اسمته بالخطر الايراني المحدق بالمنطقة ، والمرتبط اساسآ بالطموح الايراني بأمتلاك التكنلوجيا النووية وتطويرها .
لذلك كان الاعلان الايراني بتشغيلها لأجهزة الطرد المركزي وزيادة عددها ، هو الحجة الأولى لأدارة بوش ، بأظهار ايران كأخطر تهديد في منطقة الخليج وفي منطقة الشرق الاوسط ، وبنفس الوقت لم تخفي دوائر البيت الابيض ولا ادارته في العراق المحتل ، الاشارة الى تأثير الدور الايراني في العراق لجهة دعمه لميليشات (شيعية) عسكريأ وسياسيآ ، يساهم نشاطها في اشعال الاقتتال الطائفي وانهيار الوضع الامني !.اضافة الى امتلاك واشنطن لدلائل على تزويد ايران لجماعات مسلحة بمتفجرات واسلحة متطورة تشكل خطرآ على حياة جنودها في العراق .

ومع طرح بوش " لأسراتيجيته الجديدة" بدأت لهجة الخطاب السياسي الامريكي تتصاعد ضد ايران ، وتأخذ منحى يترافق مع تحشيد عسكري تمثل بأعطاء بوش أوامره بنصب صواريخ باتريوت في عدد من دول الخليج الحليفة له ، أصافة الى تعزيز الوجود الامريكي في المنطقة بأرسال اربعة غواصات نووية لمياه الخليج ، مع حاملتي الطائرات (ايزنهاور و جون ستينس ) ، اما حاملة الطائرات (رونالد ريغان) فهي في طريقها الى مياه الخليج من قاعدة سان ديغو ، هذا بالاضافة الى القوات الاصافية المرسلة الى العراق 21000 عسكري ، والتي تتحدث بعض المصادر الامريكية بأنها ربما تصل الى 40000 عسكري ، وهذا عدا الصلاحيات التي منحت للقوات الامريكية في العراق بأعتقال او قتل ما اسماه بالعملاء الايرانيين في العراق .
رغم انه لم يحدث ان حشدت الولايات المتحدة هذا القدر الكبير من القوة العسكرية منذ حرب الكويت وغزو العراق ، ألا ان البيت الابيض ينفي رسميآ وجود اي خطط للحرب ضد ايران ، وكذلك فأن تصريحات مختلف المسؤولين الامريكيين تصب بنفس الاتجاه .
طبعآ ان هذا النفي الرسمي الامريكي ، لا يتطابق وطبيعة الحشد والتهديد الذي يشكله ، وكذلك فأن نفي احمد نجادي ، بسعي ايران لأمتلاك السلاح النووي لا يقنع الادارة الامريكية التي لها حساباتها الخاصة في المنطقة والتي تتوافق تمامآ مع استراتيجية الأمن الأسرائيلي ، وعليه فأن لعبة الجذب والشد بين ايران والولايات المتحدة الامريكية ، تجد مرتكزاتها أيضآ في مفاصل اقليمية اهمها حسمآ العراق ثم لبنان وسورية ، وهذا بالتأكيد لايجعل ايران ان تكتفي بالمناورة من خلال هذه المفاصل فقط ، حيث يشهد الكثيرون بحسن الاداء السياسي والدبلوماسي الايراني خلال السنوات القليلة المنصرمة ، اضافة الى اجتهادها بتطوير قدراتها التقنية والعسكرية ، لذلك يتفاءل البعض ، ومنهم الخبير في الشؤون الايرانية ( ترتيا باريس ) بأن ايران قد تقدم على اعلان سياسي ذكي بمناسبة يوم الثورة الايراني في 11-2-2007 يلمح الى ان ايران قد انجزت وبنجاح دورة الوقود النووي الذي يستخدم للاغراض السلمية ، وانها قد حققت مبتغاها بامتلاك التقنية النووية ويعلنون توقفهم عن التخصيب ، وهذا سيسمح لأيران بأكل الكعكة والاحتفاظ بها بنفس الوقت ، والذي ربما يساعد ايران في الافلات من العقوبات التي تنتظرها ، ويزيل الحرج الروسي الصيني عند طرح الملف النووي الايراني مجددآ على مجلس الامن .

يبقى السؤال هل تكفي هذه المبادرة الايرانية ، في حالة طرحها ، كافيةً لتجنيب ايران الضربة العسكرية الامريكية ؟ ان الاجابة على هذا السؤال ، يرتبط بطبيعة المواجهة القائمة وصدامها المؤجل ، وبجوهر المصالح الامريكية وخططها ، وخاصة في ظل ادارة لاتجيد إلا لغة العسكر والقوة ، وكذلك ارتباطها بطموحٍ ايراني للعب دورٍ اقليمي معترف به ، والأهم هو الساحة العراقية وتطورات احداثها السريعة وما تسببه من صداع سياسي لبوش وبطانته من اليمين المتطرف ، وما تثيره من ردود فعل دولية ، بدأت تشكل عامل ضغط باتجاه تحديد جدول زمني لسحب قوات الاحتلال من العراق ، ودعواتها لتغيير نهج هذه الادارة في التعامل مع مشاكل المنطقة المزمنة .
ان تكثيف الاتصالات الروسية الايرانية خلال الايام الماضية يصب في هذا الاتجاه ، والذي ترافق مع الاعلان عن القلق الروسي من الحشود العسكرية الامريكية في منطقة الخليج ، والهجوم الذي شنه الرئيس بوتين على النهج الامريكي في التعامل مع قضايا العالم المختلفة ، ومحاولاتها بفرض ارادتها على المجتمع الدولي ، وذلك خلال مؤتمر الامن الدولي الذي يعقد في مدينة ميونخ الالمانية هذه الايام .


منذ ان اصبح الفشل الامريكي في العراق شاملآ ، وجدت ادارة البيت الابيض نفسها في مأزق سياسي وعسكري ، عكس نفسه بسياسات تكتيكية وبدائل وخيارات ساهمت في تعميق مأزومية هذه الادارة ، واكدت نهج بوش وجماعة الصقور في الهروب الى الامام ، فجاءت سياسة بوش الجديدة والتي تسمى اعتباطآ " استراتيجية بوش الجديدة" ، جاءت لتكرس هذا الهروب المتواصل ، وهذه المرة ، هروبها من توصيات ومقترحات لجنة بيكر- هاملتون وتجاوزها ، لتتجنب الاعتراف والاقرار بالفشل والسير الى امام في محاولة لحرف التركيز السياسي من العراق الى جواره ، وخاصة ايران ، التي اضافة الى خطرها النووي الذي يشكل مع طموحاتها الاقليمية ، تهديدآ لمصالح امريكا وحلفائها ، حسب قائمة الاتهامات الامريكية ، فان دورها في العراق ونشاطها ، يعرض حياة الجنود الامريكيين للخطر كما يقول بوش .
اما سورية ، وبالرغم من اعترافها بحكومة الاحتلال في بغداد واقامة العلاقات معها ، فأنها لا زال مطلوب منها الكثير لعمله ، لأقناع ادارة بوش بصدق نواياها ، ولذلك ترى كوندليزا رايس ، بانه لا داعي للتفاوض مع الاسد ، حيث هو يعرف ما المطلوب منه ، عراقيآ ولبنانيآ وفلسطينيآ .
بذلك نستطيع القول ان ملامح خطة بوش الجديدة ، تتجسد في تصعيد المواجهة مع ايران وتسعير التوترات الطائفية والعرقية ، وبما يخدم هذه المواجهة ، وممارسة الضغط على سورية لتلبي المطالب الامريكية والاستمرار بمنع التوصل الى اتفاق لبناني لبناني لحل الازمة القائمة ، وتصعيد التوتر الداخلي بما يخدم اتساع الاصطفاف الطائفي ، اضافة الى استخدام القوات الاضافية المرسلة للعراق ، في ضرب معاقل المقاومة ومساعدة حكومة المالكي في تنفيذ الخطة الامنية الجديدة لبغداد وما حولها ، والبدأ في تفكيك المليشيات الطائفية ومطاردة عناصرها وداعميهم من الايرانيين ، كما يدعي بعض الجنرالات الامريكان .
ان التبرير الامريكي للفشل الصارخ في العراق ، كونه بسبب التدخل الايراني ونفوذه ، لا يتوافق بالمطلق مع طبيعة التوافق والتناغم الذي حكم الغزو الامريكي للعراق بعلاقته مع الجانب الايراني وامتداداته السياسية والمليشياوية .
وان امتداد هذا النفوذ وتوسعه تم تحت نظر وسمع الجانب الامريكي ، اي ان حقائق الواقع ، التي تؤكد توسع المقاومة واتساع جبهة مناهضة الاحتلال تدحض محاولات الأستغباء التي تريد ادارة بوش تمريرها ، وما الاجراءات الاخيرة الناعمة لتقليم اظافر ايران في العراق ، عبر بعض الاعتقالات ومطاردة قادة محليين ، إلا سياسة غير جدية وحذرة في مواجهة هذا النفوذ ، وموجهة بشكل خاص الى احد الاطراف دون غيرها .
لذلك فان ادارة بوش ، في الوقت الذي لاتستبعد ضربة تكتيكية محدودة لايران ، فانها بتسعير المواجهة مع طهران وايصالها الى حافة الصدام ، تبغي انصياع ايران الى التجاوب مع الرغبة الامريكية في ترتيب الساحة العراقية لصالح اجندة بوش واحلام خطته الجديدة ، وسحب يدها من لبنان ، ودفن طموح القوة الاقليمية لديها . وهذا ما تدركه طهران وتدرك معه نقاط قوة وضعف بوش الاستراتيجية ، لذلك جاء ردها هذه المرة عبر (هاشمي رفسنجاني) الذي اكد ان اي هجوم امريكي على ايران ، سيؤدي الى ان مشاكلها في العراق ستتضاعف عشر مرات ، اضافة الى ردها العسكري باجراء تجربتها الناجحة لصواريخ ارض بحر بمداها الذي يطول كامل منطقة الخليج وحدود مياهه الاقليمية .

ان ردود الفعل الدولية على التحشيد الامريكي في منطقة الخليج ، بمجملها ، شكلت نوع من الضغط والقلق على ما يمكن ان تقدم عليه ادارة بوش ، وما له من نتائج كارثية ، من توسيع حربها في العراق لتشمل دولآ اخرى ، وان منطق بعض الدول هنا هو الخوف من هزيمة جديدة لأمريكا تنهي ولسنواتٍ طويلة النفوذ الامريكي في منطقة الشرق الاوسط ، وتنهي معه نفوذ ها الثانوي وقدرتها على التأثير ، وبروز قوى اقليمية يمتد دورها للعالمية في التأثير على الاحداث المقبلة ، لذلك برزت دعوات جدية تدعو ادارة بوش الى التعقل في معالجاتها( للتحديات) ، لقد كتب يوشكا فيشر وزير خارجية المانيا السابق مقالا في جريدة( دوكنس نيهيتر ) السويدية يقول " .. ان الهجوم على العراق والحاق الهزيمة به كان سهلآ ، ولكن هاهي امريكا متورطة الان هناك ، وهي لا تعرف كيف تكسب هذه الحرب او تخرج منها سالمة دون هزيمة ... لايمكن تصحيح خطأ بتكراره مرة اخرى ".
أما (ريتشاد هاس ) رئيس مجلس العلاقات الخارجية في مجلة شؤون اجنبية ، فقد كتب " ان سيطرة الولايات المتحدة على الشرق الاوسط تشهد نهايتها ، وان الحرب على العراق كانت بداية النهاية ... ان على واشنطن اتباع الدبلوماسية بدل القوة العسكرية من اجل التاثير في المرحلة الجديدة . " .

من الصعب حاليآ القول ، ان امام هذا الصراع افاق للتسوية والتهدئة القريبة ، التي قد تضعف امكانية الصدام وتلغيه من الحسابات الامريكية ، خاصة وان امام بوش ما يقارب السنتين ، يعتقد بانه يستطيع فعل الكثير خلالها ، رغم ان ضغط الاحداث والتطورات العراقية والاقليمية ، تدفع إلى البحث عن حلول وخيارات ، تعتمد بقربها او بعدها عن مصلحة العراق وشعبه ، على قدرة المقاومة العراقية في انزال اكبر الخسائر في صفوف الاحتلال ، وعلى نضوج هذه المقاومة وجميع القوى المناهضة للاحتلال في توفير مستلزمات وعناصر الهزيمة السياسية والعسكرية الكاملة للمحتل ، وايصاله للقناعة اللازمة بالجلوس الى مفاوضات جدية تنهي الاحتلال ، وتوفر مقومات اعادة بناء الدولة العراقية .
ان امريكا وحلفائها يتصرفون من الاحساس والادراك ، بان علائم ونُذر الهزيمة الاستراتيتجية لمنطقهم ونفوذهم ، قد بانت من ارض العراق ، وان مصير مشروعهم بات في مهب الريح ، وان كل البدائل والخيارات التي لا تستند الى الحل السياسي النابع من الحقوق الوطنية العراقية والمضمونة دوليآ ، لا تزيد المأزق الامريكي إلا عمقآ ، وان قرع طبول الخطر الايراني والتحشيد العسكري لا يغطي على الصورة الحقيقة للمأزق الامريكي في العراق ، ولا يُزكي دور ايران في العراق ، الذي أضر بأمن شعبه ومستقبل قضيته الوطنية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غرقُ مطارِ -دبي- بمياهِ الأمطارِ يتصدرُ الترند • فرانس 24 /


.. واقعة تفوق الخيال.. برازيلية تصطحب جثة عمها المتوفى إلى مصرف




.. حكايات ناجين من -مقبرة المتوسط-


.. نتنياهو يرفض الدعوات الغربية للتهدئة مع إيران.. وواشنطن مستع




.. مصادر يمنية: الحوثيون يستحدثون 20 معسكرا لتجنيد مقاتلين جدد