الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
طوفان الأقصى 709 - من قتل تشارلي كيرك؟ إغتيال أيقونة اليمين الأميركي بين صراع الداخل الأميركي وحروب الشرق الأوسط
زياد الزبيدي
2025 / 9 / 15مواضيع وابحاث سياسية
إعداد وتحليل د. زياد الزبيدي
15 سبتمبر 2025
في العاشر من سبتمبر 2025، دوّى خبر صادم في الولايات المتحدة: إغتيال الناشط اليميني الشاب تشارلي كيرك، أحد أبرز رموز حركة "لنجعل أميركا عظيمة مجددًا" (MAGA)، برصاص قنّاص محترف خلال فعالية جماهيرية في ولاية يوتا.
كيرك، البالغ 32 عامًا، لم يكن مجرد معلّق سياسي أو شخصية إعلامية، بل رمزًا ثقافيًا وفكريًا بالنسبة لقاعدة الشباب المحافظ في أميركا. وباغتياله، إنفجرت سلسلة من ردود الفعل المتناقضة، بين حزن وغضب في معسكر المحافظين، وإحتفال صريح أو ضمني في أوساط الليبراليين الأميركيين وبعض الحركات العالمية المعادية له.
هذه الحادثة أعادت إلى الأذهان سلسلة الإغتيالات السياسية في التاريخ الأميركي – من جون كينيدي إلى محاولات إستهداف دونالد ترامب – لكنها هذه المرة تسلّط الضوء على عمق الإنقسام الإجتماعي والسياسي والثقافي الذي يضرب الولايات المتحدة، وعلى تشابك هذا الإنقسام مع قضايا الشرق الأوسط.
تشارلي كيرك: صعود نجم المحافظين الشباب
لم يكن كيرك ضابطًا عسكريًا ولا ناشطًا مسلّحًا، بل مثقفًا شعبويًا، يجمع بين الكاريزما الإعلامية والقدرة على التنظيم الشبابي. أسّس منصة Turning Point USA (TPUSA)، التي أصبحت الساحة الأوسع لتمثيل الشباب المحافظين داخل الجامعات الأميركية.
في مواجهة ما سمّاه "ديكتاتورية النخب الليبرالية"، واجه كيرك التيارات الجامعية التقدمية: نظرية العرق النقدية، الحركات النسوية الراديكالية، أجندة الـLGBT، سياسات الهجرة المفتوحة.
"كيرك لم يكن مجرّد معارض للتيار السائد، بل جسّد لأول مرة جيلًا شابًا من المحافظين يتحدث بلغة السوشيال ميديا ويواجه الليبراليين في عقر دارهم: الجامعات الأميركية."
على منصته، تجمّعت التيارات اليمينية المختلفة: من المسيحيين التقليديين إلى دعاة "التنوير المظلم"، من أنصار إسرائيل إلى معارضيها، من القوميين الأميركيين إلى المؤمنين بالتعددية القطبية. وبذلك ساهم كيرك في إعطاء حركة MAGA زخمًا شبابيًا فريدًا.
كيرك وترامب: العلاقة المعقدة
كان كيرك من أشد المدافعين عن ترامب، حتى حين تراجع الأخير عن بعض وعوده. فقد برّر أخطاءه السياسية – من الضربات على إيران إلى إستمرار دعم أوكرانيا – بدعوى الحفاظ على وحدة الصف اليميني.
لكنه في المقابل لم يتردّد في إنتقاد بعض المواقف: دعا إلى نشر قوائم المتورطين في فضيحة جيفري إبستين حتى بعد أن رفض ترامب ذلك، وهاجم سياسة نتنياهو رغم إلتزامه بالدفاع عن إسرائيل.
هذا المزيج جعله شخصية فريدة: وفيّ لترامب كزعيم، لكنه صاحب رؤية مستقلة. لذلك، وصفه كثيرون بأنه "الإبن السياسي لترامب"، فيما رأى آخرون أنه قد يصبح بديلًا محتملاً في المستقبل.
لحظة الاغتيال
كان كيرك يشارك في فعالية شبابية ضمن جولة "اللحظة الفاصلة" بجامعة فالي في مدينة أوريم، ولاية يوتا. وأمام حشد من المؤيدين، أصابته رصاصة قنّاص في رقبته، قطعت شريانه وأردته قتيلًا أمام الكاميرات.
الفيديوهات التي إنتشرت بسرعة صادمة جعلت من الجريمة حدثًا وطنيًا مدويًا. لم يكن هناك مجال للحديث عن "حادث عرضي"، فالإغتيال كان إحترافيًا ومدروسًا.
أميركا المنقسمة: بين الحزن والشماتة
رد فعل أميركا كان صاعقًا في إنقسامه.
•معسكر المحافظين: صدمة، دموع، دعوات للوحدة. إيلون ماسك اتهم الديمقراطيين بممارسة "الإرهاب السياسي"، فيما إعتبر أنصار MAGA أن الإغتيال "رسالة دموية" تستهدف إخافة الجيل الجديد من القادة المحافظين.
•المعسكر الليبرالي: قنوات مثل MSNBC حاولت التخفيف من وقع الحادث، بل إدّعى أحد المعلقين أن "كيرك أصيب برصاص طائش من أحد مؤيديه"! آخرون قالوا: "لقد جنى على نفسه". وعلى مواقع التواصل، تحوّلت الحادثة إلى مهرجان شماتة.
كتب ناشط يساري: "اليوم خسرت MAGA رمزًا… وربحت أميركا نفسًا من الحرية".
هذا الإنقسام كشف أن أميركا باتت على حافة حرب أهلية ثقافية، حيث لا يُنظر إلى الموت حتى كحادثة إنسانية، بل كحدث سياسي قابل للإستثمار.
مناصر متشدّد لإسرائيل
على الرغم من إنتقاداته لبعض سياسات ترامب الخارجية، كان كيرك ثابتًا في دعم إسرائيل. فقد دافع عن الحرب على غزة، ورفض توصيفها بأنها "إبادة جماعية"، معتبرًا أن الحديث عن جرائم حرب "مجرد بروباغندا يسارية". كما دعم مساعي ترامب لتجريم النشاط الطلابي المؤيد لفلسطين.
في إحدى أبرز القضايا، وقف إلى جانب محاولات ترحيل الطالب الفلسطيني محمود خليل من جامعة كولومبيا، بدعوى أنه "يستغل حرية التعبير لنشر الكراهية ضد إسرائيل".
وكتب كيرك حينها: "الجامعات الأميركية ليست ساحات للجهاد السياسي. من يدعم حماس أو يبرر إرهابها لا مكان له هنا".
لذلك، لم يكن مفاجئًا أن يسارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولون آخرون إلى نعيه، واصفين إياه بأنه "صديق مخلص لإسرائيل". الصحافة العبرية إعتبرت أن مقتله "خسارة للمعركة العالمية ضد معاداة السامية".
البعد الدولي: من كييف إلى غزة
لم يكن كيرك شخصية محلية فقط. في أوكرانيا، عبّر ناشطون قوميون عن إرتياحهم لمقتله، وذكّروا بمواقفه المناهضة لدعم واشنطن لكييف.
في المقابل، في الشرق الأوسط، حمل الاغتيال أصداء واسعة:
في فلسطين: أستُقبل الخبر بإرتياح ضمني، خصوصًا في غزة. ناشطون كتبوا أن "سقوط كيرك يعني سقوط أحد أبرز أبواق الإحتلال في أميركا".
في إيران: وسائل الإعلام المحافظة تحدثت عن "إمبراطورية تنهش أبناءها"، وإعتبر محللون أن "إغتيال كيرك يعكس إنقسامًا داخليًا سيضعف قبضة واشنطن على ملفات الشرق الأوسط".
مقارنة روسية: من داريا دوغينا إلى كيرك
في موسكو، قورنت الحادثة بإغتيال المفكرة داريا دوغينا والكاتب فلادلين تاتارسكي، حيث رأت وسائل إعلام روسية أن "الغرب يستهدف العقول المؤثرة" بنفس الطريقة.
الرسالة التي ألتُقطت في موسكو: كيرك، رغم دعمه لإسرائيل، كان أقرب إلى المعسكر المناهض للعولمة والليبرالية، وبالتالي فإن إغتياله "جزء من الحرب العالمية الأيديولوجية".
نحو موجة راديكالية جديدة؟
إغتيال كيرك لم يُنهِ النقاش، بل فتح الباب أمام تصعيد جديد.
داخل MAGA، إرتفعت أصوات تدعو إلى "التوقف عن التسامح" والإنتقال إلى "مرحلة الراديكالية". البعض وصف ما يجري بأنه بداية حرب أهلية أميركية باردة، قد تتحول إلى ساخنة إذا تكررت حوادث مشابهة.
كتب أحد منظري اليمين: "سقط كيرك، لكن سيقوم مليون مثله. الدماء تحرّك التاريخ أكثر من الكلمات".
خاتمة
إغتيال تشارلي كيرك ليس مجرد حادثة محلية في ولاية يوتا. إنه نقطة تحوّل تكشف أن أميركا لم تعد محصّنة ضد دوامة العنف السياسي التي لطالما رأت نفسها بمنأى عنها.
لقد كان كيرك بالنسبة لأنصاره شهيدًا لقضية "أميركا التقليدية"، وبالنسبة لخصومه رمزًا للكراهية. وبين الموقفين، تتكشف صورة بلد ينزلق أكثر فأكثر إلى صراع داخلي لا ينفصل عن صراعاته الخارجية في فلسطين وأوكرانيا وإيران.
إغتياله إذن هو رسالة أبعد من شخصه: رسالة بأن معركة الأفكار في أميركا لم تعد تُحسم بالكلمات وحدها، بل صارت تُخاض بالرصاص.
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. نهر دجلة.. من فيض إلى عطش
.. لا خطوط حمر لاعتداءاتهم.. مستوطنون يعتدون على صحفيين ومتضامن
.. وزير الرعاية والتنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم: وصول ألفي أ
.. أكسيوس: الديمقراطيون يتحركون لإنهاء الإغلاق الحكومي
.. لمواجهة النقص الحاد.. الجيش الإسرائيلي يتجه لتمديد الخدمة ال