الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الصراع الأوكراني وإنهيار الإستراتيجيات القديمة
زياد الزبيدي
2025 / 9 / 17مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي
17 سبتمبر 2025
المقدّمة: حرب تقلب الموازين
منذ إندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية في فبراير 2022، تحوّل هذا الصراع من كونه مواجهة إقليمية محدودة إلى إختبار شامل لبنية النظام الدولي وإستراتيجياته. في مقاله المنشور في سبتمبر 2025 على موقع المجلس الروسي للشؤون الدولية، يؤكد الباحث الروسي فاسيلي كاشين أن هذه الحرب لم تعد مجرد معركة على الأراضي الأوكرانية، بل صارت مختبراً يعيد صياغة قواعد الإشتباك العالمية ويكشف حدود النماذج الإستراتيجية التقليدية التي إعتمدت عليها واشنطن وحلفاؤها.
يقول كاشين بوضوح: "لقد أدت الحرب في أوكرانيا إلى زعزعة معظم الإستراتيجيات القديمة التي صيغت في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وأظهرت هشاشة الإفتراضات التي بُنيت عليها."
أولاً: حدود الردع الغربي
يشير كاشين إلى أن الغرب كان يراهن على أن العقوبات الإقتصادية الشاملة ستُخضع روسيا، غير أن موسكو إستطاعت التكيّف وتفادي الإنهيار الإقتصادي. ويعلّق الكاتب: "لقد تحولت العقوبات من أداة ردع إلى محفّز لتسريع التحوّلات البنيوية داخل الإقتصاد الروسي، وتعزيز التعاون مع دول خارج الفلك الغربي."
هذا التحليل يكشف أن أحد أركان الإستراتيجية الغربية – وهي فرض الحصار الإقتصادي الشامل – لم ينجح في تحقيق هدفه. بل على العكس، أدى إلى إعادة توجيه روسيا نحو شراكات أعمق مع الصين، والهند، وإيران، ودول الجنوب العالمي.
ثانياً: إخفاقات الحرب بالوكالة
يرى كاشين أن الرهان الغربي على تحويل أوكرانيا إلى رأس حربة عسكرية ضد روسيا قد وصل إلى طريق مسدود. فبعد ثلاث سنوات من الحرب، تتضح محدودية الدعم الغربي: "لقد أظهر الصراع أن فكرة إستخدام أوكرانيا كمنصة مستدامة لإستنزاف روسيا لم تكن سوى وهم إستراتيجي، إذ سرعان ما إصطدم الغرب بحدود قدراته التصنيعية والمالية."
هذا الطرح يكشف تحوّلاً أعمق: فالحروب بالوكالة التي مثّلت ركيزة من ركائز الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط وأفغانستان لم تعد قابلة للتطبيق بالفاعلية نفسها ضد قوة كبرى مثل روسيا.
ثالثاً: النظام الدولي على مفترق طرق
بحسب كاشين، فإن نتائج الحرب تتجاوز أوروبا الشرقية لتطال جوهر النظام الدولي نفسه. إذ يقول: "أثبتت الحرب أن نموذج الأحادية القطبية لم يعد صالحاً، وأن موازين القوة تتوزع الآن بين كتل دولية متنافسة تسعى إلى بلورة نظام متعدد الأقطاب."
من هنا، تتحول أوكرانيا من مجرد ساحة صراع إلى نقطة إنعطاف تاريخية في إعادة تشكيل العلاقات الدولية. روسيا، عبر صمودها، لم تدافع فقط عن مجالها الحيوي، بل دفعت أيضاً باتجاه إنهيار إستراتيجيات الهيمنة الغربية.
رابعاً: الدروس الإستراتيجية للمستقبل
يخلص كاشين إلى أن القوى الكبرى باتت مضطرة إلى إعادة التفكير في أدواتها الإستراتيجية. لم تعد العقوبات، ولا الحروب بالوكالة، ولا الحملات الدعائية كافية لتحقيق النصر. وبدلاً من ذلك، يتطلب الأمر إعادة بناء نماذج جديدة تأخذ في الإعتبار صعود آسيا،
وإنهيار إحتكار الغرب للتكنولوجيا والأسواق، وتحوّل القوة العسكرية إلى جزء من منظومة أشمل للتوازن الدولي.
ويقول في هذا الصدد: "المستقبل لن يُبنى على فرض إرادة قوة واحدة، بل على القدرة على صياغة توازنات معقدة بين قوى متعددة."
الخاتمة: نحو زمن جديد
تحليل فاسيلي كاشين يضعنا أمام حقيقة أساسية: الحرب في أوكرانيا لم تعد مجرد مواجهة عسكرية، بل لحظة فارقة تكشف حدود الماضي وتفتح أبواب المستقبل. فمع كل يوم تستمر فيه المعارك، يتضح أن الإستراتيجيات القديمة تنهار، وأن العالم يقف على أعتاب مرحلة جديدة، عنوانها تعددية الأقطاب وتفكك الهيمنة الغربية.
*****
هوامش
فاسيلي كاشين – مدير مركز الدراسات الأوروبية والدولية الشاملة في المدرسة العليا للإقتصاد التابعة للجامعة الوطنية للأبحاث في موسكو، وخبير بارز في الشؤون الجيوسياسية والتحولات الإستراتيجية للنظام الدولي. نُشر مقاله موضوع هذه الدراسة بعنوان «الصراع الأوكراني وإنهيار الإستراتيجيات القديمة» في سبتمبر/أيلول 2025 على موقع المجلس الروسي للشؤون الدولية.
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. خطوة غير مسبوقة..بريطانيا تعيد رسم مسار اللجوء بالكامل
.. كردفان تشتعل.. معارك جديدة بين الجيش السوداني والدعم السريع
.. هل الولايات المتحدة جادة في تنفيذ عملية عسكرية ضد فنزويلا؟
.. نتنياهو: معارضتنا لدولة فلسطينية في أي منطقة غرب الأردن لا ت
.. من -الحديقة الخلفية- إلى قارة السلام.. هل تتجه أمريكا الجنوب