الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
ألكسندر دوغين - الثورات الملوّنة وتطويق الهند: لعبة جيوسياسية غامضة
زياد الزبيدي
2025 / 9 / 18مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي
18 سبتمبر 2025
تُعَدّ الثورات الملوّنة واحدة من أبرز أدوات الضغط الجيوسياسي في العقود الأخيرة، إذ إرتبط اسمها بجورج سوروس من جهة، وبالوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) من جهة أخرى، بوصفها مصدرًا رئيسيًا للتمويل. غير أن المشهد الراهن يثير تساؤلات أعمق: من يقف اليوم وراء محاولات تطويق الهند؟ فالهند تسعى لتأكيد هويتها كدولة-حضارة مستقلة، وتعمل على ترسيخ التعددية القطبية في النظام الدولي، لكنها في المقابل تواجه ضغوطًا متزايدة من أنظمة راديكالية معادية لها في محيطها الإقليمي، بدءًا من بنغلادش وسريلانكا مرورًا بميانمار، وصولًا إلى نيبال التي دخلت مؤخرًا في دائرة التوظيف السياسي ضد دلهي. هذا الموضوع بحثه بعمق الفيلسوف والمفكر الروسي ألكسندر دوغين في مقال نشره على منصة Substack بالإنجليزية في 10 أيلول/سبتمبر الجاري.
الإستراتيجية الخفية وراء التطويق
من الواضح أن هذه التحركات لا تأتي بمعزل عن حسابات القوى الكبرى. فالصين، رغم صراعها مع الهند في بعض الملفات، ليست معنية بتفجير ثورات ملوّنة في جوارها القريب، إذ أن عدم الإستقرار يضر بمصالحها الإقتصادية والإستراتيجية. أما روسيا، فغارقة في حربها الأوكرانية ولا تملك القدرة – ولا المصلحة المباشرة – لإدارة مثل هذه المشاريع. يبقى إذن الغرب هو الطرف الأكثر ترجيحًا. لكن السؤال: أي غرب؟ هل هو غرب ترامب الشعبوي، أم بقايا المؤسسة الليبرالية العالمية التي هيمنت لعقود؟
تراجع سوروس وغياب USAID… فمن البديل؟
اللافت أن الأدوات التقليدية لهذه الثورات – سوروس، وUSAID – لم تعد فاعلة كما في السابق. سوروس يواجه هجومًا داخليًا من تيار ترامب، ووكالة التنمية الدولية جرى تقليص دورها بشكل كبير. ومع ذلك، نرى أنماطًا متكررة من الحراك: دعمٌ للسلطات بسياسات متخبطة من جهة، وإشعالٌ لغضب الشارع من جهة أخرى. ما حدث في نيبال مؤخرًا نموذج واضح: فبينما تُدعَم الحكومة رسميًا، يجري في الوقت ذاته تحريك الشباب نحو التمرد عليها.
النمط يتكرر عالميًا
هذا الأسلوب لا يقتصر على جنوب آسيا. فقد شهدناه في فرنسا وإنجلترا وألمانيا، حيث تُدفَع النخب الليبرالية لاتخاذ قرارات غير شعبية، ثم يُحرَّض الشارع ضدها. المشهد يُذكِّر بثورة أوكرانيا عام 2014، لكن مع فارق أساسي: في ذلك الوقت كان المشهد أوضح، حيث إجتمعت القوى الليبرالية العالمية تحت مظلة واحدة – من سوروس إلى الـCIA والـMI6 – في مواجهة روسيا. أما اليوم، فالصورة أكثر تشابكًا وضبابية.
صعود قوى جديدة ومشهد أكثر تعقيدًا
دخول ترامب إلى المشهد بإعتباره "جوكرًا" في النظام السياسي الأميركي خلط الأوراق. إلى جانبه، ظهرت حركات مثل "MAGA"، إضافة إلى نفوذ إيلون ماسك ومنصته "X" بوصفها مساحة مضادة للتيار الليبرالي التقليدي. ومع ذلك، لا يبدو أن هذه القوى الجديدة تسيطر بالكامل على القرار الأميركي أو الغربي عمومًا. وهذا ما يفتح الباب أمام فرضية أعمق: أن القوى الظاهرة – من حكومات ونخب – ليست سوى أدوات في لعبة أكبر تُدار خلف الكواليس.
لعبة أكبر من النخب
المشهد الراهن يوحي بأن النخب السياسية والإقتصادية نفسها باتت رهينة لمخططات غامضة، تُدفع لإتخاذ قرارات غير مفهومة ثم تُترك لتتحمل الغضب الشعبي. وإذا كانت النخب مجرد أدوات عمياء، فماذا نقول عن الشعوب التي تتعرض يوميًا لعمليات تضليل ودعاية منظمة؟
خاتمة
الهند، التي تحاول أن تكرّس نفسها كدولة-حضارة وتدفع باتجاه التعددية القطبية، تجد نفسها مطوَّقة بأنظمة معادية في محيطها، وبقوى أكبر غير مرئية تدير اللعبة. والسؤال الذي يبقى مفتوحًا: من يقف وراء هذه الإستراتيجية الغامضة؟ هل هو بقايا النظام الليبرالي العالمي القديم؟ أم قوى جديدة غير معلنة تسعى لإعادة تشكيل النظام الدولي بطرق لا يدركها الفاعلون التقليديون بعد؟
*****
هوامش
هوامش تحليلية عن الثورات الملوّنة في آسيا المجاورة للهند
1. نيبال: شهدت البلاد منذ 2006 موجة من التحولات السياسية عقب الثورة الشعبية ضد الملكية. ورغم أنها لم تُصنّف رسميًا كثورة ملوّنة، إلا أن بصمات المنظمات الغربية ظهرت في تمويل منظمات المجتمع المدني وتحريك الشارع.
2. سريلانكا: في 2022 إندلعت إحتجاجات ضخمة أطاحت بالرئيس غوتابايا راجاباكسا، وقد تبيّن لاحقًا أن العديد من المنظمات المدعومة من الغرب كانت نشطة في التحريض والتعبئة، ما دفع باحثين لإعتبارها أقرب إلى "ثورة ملوّنة فاشلة".
3. ميانمار: الإنقلاب العسكري عام 2021 وما تلاه من إحتجاجات مدعومة دوليًا، أبرز مثال على محاولة الغرب إستغلال الإنقسامات الداخلية لإعادة توجيه البلاد إستراتيجيًا.
4. في بنغلادش مثلاً، لم يكن سقوط حكومة الشيخة حسينة مجرّد تبديل للنخب الحاكمة، بل أقرب إلى نسخة جديدة من الثورات الملوّنة. فالمشهد إتسم بتدخل منظمات غير حكومية مدعومة غربياً، وبروز شخصية محمد يونس – الحائز على جائزة نوبل – كرمز "منقذ" لتولّي رئاسة الحكومة الإنتقالية في أغسطس 2025. وبينما يصفه أنصاره بأنه إنتصار شعبي على الفساد والإستبداد، ترى قوى إقليمية عديدة أن ما جرى يندرج ضمن إستراتيجية محاصرة الهند عبر تطويقها بأنظمة سياسية راديكالية أو غير مستقرة، على نحو يخدم موازين القوى الغربية أكثر مما يخدم مصالح شعوب المنطقة.
5.باكستان: ولا يمكن إغفال المشهد الباكستاني، حيث أُزيح عمران خان عام 2022 عبر تصويت برلماني أثار جدلاً واسعاً حول ضلوع قوى خارجية فيه. فقد مثّل خان توجهاً أكثر إستقلالية في السياسة الخارجية، خاصة تجاه واشنطن، وهو ما جعله هدفاً لإعادة ترتيب داخلي أعاد باكستان إلى مسار أكثر توافقاً مع المصالح الغربية. وهكذا تتضح ملامح إستراتيجية تطويق الهند عبر تطويع بيئتها الإقليمية، من بنغلادش شرقاً إلى باكستان غرباً.
الخلاصة
يبدو أن جنوب آسيا تحوّل تدريجيًا إلى ساحة إختبار جديدة لسيناريوهات الثورات الملوّنة، الأمر الذي يضع الهند في قلب المواجهة الجيوسياسية المقبلة.
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الرئيس الألماني يطلب من الرئيس الجزائري العفو عن الكاتب بوعل
.. برلماني لبناني يفتح النار على حزب الله: سلاحه تسبب بالخرب |
.. ترمب: الشرع قادر على إنجاح سوريا
.. الاحتلال الإسرائيلي يسلم جثامين 15 شهيدا مقابل جثة الإسرائيل
.. طفل يفقد النطق والبصر بعد إصابته بشظايا صاروخ إسرائيلي في غ