الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
طوفان الأقصى 715 - الفاشية التكنولوجية الإسرائيلية في القرن الحادي والعشرين
زياد الزبيدي
2025 / 9 / 20مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي
21 سبتمبر 2025
في مقال يتسم بأهمية بالغة يطرح الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الروسي فلاديمير ماليشيف (مؤسسة الثقافة الإستراتيجية، 14/9/2025) سؤالاً صادماً: هل تحوّلت إسرائيل إلى مُصدّر عالمي لفاشية جديدة ترتدي ثوب التكنولوجيا؟ فبحسب تحقيق نشره الموقع الأمريكي Grayzone، فإن "الشركات الإسرائيلية المنتجة لبرمجيات التجسّس تمثل الشكل الأحدث للفاشية في القرن الحادي والعشرين، إذ تُستخدم أدواتها في مراقبة المواطنين داخل ما يُسمّى بالديمقراطيات الغربية".
بهذا المعنى، لم تعد الفاشية سجوناً ومعسكرات فقط، بل أصبحت كاميرات خفية، وبرمجيات إختراق، وخوارزميات ذكاء إصطناعي تعمل على إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع عبر تحويل الأفراد إلى أهداف مراقَبة على مدار الساعة.
أولاً: فلسطين كمختبر أولي للفاشية الرقمية
يشير ماليشيف إلى أن "المهندسين الذين صمّموا هذه البرمجيات تدربوا أساساً في بيئة السيطرة على الفلسطينيين، من خلال إبتكار أدوات لضمان التفوّق الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري" (ماليـشيف، 2025).
فالتقنيات التي أختُبرت على الفلسطينيين – مثل التعرف على الوجه والتجسس على الهواتف – إنتقلت لتُباع لاحقاً كـ"حلول أمنية" لأجهزة الشرطة والإستخبارات في أوروبا وأمريكا. وهذا يكشف البنية الإستعمارية الكامنة وراء هذه الصناعة: ما يبدأ كقمع إستعماري يُعاد تدويره كخدمة عالمية.
ثانياً: الشركات الإسرائيلية بين الشرعية واللاشرعية
1. NSO Group وفضيحة بيغاسوس
تُعد NSO Group الأكثر شهرة، حيث طوّرت برنامج Pegasus القادر على إختراق الهواتف دون علم المستخدم. وقد أستُخدم – كما يوضح ماليشيف – "من قبل حكومات للتجسس على معارضين وصحفيين، وربما أستُخدم من قبل عملاء السعودية لملاحقة الصحفي جمال خاشقجي قبل إغتياله" (ماليـشيف، 2025).
ورغم فضائحها وعقوبة مالية قدرها 167 مليون دولار، إكتفت واشنطن بإدراجها في القائمة السوداء عام 2021، دون أن تمسّ إسرائيل كدولة راعية.
2. Can-dir-u وIntellexa وParagon
Can-dir-u: باعت برمجيات للتجسس على صحفيين وحقوقيين ودبلوماسيين.
Intellexa: أسسها تالي دليان، ضابط سابق خدم 24 عاماً في الجيش الإسرائيلي، وإستعراض أمام مجلة Forbes قدرات إختراقه المذهلة.
Paragon Solutions: مدعومة من رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك، تورطت في إختراق تطبيقات مثل WhatsApp وSignal.
3. Cellebrite: شريك رسمي للأمن الغربي
يصف ماليشيف شركة Cellebrite بأنها "رائدة التعاون المفتوح مع أجهزة الأمن الغربية، حيث وقّعت عقوداً بملايين الدولارات مع وزارة الأمن الداخلي الأمريكية (ICE) والشرطة البريطانية" (ماليـشيف، 2025).
الأخطر أن الشركة نفسها إعترفت أن أدواتها "لعبت دوراً مهماً في العمليات الإسرائيلية لإختراق هواتف الفلسطينيين بعد 7 أكتوبر 2023"، ما يعني أن منتجاتها تُستخدم في إطار ما يسميه الكاتب "الإبادة في غزة".
4. شركات أخرى
Cobwebs Technologies: طورت خدمات قائمة على الذكاء الإصطناعي والجغرافيا الإفتراضية (Geo-fencing).
Cognyte/Verint: مختصة بتحليل بيانات شبكات الإتصالات وإعتراضها.
Corsight AI وBriefcam: أنظمة للتعرف على الوجوه اختُبرت أولاً على الفلسطينيين قبل تسويقها للشرطة البريطانية والأمريكية.
Black Cube: شركة تجسس ذات سمعة سيئة، وظّفها هارفي واينستين للتجسس على ضحاياه.
ثالثاً: التواطؤ الغربي – ديمقراطيات على خطى الفاشية
رغم الأدلة المتكررة على الإنتهاكات، "تتجنب الولايات المتحدة وأوروبا أي مساءلة مباشرة لإسرائيل"، كما يذكر ماليشيف، إذ تقتصر العقوبات على بعض الشركات دون المساس بالحكومة المانحة لتراخيص التصدير (ماليـشيف، 2025).
هذا الصمت يشي بأمرين:
1. أن الغرب نفسه مستفيد من هذه الأدوات لقمع المعارضة ومراقبة المهاجرين.
2. أن إسرائيل تُعامل كشريك إستراتيجي محصّن من أي عقاب.
رابعاً: الفاشية الرقمية مقارنة بالتاريخية
•الفاشية الكلاسيكية إرتبطت بالعنف المباشر: السجون، المحاكم الإستثنائية، معسكرات الإعتقال.
•الفاشية التكنولوجية اليوم أخطر لأنها:
-غير مرئية: المواطن لا يدري متى يُراقَب.
-مؤسسية: تُشرعن عبر عقود حكومية وبيروقراطية قانونية.
-عابرة للحدود: من تل أبيب إلى واشنطن، ومن غزة إلى لندن.
كما يكتب ماليشيف: "الشركات الإسرائيلية للتجسس تمثل أخطر تهديد للحريات المدنية في العالم المعاصر، لأنها تمزج بين التقنيات الجديدة وأساليب السيطرة القديمة تحت شعار الأمن" (ماليـشيف، 2025).
الخاتمة
تؤكد هذه الدراسة أن إسرائيل لم تعد مجرد دولة إستعمارية ضد الفلسطينيين، بل تحوّلت إلى "مختبر عالمي للفاشية التكنولوجية". أدواتها تُباع في أسواق الغرب، وتُستخدم ضد الصحفيين والنشطاء والمجتمعات بأكملها.
وإذا كان القرن العشرون قد شهد الفاشية التقليدية التي حكمت بالحديد والنار، فإن القرن الحادي والعشرين يشهد فاشية أكثر نعومة لكنها أشد إختراقًا: فاشية الخوارزميات والإختراقات الرقمية.
إن الخطر الأكبر لا يكمن في إسرائيل وحدها، بل في تواطؤ الغرب معها، حيث يتم تصدير "النموذج الإسرائيلي" ليصبح أداة عابرة للحدود تشرعن القمع وتطبع المراقبة الشاملة بإسم "الأمن القومي".
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. قطر.. هل تؤدي قضية تجسس مزعومة إلى انهيار دور الوسيط؟ | في ع
.. أميركا تختبر بنجاح قنبلة B61-12 النووية.. ومعارضة داخل البنت
.. فليتشر: الدعم الدولي للسودان أقل بكثير من المطلوب
.. ترمب: سنجري اختبارات نووية كغيرنا من الدول
.. توم فليتشر للجزيرة: يجب توفير تغطية إعلامية للمعاناة في السو