الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طوفان الأقصى 717- الميثاق السعودي–الباكستاني وتحوّلات ميزان القوى: قراءة في هندسة الشرق الأوسط الجديد

زياد الزبيدي

2025 / 9 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي

23 سبتمبر 2025

حدث يتجاوز لحظته

حين وقّع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف في الرياض يوم 17 سبتمبر 2025 "الميثاق الإستراتيجي للدفاع المشترك"، بدا واضحًا أن المنطقة دخلت طورًا جديدًا من توازنات القوة. فالإتفاق لم يكن مجرد بيان بروتوكولي عن تعزيز التعاون العسكري، بل وثيقة صريحة تنص على أن "أي إعتداء على إحدى الدولتين سيُعتبر إعتداءً على كلتيهما".

كما كتبت الباحثة الروسية د. يلينا بانينا في صحيفة "أخبار سانت بطرسبورغ"، فإن الإتفاق "ليس رد فعل تكتيكي على ضربة إسرائيل ضد قطر بقدر ما هو محاولة لإعادة هندسة الخريطة الجيوسياسية للعالم". بمعنى آخر، الميثاق يحمل دلالات تتجاوز الخليج أو جنوب آسيا، ليتحول إلى لبنة في إعادة تشكيل النظام الدولي.

الفصل الأول: خلفيات الميثاق – من كابول إلى الدوحة

العلاقات بين السعودية وباكستان ليست وليدة اللحظة. فمنذ سبعينيات القرن العشرين، ساعدت الرياض في تمويل البرامج العسكرية الباكستانية، فيما كانت إسلام آباد ترد الجميل بإرسال آلاف العسكريين لحماية المملكة. خلال الثمانينيات بلغ عدد الجنود الباكستانيين المتمركزين في أراضي السعودية أكثر من 20 ألفًا، بعضهم ضمن تشكيلات قتالية في تبوك والمنطقة الشرقية.

غير أن التحول الأخير جاء على خلفية ضربة إسرائيل لقطر في سبتمبر 2025، والتي أعتُبرت في الرياض تهديدًا مباشرًا لمعادلات الأمن الإقليمي. يقول الصحفي الروسي ألكسندر غاسيوك في صحيفة روسيسكايا غازيتا إن المملكة "وجدت نفسها مضطرة للبحث عن ضمانات ردع جديدة بعدما أظهرت واشنطن في عهد ترامب مواقف متذبذبة تميل إلى تل أبيب".

الفصل الثاني: مضمون الإتفاق – من الدفاع التقليدي إلى "المظلّة النووية"

الميثاق لم يشر علنًا إلى السلاح النووي، لكن مسؤولًا سعوديًا رفيعًا قال لوسائل الإعلام إن الإتفاق "يشمل كل الوسائل العسكرية دون استثناء". وهنا مربط الفرس: إذ تمتلك باكستان نحو 180 رأسًا نوويًا وصواريخ يصل مداها إلى 2750 كم (شاهد–III)، وهو ما يعني أن إسرائيل وإيران والهند تقع جميعها ضمن نطاق الردع.

والمحلل السياسي الروسي ديمتري مينين يؤكد أن نصوص الميثاق "أكثر صرامة من المادة الخامسة في حلف الناتو"، لأنها تلزم الطرفين بالتدخل المباشر لصالح الآخر دون إشتراط مشاورات مسبقة.

بهذا، حصلت السعودية للمرة الأولى على ما يشبه "المظلّة النووية الإسلامية"، وهو تحوّل قد لا يقتصر عليها وحدها بل قد يمتد لاحقًا إلى دول عربية أخرى.

الفصل الثالث: البعد الإقليمي – إيران، الهند، وكشمير

بالنسبة لإيران، يُنظر إلى الإتفاق بعين الريبة. فالسعودية التي لطالما إعتمدت على المظلة الأمريكية، باتت اليوم تمتلك رادعًا نوويًا محتملًا عبر باكستان. لكن المفارقة أن بعض المؤشرات تذهب بإتجاه تهدئة محتملة: إذ يرى مينين أن "إيران، التي لم تستكمل بعد برنامجها النووي العسكري، قد تجد نفسها مضطرة للتكيف مع معادلة جديدة بدلاً من التصعيد".

أما الهند، فقد بدت الأكثر قلقًا. فالهند وباكستان تخوضان صراعًا مستمرًا حول كشمير. ومع الميثاق الجديد، يخشى الهنود من إحتمال تورط السعودية في أي مواجهة مستقبلية. ومع ذلك، أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية راندير جايسوال أن بلاده "تتابع بحذر، من دون تهويل، لأن التوازنات قد تفضي إلى تحويل جزء من الترسانة الباكستانية بعيدًا عن الجبهة الشرقية".

الفصل الرابع: إسرائيل وخريطة الشرق الأوسط الجديد

هنا نصل إلى بيت القصيد. فإسرائيل، التي بنت عقيدتها الأمنية منذ حرب 1973 على التفوق النووي و"غموض الردع"، تجد نفسها لأول مرة أمام تحالف عربي–إسلامي يمتلك أسلحة نووية فعلية ومعلنة.

كما كتبت بانينا، فإن "الضربة الإسرائيلية المتهورة ضد قطر فجّرت دينامية لم تكن في الحسبان: بدلاً من ردع إيران، حصلت تل أبيب على خصم نووي جاهز".

الأمر لا يتوقف عند باكستان والسعودية. فالميثاق قد يشجع دولًا عربية أخرى على الإنخراط في ترتيبات أمنية جماعية، مما يقوّض إستراتيجية إسرائيل في تفتيت المنطقة. بل إن قيمة "سلاح يوم القيامة" الذي تحتفظ به إسرائيل سرًا تراجعت فجأة: فمجرد التلويح النووي لم يعد ورقة مضمونة.

صحيفة وول ستريت جورنال ذكرت أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب صبّ غضبه على نتنياهو بعد قصف قطر، معتبرًا أنه "أطلق العنان لزلزال إستراتيجي قلّص من قيمة الخدمات الأمنية الأمريكية في الخليج".

بعبارة أخرى، يمكن القول إن الميثاق السعودي–الباكستاني أطلق بداية تفكيك "الشرق الأوسط الإسرائيلي" وبروز معالم شرق أوسط جديد، تلعب فيه القوى الإسلامية الكبرى (السعودية، باكستان، وربما تركيا وإيران لاحقًا) دورًا موازنًا لتفرد تل أبيب.

الفصل الخامس: البعد الدولي – واشنطن، بكين، موسكو

•أول الخاسرين من الميثاق هي الولايات المتحدة. فلطالما رأت نفسها الضامن الأساسي لأمن الخليج. لكن رفضها مؤخرًا تمرير "إتفاقية دفاع مشترك" مع السعودية، ووقوفها وحيدة تقريبًا إلى جانب إسرائيل في الأمم المتحدة ضد وقف إطلاق النار في غزة (18 سبتمبر 2025)، جعلا العرب يبحثون عن بدائل.

•الصين بدورها تراقب بإهتمام. فمن خلال "الحزام والطريق"، يشكل التحالف السعودي–الباكستاني دعامة لإستقرار الممرات البحرية والبرية التي تربط شرق آسيا بالشرق الأوسط. أما روسيا، فتجد في الأمر فرصة لتوسيع حضورها عبر بيع السلاح وتوسيع التعاون النووي المدني.

الفصل السادس: المقارنات التاريخية

يشبّه بعض الباحثين هذا الميثاق بلحظة تأسيس الناتو العربي، شبيهًا بإنشاء حلف بغداد في الخمسينيات، لكن مع فارق جوهري: هذه المرة يمتلك أحد الأعضاء (باكستان) السلاح النووي.

كما يذكّر آخرون بإتفاقيات الأمن بين الولايات المتحدة واليابان أو كوريا الجنوبية، حيث منح "الضامن النووي" مظلة ردع لحلفائه. غير أن الفارق أن الميثاق السعودي–الباكستاني نشأ بعيدًا عن الإرادة الأمريكية، بل في بعض جوانبه ضدها.

الفصل السابع: ردود الفعل الداخلية في السعودية وباكستان

في السعودية، أستُقبل الميثاق بإعتباره "قفزة نحو الإستقلال الإستراتيجي". الصحف المحلية نشرت تصريحات الشيخ طاهر محمود أشرفي رئيس مجلس علماء باكستان: "اليوم أصبحت حدود السعودية وباكستان واحدة... من يعتدي على الأولى كأنه اعتدى على الثانية".

أما في باكستان، فقد ركزت التعليقات على الفوائد الإقتصادية: إذ يرى محللون أن السعودية ستضخ مليارات الدولارات لدعم الإقتصاد الباكستاني مقابل توفير "المظلّة النووية".


الخاتمة: شرق أوسط على مفترق طرق

الميثاق السعودي–الباكستاني ليس مجرد وثيقة عسكرية، بل بداية لإعادة توزيع السلطة على خريطة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. فهو يقلّص من إنفراد إسرائيل بالردع النووي، يربك الإستراتيجية الأمريكية في الخليج، ويمنح باكستان عمقًا عربيًا إستراتيجيًا.

وكما كتب ديمتري مينين: *"هذا الحدث قد يبدو تفصيلاً عابرًا أمام كبرى الكوارث في المنطقة، لكنه في الواقع يزيح جبلًا جيوسياسيًا من مكانه"*.

السنوات المقبلة ستحدد ما إذا كان هذا الميثاق مجرد تحالف ثنائي، أم نواة لتحالف أوسع يعيد صياغة الشرق الأوسط بعيدًا عن المظلة الأمريكية والإسرائيلية.
*****

الهوامش التوثيقية

1. يلينا بانينا
سياسية روسية، عضو البرلمان الإتحادي
ومديرة معهد الدراسات الاستراتيجية في السياسة والاقتصاد
«ميثاق السعودية وباكستان: ما الذي يتغير في هندسة العالم؟» – صحيفة أخبار سانت بطرسبورغ، 18 سبتمبر 2025.
2. ألكسندر غاسيوك
كاتب ومراسلي صحفي روسي
«الاتفاق الدفاعي بين باكستان والسعودية يثير قلق الهند» – صحيفة روسيسكايا غازيتا، 18 سبتمبر 2025.
3. ديمتري مينين
كاتب صحفي ومحلل سياسي روسي
«الميثاق الدفاعي الاستراتيجي بين السعودية وباكستان يغيّر الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط» – مؤسسة الثقافة الاستراتيجية، 20 سبتمبر 2025.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خليل الحية يستحضر هجوم 7 أكتوبر مجددا.. ما الرسائل في هذا ال


.. الهلال الأحمر الفلسطيني: إصابة صحفيين ومتضامنين أجانب في اعت




.. مسؤول أممي: حجم النفايات في غزة هائل


.. مراسل الجزيرة: فريق من الصليب الأحمر وعناصر من القسام يجرون




.. بايدن لترمب: أنت تعمل لدينا