الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاقتصاد والتنمية والديموقراطية الانتخابية في العراق

عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث

(Imad A.salim)

2025 / 9 / 25
الادارة و الاقتصاد


"الديموقراطيةُ العراقيّة" بنسختها "الانتِخابيّة" لا تسمَح(ولن تسمَح) بتحلُّل وتفكُّك وتفسُّخ النظام السياسي والاقتصادي"القديم" ليَحِلّ محلّه نظام سياسي واقتصادي"جديد".
"الديموقراطيّة العراقية" بنسختها الانتخابيّة هي جزءٌ رئيس من "منظومات" ما يسمى بـ "النسَق السياسي المُغلَق" التي تسمَح ببقاء "النظام القديم" لأطولِ مُدّةٍ ممكنة، من خلال "إعاقة" صعود قوى جديدة قادِرة على"الإزاحة" اللازمة(الضروريّة والكافية) لبناءِ "نظامٍ جديد".
ومن أهم "مُخرجات" هذا النسَق السياسي المُغلَق هو"تفريخ" حكومات متعاقِبة لاتتكامَل أو تتّسِق مع بعضها البعض(منهجيّاً وإجرائيّاً وفكراً ورؤية)، مع أنّها نتاجٌ لـ "النسَقِ السياسيّ" ذاته.. وبالتالي فإنّ هذه الحكومات غير قادرة على انجاز"عملية" للتنمية قائمة على الشمول والاستدامِة، ولا على بناء مصالح "وطنيّة- سياديّة –عُليا" عابِرة للإثنيات، و نابِذة لـ "التَخادُمات"، ومُستَقِلّة عن المصالح الضيّقة للتحالفات و"المُكوِّنات".
وهناكَ مُفارقة أخرى تبعثُ على الأسى، وتتعلّق بـ "مصير" عمليّة التنمية، وعلاقة هذه "العمليّة" بنتائج الانتخابات في العراق.
فـ "عملية التنمية" تكونُ في العادة طويلة وصعبة وتدرُّجِيّة وتراكميّة(طويلة الأجل وباهظة التكاليف على أكثر من صعيد)، وبالتالي فهي"عملية" لا يمكن الإيفاء بمتطلبّاتها واشتراطاتها من خلال "الاستعراضات"، ولا تمويل برامجها ومشاريعها (قصيرة الأجل) من خلال "مكرمات" الحكومات و"اتاوات" المافيات.
الانتخابات في العراق تتمّ كل أربع سنوات، ومع كلّ "دورة نيابيّة" جديدة يأتي رئيس مجلس وزراء جديد، بـ "طاقم" وزاري جديد.. ورئيس مجلس الوزراء هذا ليس شرطاً أن يكون من "الفائزين" في الانتخابات، بل قد يتمُّ "التوافقُ" عليه "سياسيّاً" حتّى لو فازَ بمقعد واحد أو مقعدين "نِيابيّين"، بل وحتّى لو لم يفز بأيّ مقعد برلماني، بل وحتّى لو كانَ من"الخاسرين". وعندما يتمّ اختيار"رئيس مجلس وزراء" من قبل "كُتل" نيابيّة "فائزة" في الانتخابات، فإنّهُ لن يكونَ قادِراً(لا هو، ولا الوزراء الذين يتمُّ اختيارهم له) على كَسرِ"الحلقة المُفرَغة" للفوضى الشامِلة والفساد مُتعدّد الأبعاد، ولا العمل على وفق نمط إدارة كفوء للموارد، ولا على تطبيق سياسات تسمح بانضباط المالية العامة(من خلال ضبط الانفاق العام).
أمّا الوزراء الذين يرأس"دولة الرئيس" مجلسهم (وبالذات أولئكَ المعنيّونَ منهم بالشأن الاقتصادي)، فهم لا يعرفونَ أصلاً (مهنيّاً ومعرفيّاً) ما هو الاقتصاد، ولم يسبق لهم العمل في الوزارات التي تمّ تكليفهم بـ "استيزارِها"(لأنّهُم مُجرّد "حُصَص" للكُتَل السياسيّة التي قامت بترشيحهم لرئيس مجلس الوزراء)، وبالتالي فهم لا يعرفونَ ما الذي فعلهُ "أسلافهم" بالضبط، ولا من أين ابتدأوا وإلى أينَ انتَهوا.. وهكذا، وسَيراً على هُدى الآيةِ الكريمة "كُلَّمَا دَخَلَت أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُختَهَا".. بوسعكَ أن تقرأَ على"الاستِدامةِ" السلام.
واذا أردتم أمثلةً على أنّ لا شيء من سياسات ومشاريع خطط واستراتيجيّات الاصلاح والتنمية في العراق ستكونُ قابلة للتنفيذ والاستكمال والتراكُم والاستدامة( بفعل نمط ادارة "النسق السياسي المغلق" للشأن الاقتصادي(وبغضّ النظر عن تقييم المختصّين لواقعية ومدى جدوى هذه "المشاريع" والسياسات والخُطط والاستراتيجيّات على المدى البعيد)، فإنّ بوسعنا ذِكر "وقائع" من "التاريخ الاقتصادي" القريب، والقريب جدّاً في العراق، للاستدلالِ على هذه الحقيقةِ المُرّة، وكما يأتي:
- لم يتمكّن السيد نوري المالكي(حتّى وهو رئيس لمجلس الوزراء لدورتين متتاليتين) من تمرير"قانون البنى التحتية" في مجلس النواب(وهو القانون الذي كان المالكي يعتقِد أنّهُ "لو شُرِّع لحقّقَ للعراق طفرة اقتصادية وتجارية" هائلة").. وعندما لم يتمّ تكليف السيد المالكي بولاية ثالثة(رغم فوزه في الانتخابات) تم "تغييب" هذا القانون تماماً.
- بعد السيد المالكي لم يتمكّن السيّدان حيدر العبادي وعادل عبد المهدي من تنفيذ الأهداف الرئيسة لخطة التنمية الوطنية 2018-2022(مع أنّ الأوّل كان قد "أقرّ" هذه الخطة في مجلس الوزراء، بينما اعتمدها الثاني كمصدر رئيس لـ "برنامجه الحكومي").. وبعدهما تم ركن هذه الخطة على الرفّ.
- لم يتمكّن السيد رئيس مجلس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، و وزير المالية السابق علي عبد الأمير علاّوي من تطبيق الخطوط الرئيسة لـ "وثيقة التنمية والإصلاح الاقتصادي" المُسمّاة بـ "الورقة البيضاء"على أرض الواقع. وبـعد "رحيلهما" عن "سدّة الحُكم" تحولّت هذه "الورقة" إلى"شتيمة" مُقذِعة. والقرار الوحيد (الذي كان صحيحاً في حينه، على الأقل من حيث مبرّراته المنطقية، وهو تخفيض قيمة الدينار مقابل الدولار) تمّ الغاؤه بـ "خِفَّة شعبويّة" استعراضيّة، غير مدروسة، بمجرّد تكليف السيد السوداني برئاسة مجلس الوزراء.
- عندما استلم السيّد السوداني رئاسة مجلس الوزراء، قامَ بتحويل "البرنامج الحكومي" الخاص به إلى "خطّة للتنمية"، وتجاهلَ تماماً خُطة التنمية الوطنية 2024-2028، وكرّسَ موارد وتخصيصات الموازنة العامة للدولة لخدمة "مشروعات" هذا "البرنامج الحكومي"، وقام بإعداد "موازنة عامّة ثلاثيّة" تتضمّن "انفاقاً عامّاً" هائلاً، (ومع ذلك حظيت هذه "الموازنة الثلاثيّة" بموافقة مجلس النواب، مع أنّ وجود "موازنة عامّة ثلاثيّة" هو أمرٌ غير مسبوق في التاريخ المالي للعراق).
هل تعلَمون ما هو "النَهج الاقتصادي" الوحيد الذي سارت حكومة السيد السوداني فيه على خُطى" حكومة السيد الكاظمي، دونَ أن "يَرِفَّ لها جِفن"؟
كانَ ذلك هو"إخضاع" السياسة النقدية لمتطلبات السياسة المالية "التوسعيّة" من خلال القبول بمستويات غير مسبوقة للدين الداخلي"العام"!!
ومع أنّ "استدامة عملية التنمية"(على وفق اشتراطات النَسق السياسي المُغلَق في العراق) تكاد تكون مستحيلة، فإنّ السيّد السوداني(ولم يتبَقّ لهُ سوى أشهر قليلة في رئاسة مجلس الوزراء) قد وجّهَ في نهاية آب 2025 بأن تقوم "اللجنة الوطنيّة العليا للاستراتيجيات في العراق" بالمباشرة في استكمال تنفيذ متطلبات "الرؤية الوطنية الشاملة طويلة الأمد"، تحتَ شِعار: (العراق 2050 – نحو التنميّة والمستقبل)، والتي يُفتَرَض بها أن"تُمهِّد لتحوّل استراتيجي في منظومة الدولة العراقية على مختلف الصعد التنموية والاقتصادية والإدارية والتقانة الرقمية والذكاء الاصطناعي"!!
وقد يختلف العراقيّون على مدى أهمية أو عدم أهميّة "مُنجزات" كهذه، ولكن..
لو تمّ تكليف بديل عن السيّد السوداني برئاسة مجلس الوزراء بعد الانتخابات القادمة، فسوفَ تتحوَّلُ "المُجسَّرات" إلى"نُكتة" عراقيّة لاحِقة(كما هي عادة العراقيّين في "عَدَم الرِضا" عن أيّ شيء، وأحياناً عن كُلّ شيء).. كما لن يجد مشروع "طريق التنمية" الطموح شخصاً(أو مركبةً أو قِطاراً) تسيرُ في "شوارعهِ" العريضةِ والطويلةِ، أو بمحاذاتها، على امتداد المسافةِ بين "الفاو" و "فايدة".. وكُلُّ ذلك قد يحدثُ(هكذا.. وبُكلّ بساطة) لأنّ"الدولة" في العراق ليست دولة"مؤسّسات" يحتَرِمُ فيها "الخَلَفُ" جهودَ "السَلَف"، ويستكمِلُ"الإعمارَ" والبناء.
أمّا عن "الرؤية الوطنية الشاملة طويلة الأمد"(العراق 2050).. فنحنُ الآنَ يا دولة الرئيس نعيشُ معكَ في أواخر عام 2025 على وَقعِ أزمات اقتصاديّة- ماليّة مريرة غير قابلة للحلّ على المدى القصير.. و في عام 2050، فإنّنا "كُلّنا سنكونُ موتى في الأجل الطويل"(كما قال استاذنا الاقتصادي العظيم "جون مينارد كينز" قبل مائةِ عامٍ من الآن)..
ونتمنى ألاّ يكونَ العراقُ "ميِّتاً" مثلنا.. في ذلكَ الأجلِ الطويل.

(لمن يرغَب بمزيدٍ من التفاصيل، يمكِن له قراءة المقال الرئيس، وهو بعنوان "الاقتصاد والتنمية والديموقراطية والنسَق السياسي المُغلَق في العراق"، المنشور في موقع الحوار المتمدّن- العدد 8475 في 24-9-2025.. والموجود على الرابط في أدناه):
https://m.ahewar.org/s.asp?aid=886484&r=0&cid=0&u=&i=240








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في أسبوعه السادس.. الإغلاق الحكومي يخلف آثارا اقتصادية واجتم


.. زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لمقر صندوق النقد الدولي




.. كلمة أخيرة - المنافسة تشتعل بين مرشحي نادي هليوبوليس.. حوار


.. الإغلاق الحكومي الأميركي يكلف الاقتصاد.. وخسائر في عدة قطاعا




.. المنافسة قوية جدا وكل مرشح حشد كل قواه..محمود مسلم عضو مجلس