الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
طوفان الأقصى 722 - إيران–العراق: الحرب العبثية
زياد الزبيدي
2025 / 9 / 28مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي
28 سبتمبر 2025
في كل مرة تشتعل فيها حرب جديدة في الشرق الأوسط – من ليبيا وسوريا، إلى اليمن والسودان – يعود السؤال القديم: هل هناك حرب "مجدية" حقاً في هذه المنطقة المنكوبة؟ أم أن معظمها نزاعات عبثية تُستنزف فيها الشعوب، بينما لا يحصد الطغاة سوى الوهم، وتبقى القوى الكبرى الرابح الوحيد؟
هذا السؤال ليس جديداً. قبل أكثر من أربعة عقود، شهدت المنطقة حرباً طاحنة بين العراق وإيران، امتدت ثماني سنوات، أكلت الأخضر واليابس، وإنتهت بلا نصر ولا حدود تغيرت. المؤرخ والكاتب الروسي فاليري بورت يصفها في مقاله (مؤسسة الثقافة الاستراتيجية، 23 سبتمبر 2025) بأنها «حرب بلا رحمة، لكنها أيضاً بلا معنى».
طموحات صدام وأوهام الإنتصار
كان صدام حسين يحلم، كما يكتب بورت، بـ«أمجاد القائد العربي سعد بن أبي وقاص الذي هزم الفرس قديماً». لكنه لم يكتفِ بالرمزية التاريخية؛ فقد خشي أن تهب رياح الثورة الإسلامية من إيران إلى الداخل العراقي، وأن تثير الشيعة ضد سلطته. إلى جانب ذلك، راودته أطماع السيطرة على المناطق النفطية الغنية في الأحواز.
صدام جمع قادته العسكريين قبل الغزو، وكان واثقاً أن جيشه «سيكتسح إيران سريعاً وربما يدخل طهران منتصراً»، كما يذكر بورت. لكن حتى داخل دائرته الضيقة لم يشاركه الجميع الحماس؛ فقد حذّره قريبه ورئيس المخابرات علي حسن المجيد من أن العراق غير جاهز للحرب، لكن صوته ضاع وسط إندفاع الطموحات.
دعم خارجي متناقض
الغزو العراقي لم يكن مغامرة معزولة. فالكاتب يذكّر بأن «صدام حسين كان يعوّل على دعم أميركي، ولم يكن بلا أساس». واشنطن سلّحت العراق، درّبت جنوده، ووصفت صدام بـ«رجلنا القوي في الشرق الأوسط».
أما إيران، فقد وجدت دعماً من جهات شتى: الإتحاد السوفياتي وفر لها أسلحة ومستشارين، والصين وفرنسا زوّدتاها بتقنيات عسكرية، وحتى إسرائيل – المفارقة الكبرى – باعتها معدات أميركية في الوقت الذي كان خطاب طهران يرفع شعار «الموت لإسرائيل».
حرب الإستنزاف
بداية الحرب جاءت لصالح العراق؛ إجتاحت قواته مساحات واسعة ووصلت إلى خرمشهر وعبدان. لكن سرعان ما إنقلبت المعادلة. الإيرانيون دفعوا بموجات من المتطوعين في ما عرف بـ«تكتيك الموجات البشرية»، حيث كان كل مقاتل يحمل مفتاحاً رمزياً إلى الجنة. بورت يعلّق على ذلك قائلاً: «كانوا يقاتلون بلا تردد، يقبلون الموت وكأنهم ذاهبون إلى موعد محتوم».
الطرفان إستنزفا كل ما يملكان: الطائرات قصفت المدن ومصافي النفط، والغازات السامة أُطلقت على الجنود والمدنيين بلا تمييز. لكن النتيجة ظلت واحدة: لا حسم عسكري ولا سلام قريب.
الثمن الباهظ
ثماني سنوات من القتال خلّفت، بحسب بورت، «ما يقارب مليون قتيل ومصاب، وخسائر إقتصادية فادحة بلغت 340 مليار دولار للعراق و645 مليار دولار لإيران». ومع ذلك، لم يتغيّر شيء في الحدود، ولم يسقط أي من النظامين. بل وعلى عكس المتوقع، عززت الحرب صمود كل من صدام والخميني في السلطة.
نهاية عبثية
عندما إنتهت الحرب عام 1988، لم يكن هناك «منتصر»؛ بل ما سماه بورت «تعادلاً دموياً». العراق خرج مثقلاً بالديون، ما دفع صدام بعد عامين إلى مغامرة جديدة – غزو الكويت – التي جلبت عليه الهزيمة الأميركية الكاسحة ثم سقوط نظامه وإعدامه.
فاليري بورت يختم مقاله بتأمل لافت: «ربما في أيامه الأخيرة، إستعاد صدام ذلك القرار المشؤوم في سبتمبر 1980 حين أمر بغزو إيران. قرار واحد قاد إلى إنهيار طموحاته، ثم سقوطه المذل. لكنه، وهو الحاكم المستبد، لم يكن إلا جلاداً حصد ما زرع».
عبرة لم تُستوعب
اليوم، وبينما تتواصل الحروب العبثية في المنطقة، تبدو قصة العراق وإيران كأنها إنذار لم يُصغِ إليه أحد. فالحرب – مهما طالت أو قصرت – لا تبني دولة ولا تحفظ نظاماً، بل تترك خلفها فقط أرواحاً مهدورة وأوطاناً مدمرة. وكما قال بورت: «الجميع يتحدث عن دروس التاريخ، لكن هل يتعلم منها أحد؟».
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. نهر دجلة.. من فيض إلى عطش
.. لا خطوط حمر لاعتداءاتهم.. مستوطنون يعتدون على صحفيين ومتضامن
.. وزير الرعاية والتنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم: وصول ألفي أ
.. أكسيوس: الديمقراطيون يتحركون لإنهاء الإغلاق الحكومي
.. لمواجهة النقص الحاد.. الجيش الإسرائيلي يتجه لتمديد الخدمة ال