الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
طوفان الأقصى 730 - حين يتكلم الضمير الأمريكي: ساكس وميرشايمر وكارلسون يفضحون خطة ترامب وإسرائيل
زياد الزبيدي
2025 / 10 / 5مواضيع وابحاث سياسية
إعداد وتحليل د. زياد الزبيدي
6 أكتوبر 2025
من النادر أن تتقاطع أصوات ثلاثة رجال مختلفي الخلفية والمكانة – أستاذ الإقتصاد السياسي جيفري ساكس، أستاذ العلاقات الدولية جون ميرشايمر، والإعلامي الشعبوي تاكر كارلسون – في لحظة واحدة، وعلى أرضية واحدة، هي فضح التواطؤ الأمريكي–الإسرائيلي في غزة وفضح خدعة «خطة السلام» التي جاء بها دونالد ترامب. لكن هذا ما يحدث اليوم: الضمير الأمريكي، الذي طالما وُصف بأنه غائب أو مُخدَّر، بدأ يتكلم عبر شخصيات يصعب وصفها بأنها يسارية راديكالية أو معادية لأمريكا، بل هي في صميم المؤسسة الأمريكية، أو قريبة منها إلى حدٍّ ما.
هذه الأصوات ليست منفصلة عن سياق دولي آخذ في التحول. فما بعد 7 أكتوبر 2023 لم يكن كما قبله، والفظائع التي أرتُكبت في غزة، تحت رعاية البيت الأبيض، جعلت من الصعب على النخب الأكاديمية والإعلامية أن تكتفي بالتحليل البارد. فالصورة صارت فجّة وواضحة: حرب إبادة تُشنّ على مرأى ومسمع من العالم، فيما الإدارة الأمريكية تُصر على تسويقها كـ«دفاع عن النفس». وهنا جاء صوت ساكس، ليقول بوضوح إن ما يحدث هو جريمة حرب مدعومة من واشنطن، وليتساءل: أيُّ مستقبل يمكن أن يُبنى على ركام مدينة أُبيد نصفها؟
ساكس: الإقتصاد السياسي للكارثة
جيفري ساكس، المعروف بتحليلاته الإقتصادية للعولمة والفقر، خرج هذه المرة عن صمته الأكاديمي، ليتحدث بلغة أخلاقية لاذعة. فهو يرى أن ما يجري في غزة ليس مجرد «حرب» بل مشروع منسّق لإعادة تشكيل الخريطة الديموغرافية والسياسية للمنطقة. وفي محاضراته الأخيرة، لم يتردد في القول: «إسرائيل لن تتوقف ما لم تُوقف. والولايات المتحدة هي التي تملك زرّ الإيقاف».
ساكس يربط بين خطة ترامب – التي تُسوّق كـ«حل ثلاثي المراحل» – وبين منطق الإستغلال الإقتصادي القديم: تحويل غزة إلى منطقة «إستثمار» تحت إشراف شركات دولية، وميناء تُديره قوى إقليمية موالية لواشنطن، فيما يُترك الفلسطينيون في معازل أشبه بمستعمرات العمل. بكلمات أخرى، ترامب لا يقترح سلاماً بل خصخصةً للإحتلال، بحيث تتحول المأساة إلى صفقة، والركام إلى مشروع إستثماري.
هنا، يستعيد ساكس ذاكرة خطط البنك الدولي وصندوق النقد في العالم الثالث: إعادة الإعمار عبر ديون، ربط الإقتصاد المحلي بالوصاية الأجنبية، ومنع أي سيادة حقيقية للشعوب. إن غزة، وفقاً لرؤيته، ليست سوى آخر المختبرات في سلسلة طويلة من تجارب الهيمنة النيوليبرالية.
ميرشايمر: الأكاديمي الذي كسر التابو
أما جون ميرشايمر، صاحب النظرية الواقعية في العلاقات الدولية، فقد عرفه العالم منذ كتابه الشهير مع ستيفن والت «اللوبي الإسرائيلي وسياسة الولايات المتحدة الخارجية». يومها، أتُّهم بالعداء للسامية، وأُقصي من المنابر السائدة. لكن الزمن أنصفه. فاليوم، يُستشهد بكتاباته حتى في مراكز الأبحاث الأمريكية الكبرى.
ميرشايمر يذهب أبعد من ساكس في نقده، إذ يقول بوضوح إن «إسرائيل تحيا وتتمدّد بفضل الدعم الأمريكي غير المشروط، ولو توقفت واشنطن عن حمايتها، لإنكمش المشروع الصهيوني». وهو يرى أن خطة ترامب ليست سوى إستمرار لهذا المنطق: توفير غطاء سياسي ومالي وعسكري لإسرائيل كي تنجز ما لم تستطع إنجازه عبر الحروب وحدها – أي إلغاء القضية الفلسطينية من أساسها.
وبالمنطق الواقعي الذي يميّزه، يضع ميرشايمر النقاط على الحروف: «الولايات المتحدة ليست وسيطاً للسلام، بل شريكاً في الجريمة. وما يُسمى خطة ترامب هو إعتراف رسمي بأن واشنطن لم تعد حتى معنية بإرتداء قناع الوسيط».
بهذا، يكسر ميرشايمر التابو الأكبر في السياسة الأمريكية: الإعتراف بأن المشكلة ليست في «تطرّف» الفلسطينيين أو في «عناد» الإسرائيليين، بل في الهيكل الإمبراطوري الأمريكي الذي يضمن بقاء إسرائيل متفوّقة، ولو على جثث الأبرياء.
كارلسون: الصوت الشعبوي الذي أربك المؤسسة
قد يبدو وجود تاكر كارلسون، الإعلامي اليميني الذي كان نجم شبكة «فوكس نيوز»، غريباً في هذا الثالوث. لكنه، من موقعه المختلف، يقدم خدمة مزدوجة: فضح التواطؤ الأمريكي أمام جمهور شعبي واسع، وكسر إحتكار المؤسسة الإعلامية للرواية.
كارلسون ليس مفكراً أكاديمياً مثل ساكس وميرشايمر، لكنه يملك ما لا يملكانه: منبر جماهيري ضخم يصل إلى ملايين الأمريكيين العاديين. وفي برامجه الأخيرة، لم يتردد في وصف خطة ترامب بأنها «خدعة إعلامية لإلهاء الرأي العام» عن حقيقة أن إسرائيل تُدمّر غزة وتقتل المدنيين بلا حساب.
والأهم، أن كارلسون تجرأ على طرح سؤال ظلّ محرّماً: «لماذا نُستنزف مليارات الدولارات من أجل حرب لا تخدم إلا إسرائيل، بينما البنية التحتية الأمريكية تنهار؟». بهذا، يضع الأزمة في إطار وطني داخلي: أمريكا تضحّي بشعبها وضرائبها من أجل أجندة أجنبية. وهو خطاب، مهما كان إنتهازياً، يجد صدىً عميقاً في الشارع الأمريكي.
ولتأكيد التغيير الجارف الذي يجتاح أمريكا مثل التسونامي بعد زلزال طوفان الأقصى نتذكر ما قاله تاكر كارلسون في برنامجه منذ أيام وختم مداخلته بأقوى وأهم وأشجع عبارة يمكن أن نسمعها من شخصية عامة أمريكية حيث قال:
"لا بد من تصحيح الفكرة التي تزعم أن هناك من يسمون أنفسهم شعب الله المختار...هذه هرطقة غير مقبولة؛ فالإله لا يختار شعبا يقتل الأطفال والأبرياء"
خطة ترامب: إعادة إنتاج الكارثة
ما يجمع هؤلاء الثلاثة هو فضح خطة ترامب. فالخطة، التي قُدِّمت في أجواء إحتفالية بمشاركة نتنياهو، تقوم على ثلاث مراحل:
1. وقف إطلاق نار مشروط بتجريد المقاومة من سلاحها.
2. إدارة إنتقالية بإشراف قوى إقليمية «معتدلة».
3. مشروع إعادة إعمار بتمويل دولي.
لكن ما بين السطور هو الأهم: غزة تُحاصر سياسياً، يُجرَّد شعبها من أي قدرة على المقاومة، ويُعاد تشكيلها ككيان تابع، بلا سيادة ولا إستقلال. هي خطة تجديد للصراع بوسائل جديدة: تحويل الإحتلال إلى إدارة أمنية–إقتصادية طويلة الأمد، بدلاً من الإحتلال العسكري المباشر.
هذا ما يسميه ساكس «خصخصة الإحتلال»، وما يراه ميرشايمر «شرعنة للهيمنة الأمريكية–الإسرائيلية»، وما يسميه كارلسون «سرقة أموال دافعي الضرائب لصالح إسرائيل».
حين يتكلم الضمير الأمريكي
اللافت أن هذه الأصوات الثلاثة ليست معزولة. فهي جزء من تيار أوسع بدأ يخرج من تحت الرماد: أساتذة جامعات يرفضون الصمت، إعلاميون يكسرون السردية الرسمية، وناشطون في الشارع الأمريكي يربطون غزة بقضاياهم الداخلية: من العدالة العرقية إلى أزمة الفقر.
ما يقوله ساكس وميرشايمر وكارلسون اليوم، يشبه إلى حدٍّ كبير ما قيل أثناء حرب فيتنام حين بدأ المثقفون والإعلاميون يتحدّثون عن «جريمة أمريكا في الهند الصينية». ومع أن المؤسسة قاومت هذا الخطاب حينها، إلا أن تراكم الأصوات حوّله إلى تيار جارِف. فهل نكون أمام لحظة مشابهة؟
بين النفاق والفضيحة
المفارقة أن ترامب، الذي قدّم نفسه كـ«رجل الصفقة» و«عدو الحروب الطويلة»، هو ذاته من يقدّم اليوم مشروعاً يضمن حرباً أطول، ونزيفاً أكبر، ودماراً أوسع. والنفاق الأمريكي لم يعد قابلاً للإخفاء: واشنطن تتحدث عن «حل إنساني» وهي تسلّح آلة القتل الإسرائيلية ليل نهار.
وهنا، يتحول خطاب ساكس وميرشايمر وكارلسون إلى مرآة فاضحة: ليس لأنهم فلسطينيون أو عرب أو يساريون، بل لأنهم أمريكيون يتكلمون من قلب المؤسسة، فيصير نقدهم أوقع، وفضحهم أعمق.
خاتمة: الضمير الذي من الصعب إسكاته
حين يتكلم الضمير الأمريكي، ولو عبر ثلاثة أصوات متنافرة مثل ساكس وميرشايمر وكارلسون، فهذا يعني أن التصدّع بلغ قلب النظام نفسه. فالكذبة الكبرى – أن إسرائيل «تدافع عن نفسها» وأن أمريكا «وسيط سلام» – لم تعد تقنع حتى الأمريكيين.
إن خطة ترامب ليست بداية حلّ، بل بداية فضيحة أكبر: فضيحة نظام يقدّم الغطاء لجرائم حرب، ويُعيد تسويقها بوجه إقتصادي وإعلامي. لكن التاريخ يعلمنا أن الأكاذيب الكبرى لا تعيش طويلاً. وفي النهاية، كما قال ميرشايمر يوماً، «القوة قد تفرض وقائع على الأرض، لكنها لا تمنح شرعية».
ولعل هذا هو جوهر اللحظة الراهنة: الضمير الأمريكي، بكل تناقضاته، بدأ يخرج من صمته. وما قاله ساكس وميرشايمر وكارلسون ليس إلا الشرارة الأولى.
*****
المراجع
1) جون ميرشايمر: خطة ترامب لغزة "إسرائيلية-أمريكية" وغياب أي أفق لتقرير المصير الفلسطيني
لندن- موقع عربي21
02 أكتوبر 2025
2) أكاديمي أمريكي: إسرائيل هي الدولة الأكثر تجاهلا للقانون في العالم
موقع RT
2 أكتوبر 2025
3) مفكر أمريكي: فكرة حكم توني بلير لقطاع غزة “محزنة وتثير السخرية”
موقع الجزيرة مباشر
2 أكتوبر 2025
4) "كارلسون" يكسر المحظورات ويوجه أجرأ نقد للاحتلال الإسرائيلي (شاهد)
لندن- موقع عربي21
03 أكتوبر 25
*****
هوامش
1) جيفري ساكس
إقتصادي أمريكي بارز وأستاذ في جامعة كولومبيا في نيويورك، عُرف بدراساته حول التنمية المستدامة ومكافحة الفقر عالميًا. شغل دور المستشار لهيئات دولية كالأمم المتحدة، ويُعد من أبرز المنتقدين لسياسات الهيمنة الأمريكية.
2) جون ميرشايمر
أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو وأحد أبرز منظّري العلاقات الدولية، إشتهر بطرحه "الواقعية الهجومية". يُعد من أبرز النقّاد للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ومؤلف كتاب اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية.
3) تاكر كارلسون
إعلامي ومعلق سياسي أمريكي محافظ، إشتهر ببرنامجه على قناة "فوكس نيوز" قبل أن يؤسس منصاته الخاصة. يُعد من أبرز الأصوات النقدية للسياسة الخارجية الأمريكية ولنفوذ اللوبي الإسرائيلي في واشنطن.
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مجلس الأمن يرفع العقوبات عن أحمد الشرع قبل استقباله في البيت
.. هل المراهنات والمال يهددان نزاهة دوري الـ -إن بي أي-؟
.. إسرائيل تلوح بضرب بيروت بدعم أميركي في هذه الحالة | #التاسعة
.. رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة بالسودان: حوادث الخطف والاع
.. ترقب لتسليم جثمان أسير إسرائيلي في قطاع غزة مساء اليوم