الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حين خُدع غورباتشوف: كيف كانت «وحدة ألمانيا» فخًّا إستراتيجياً لإسقاط روسيا
زياد الزبيدي
2025 / 10 / 6مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي
6 أكتوبر 2025
في الثالث من أكتوبر، يحتفل الألمان بـ«يوم الوحدة الوطنية». لكن في الذاكرة الروسية، لا يُنظر إلى ذلك اليوم كرمز للنهاية السعيدة للحرب الباردة، بل كذكرى الخديعة الكبرى التي وضعت حجر الأساس لهيمنة الغرب على أوروبا الشرقية، وأدت في نهاية المطاف إلى تفكك الإتحاد السوفياتي.
الكاتبة الروسية يلينا بانينا*، في مقالها على موقع معهد "روسسترات" في 3 أكتوبر 2025، ترى أن ما جرى عام 1990 لم يكن توحيداً لألمانيا بقدر ما كان إعادة رسم للنظام العالمي على حساب روسيا، تحت غطاء من الوعود المنكوثة والكلمات المعسولة حول «البيت الأوروبي المشترك من لشبونة إلى فلاديفوستوك».
وعود لم تُكتب… وخيانة موثَّقة
خلال المفاوضات التي سبقت إعادة توحيد ألمانيا، قدّم الغرب لموسكو سلسلة من الوعود التي إعتمد عليها غورباتشوف لقبول إنضمام ألمانيا الموحدة إلى الناتو.
أبرز تلك الوعود جاء على لسان جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي، الذي قال لغورباتشوف في فبراير 1990 إن «الناتو لن يتوسع شرقاً، ولا حتى بوصة واحدة».
وردّد هلموت كول، المستشار الألماني آنذاك، الوعد ذاته مؤكداً أن وحدة ألمانيا ستكون خطوة نحو «الأمن المشترك في أوروبا، لا توسع عسكري».
لكن، كما تذكر بانينا، لم يجرِ توثيق تلك التعهدات في نصوص مكتوبة على شكل معاهدة رسمية، وهو ما إعتبره الغرب لاحقاً نافذة للتهرب. ومع مرور الوقت، تحول ذلك "التفاهم الشفهي" إلى أكبر عملية تضليل إستراتيجي في القرن العشرين.
الأدلة في الأرشيف الأمريكي
في مواجهة الرواية الغربية التي تنكر وجود أي وعود رسمية، خرج الخبير الاقتصادي الأمريكي جيفري ساكس بتصريحات قاطعة، قائلاً: «مكتبة جورج واشنطن تحتوي على مئات الوثائق التي تثبت أن القادة الغربيين تعهّدوا صراحة بعدم توسع الناتو شرقاً. وكل من ينكر ذلك الآن يكذب عن قصد».
وقد نشر «أرشيف الأمن القومي» الأمريكي فعلاً، عام 2017، وثائق من إجتماعات بيكر وكول ووزير الخارجية البريطاني دوغلاس هيرد، تثبت أن جميعهم تحدثوا أمام القادة السوفييت عن «ضمانات بعدم تقدم الحلف شرقاً».
إلا أن ما حدث بعد ذلك، من توسع الناتو ليشمل دول حلف وارسو السابق والجمهوريات السوفياتية السابقة، كشف أن النية المبيتة كانت غير ما قيل.
الخديعة الإقتصادية: «مارشال» للغرب و«الصدمة» لروسيا
لم يقتصر الخداع على الجانب الأمني. فغورباتشوف كان يأمل في أن يقابل قراره الشجاع بشأن ألمانيا الموحدة بـ«خطة مارشال» سوفياتية، أي برنامج دعم إقتصادي لإعادة هيكلة الإتحاد السوفياتي. لكن الغرب إختار العكس تماماً: قروضاً مشروطة من صندوق النقد الدولي فتحت الطريق أمام سياسة «العلاج بالصدمة»، ونتج عنها تضخم جنوني، تفكك إجتماعي، وتدمير البنية الصناعية.
وبذلك، كما تقول بانينا، لم تكن روسيا شريكاً في بناء النظام العالمي الجديد، بل ضحية مثالية له.
من وحدة ألمانيا إلى عودة «الإندفاع نحو الشرق»
بانينا ترى أن ما جرى عام 1990 كان نقطة إنطلاق لـ«دَرَنج ناخ أوستن» جديد، أي الزحف الألماني نحو الشرق، ولكن هذه المرة تحت راية الناتو لا الرايخ الثالث.
تكتب: «ألمانيا التي صُوّرت كرمز للمصالحة، أصبحت خلال ثلاثة عقود المحرك الإقتصادي والسياسي للتمدد الأطلسي، حتى حدود روسيا».
إنها مفارقة التاريخ: الدولة التي كانت سبباً في دمار أوروبا عام 1941، تعود لتقود مشروعاً جديداً يستهدف الشرق ذاته، ولكن عبر أدوات "السلام" والتحالفات الدفاعية.
بوتين: «من لا يأسف على إنهيار الإتحاد السوفياتي لا قلب له…»
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبّر أكثر من مرة عن موقفه من تلك الحقبة، جامعاً بين الحسّ التاريخي والعقل السياسي. ففي عام 2010، قال عبارته الشهيرة: «من لا يأسف على إنهيار الاتحاد السوفياتي لا قلب له، ومن يريد إعادته كما كان لا عقل له.»
هذه الجملة، التي تداولها الإعلام العالمي على نطاق واسع، تختصر فلسفة بوتين تجاه الماضي السوفياتي: الحنين ليس إلى الأيديولوجيا، بل إلى الكرامة والسيادة.
وفي خطابه بمؤتمر ميونيخ للأمن عام 2007، أضاف بوتين بوضوح أكبر: «لقد خُدعنا. وعودٌ قُدّمت إلينا بعدم توسع الناتو شرقاً، واليوم نجد قوات الحلف على حدودنا. أهذا هو الأمن المشترك؟»
ومنذ ذلك الحين، أصبحت عبارة بوتين الأولى تُستخدم في الأدبيات السياسية الروسية كرمز للوعي بالكارثة، لا للدعوة إلى إستعادة الإتحاد السوفياتي، بل لفهم الدرس الجيوسياسي: أن الثقة بالغرب دون ضمانات قوة هي إنتحار سياسي.
من الخداع إلى المواجهة
تختم بانينا بالقول إن إنهيار الإتحاد السوفياتي وتوحيد ألمانيا لم يكونا سوى فصلين من خطة واحدة: إخراج روسيا من أوروبا وإعادة هندسة القارة على المقاس الأمريكي.
لكنّ روسيا اليوم، بعد أوكرانيا وجورجيا، لم تعد تتعامل مع الغرب كـ«شريك»، بل كخصم تاريخي يستغل كل ضعف وكل تنازل.
وفي هذا السياق، لا تبدو عودة موسكو إلى خطاب «الضمانات الأمنية» سوى محاولة لإعادة تصحيح التاريخ بالقوة، بعد أن فُقد التوازن السياسي الذي قام عليه العالم منذ 1945.
خاتمة
إن وحدة ألمانيا عام 1990 لم تكن، كما تقول بانينا، إحتفالاً بنهاية الحرب الباردة، بل بداية مرحلة جديدة من الحروب الباردة الساخنة.
الوثائق الأمريكية التي تحدث عنها جيفري ساكس، وتصريحات بوتين عن الخداع الغربي، تعيد رسم صورة تلك المرحلة:
روسيا لم تُهزم عسكرياً، بل أُسقطت بالثقة.
واليوم، بعد أكثر من ثلاثة عقود، يبدو أن موسكو قررت ألا تكرّر خطأ غورباتشوف، وأن الكلمة التي قالها بوتين قبل خمسة عشر عاماً – «من لا يأسف على إنهيار الإتحاد السوفياتي لا قلب له، ومن يريد إستعادته لا عقل له» – أصبحت مفتاح الفهم العميق لعقيدة روسيا الجديدة:
الحنين بلا أوهام، والسيادة بلا ثقة عمياء.
*****
هوامش
1)يلينا بانينا (Elena Panina): بروفيسورة في الإقتصاد، دكتورة في العلوم الإقتصادية، سياسية ومحللة روسية، نائبة سابقة في مجلس الدوما وعضو في المجلس الإجتماعي الروسي، وتشغل حالياً منصب مديرة المعهد الروسي للدراسات الإستراتيجية في السياسة والإقتصاد (Russtrat)، وتُعرف بكتاباتها ذات الطابع الجيوسياسي المحافظ والدفاع عن المصالح الروسية في مواجهة الغرب.
2) "روسسترَات" (Russtrat) هو معهد روسي للدراسات الإستراتيجية تأسس عام 2020، يركز على تحليل السياسات الدولية والإقتصاد الجيوسياسي من منظور يخدم المصالح القومية الروسية. يُعد قريبًا من الأوساط الفكرية المحافظة ويديره عدد من الباحثين والخبراء القريبين من دوائر صنع القرار في موسكو.
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. لقاء ترامب والشرع... تحالف وصفقة جديدة لسوريا؟ | مسائية
.. هانيبال القذافي يختار البقاء في لبنان مع عائلته بعد إفراج ال
.. فرنسا تلاحظ -إشارات- جزائرية إلى -رغبة في معاودة الحوار-
.. وزير الصحة في -حكومة تأسيس- يكشف لسكاي نيوز عربية الأوضاع في
.. صحفيون فلسطينيون: اعتداءات المستوطنين علينا باتت ممنهجة