الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حقل إريدو النفطي الواعد بين الإمكان الاقتصادي والمأزق التنفيذي
عامر عبد رسن
2025 / 10 / 16الادارة و الاقتصاد
يُعدّ مشروع إريدو (Eridu) أحد أبرز المشاريع النفطية المكتشفة في جنوب العراق خلال العقدين الأخيرين، حيث يقع ضمن الرقعة الاستكشافية رقم 10 التي تديرها شركتا لوك أويل الروسية وإنبكس اليابانية. وقد اعتُبر الحقل منذ اكتشافه عام 2016 واحدًا من أكبر الاكتشافات الجديدة في الشرق الأوسط، باحتياطي يُقدّر بنحو 12.9 مليار برميل من النفط القابل للاستخراج.
هذا الاكتشاف، إذا ما تم تطويره بكفاءة، قد يشكّل نقطة تحوّل في ميزان إنتاج العراق النفطي، إلا أنّ التحديات التقنية والاقتصادية والسياسية لا تزال تحول دون انطلاقه الكامل.
أولاً: الموقع والأهمية الجيولوجية : يقع بلوك 10 في محافظتي ذي قار والمثنّى، ويمتد على مساحة تقارب 5,800 كم². المنطقة تقع في نطاق جيولوجي غني بالهيدروكربونات ضمن حوض الفرات الأوسط، بين حقلي الناصرية والغراف شمالاً، وحقول غرب القرنة والرميلة جنوباً.
ويتميّز تكوين المشرف (Mishrif) واليمامة (Yamama) في الحقل بخصائص جيولوجية مشابهة لحقول البصرة العملاقة، مما يعزّز فرص إنتاج مرتفع بتكلفة تشغيلية منخفضة نسبيًا. وقد بلغت نتائج الاختبارات في الآبار الأولى تدفقات تجاوزت 9,000 برميل يوميًا، وهي إشارة مبكرة على جدوى اقتصادية عالية.
ثانياً: الجدوى الاقتصادية المحتملة ؛ وفق إعلان شركة لوك أويل عام 2023، فإن تطوير الحقل يمكن أن يضيف إلى الإنتاج العراقي نحو 250 ألف برميل يوميًا خلال المرحلة الأولى من المشروع، ترتفع تدريجيًا إلى 400 ألف برميل يوميًا في حال توسّع التطوير.
إذا تم احتساب متوسط سعر البرميل بـ 75 دولارًا، فإن العائد السنوي المتوقع للحقل يتراوح بين 6.8 و 10 مليارات دولار، ما يجعله من أكبر المشاريع القابلة للتطوير بعد حقل مجنون.
لكن الجدوى لا تُقاس بالإنتاج وحده، بل أيضًا بالعوائد الصافية للعراق، والتي تعتمد على نوع العقد (خدمة تقنية أم مشاركة إنتاج). إذ لا تزال العقود ضمن جولات التراخيص تُمنح وفق نظام التعويض الثابت (Remuneration Fee) الذي يُقلّل من حصة العراق الفعلية في الأرباح مقارنةً بعقود المشاركة.
ثالثاً: التحديات والعقبات أمام التنفيذ : التأخير الإداري والعقودي : رغم إعلان الجدوى التجارية، ألغت لوك أويل في منتصف 2025 مناقصة تطوير المشروع بعد خلافات حول تمويل البنية التحتية ونوع آلية الاسترداد، ما يشير إلى هشاشة البيئة التعاقدية وغياب الحسم في القرارات الحكومية.
1. انسحاب الشريك الياباني إنبكس جزئياً : سعي إنبكس إلى بيع حصتها (40 %) يطرح تساؤلات حول ثقة المستثمرين الأجانب بقدرة العراق على حماية الاستثمارات، وشفافية الإجراءات، وسرعة البتّ في العقود.
2. التحديات التمويلية : الكلفة التقديرية للمرحلة الأولى تتجاوز 5 مليارات دولار، تشمل حفر آبار إنتاجية جديدة، وإنشاء وحدات معالجة مركزية، وربط الحقل بخطوط التصدير الجنوبية. في ظل تقلّب أسعار النفط واحتمال انخفاضه دون 70 دولارًا، ستتأثر قدرة العراق على التمويل الذاتي.
3. البيئة والموارد المائية : تشغيل الحقل يتطلب كميات ضخمة من المياه لعمليات الحقن (Water Injection)، وهو تحدٍ كبير في ظل شح المياه في محافظات الجنوب. لذا، أي تطوير غير مدروس قد يفاقم الضغوط البيئية ويستفزّ المجتمعات المحلية.
4. المخاطر الأمنية والسياسية : المنطقة شهدت اضطرابات متكررة في خطوط الإمداد بسبب الاحتجاجات والمطالبات المحلية بالتوظيف والمنافع الاجتماعية، ما يعني أن النجاح يتطلب سياسة مسؤولية مجتمعية متكاملة من البداية.
رابعاً: القراءة الاستراتيجية في الظرف العراقي : رغم أن إريدو مشروع نفطي، إلا أنّ توقيته يجعل منه مشروعًا اقتصاديًا–سياديًا بامتياز. فالعراق يتجه نحو زيادة سكانية قد تصل إلى 60 مليون نسمة عام 2035، مما سيرفع الاستهلاك المحلي للطاقة والماء والغذاء، ويقلّل من القدرة على التصدير الصافي للنفط.
كما أن التحول العالمي للطاقة النظيفة يضغط على الدول النفطية لتسريع استغلال احتياطاتها قبل أن تفقد قيمتها. لذا فإن تأخير تطوير الحقول العملاقة مثل إريدو يُعدّ خسارة مزدوجة: اقتصادية وزمنية.
خامساً: دروس من تجارب دولية ؛
1. النموذج النرويجي في الإدارة المشتركة : حيث تم إنشاء “صندوق سيادي نفطي” يموّل مشاريع التنمية المستدامة، مع إلزام الشركات الأجنبية بالاستثمار في التكنولوجيا المحلية. يمكن للعراق تكرار ذلك عبر تخصيص 1 % من عوائد إريدو لصندوق بيئي–زراعي جنوبي.
2. النموذج الماليزي (Petronas): يفرض القانون الماليزي أن تُنشأ “شراكات محلية” ضمن كل مشروع نفطي، بحيث تُنقل الخبرة تدريجيًا إلى الكوادر الوطنية. يمكن للعراق اشتراط وجود نسبة 20 % من المقاولين المحليين في كل عقد تطوير.
3. النموذج الإماراتي في توازن الحقول : الإمارات توزّع الاستثمارات النفطية على شركات متعددة (يابانية، كورية، غربية) لضمان توازن سياسي واقتصادي. كذلك العراق بحاجة إلى تعدد الشركاء في إريدو لتفادي تركّز القرار في يد طرف واحد.
سادساً: السيناريوهات المحتملة لمستقبل المشروع
السيناريو الوصف الأثر على العراق
1. استكمال التطوير بشراكة روسية كاملة لوك أويل تتولى 100 % من المشروع بعد خروج إنبكس يسرّع التنفيذ لكنه يربط المشروع سياسياً بروسيا، ما قد يُعقّد التعامل مع الغرب والعقوبات.
2. إدخال شريك آسيوي جديد (صيني أو كوري) استقطاب استثمارات من CNPC أو KNOC يضمن التمويل ويقلّل المخاطر، لكن يقلّص هوامش التفاوض الفني.
3. إعادة هيكلة العقد ليصبح بنظام المشاركة بالإنتاج تعديل العقد لزيادة حصة العراق ومشاركة المخاطر يمنح العراق سيطرة أكبر ويجذب مستثمرين، لكنه يحتاج إصلاحاً قانونياً كاملاً.
4. تجميد المشروع مؤقتًا بسبب السوق أو السياسة تأجيل التنفيذ إلى ما بعد 2027 خسارة زمنية واقتصادية، وتراجع الثقة الاستثمارية.
سابعاً: التوصيات والسياسات المقترحة
1. تأسيس لجنة عليا لتطوير الرقع الحدودية والجنوبية ترتبط مباشرة بمجلس الوزراء لتسريع البت في العقود والتمويل.
2. إلزام الشركات العاملة بخطة تنمية محلية (Local Content Plan) لتشغيل أبناء المناطق وتطوير مهاراتهم.
3. اعتماد معايير الاستدامة البيئية (ESG) ضمن كل مرحلة تطوير، وإشراك وزارة البيئة في منح الموافقات.
4. ربط المشروع بمصفاة ذي قار المستقبلية لتقليل الحاجة إلى تصدير الخام، وتعزيز القيمة المضافة المحلية.
5. وضع آلية تمويل وطنية–خارجية هجينة (Public–Private Partnership) لتمويل البنية التحتية دون تحميل الخزينة عبئًا كاملاً.
6. تفعيل دور مجلس أعلى للنفط والغاز في مراجعة الاستراتيجيات الاستثمارية وتحديد أولويات الحقول وفق الجدوى والموارد.
ختاما : يمثل مشروع إريدو–البلوك 10 فرصة تاريخية لإعادة بناء الثقة في قدرات العراق الاستثمارية في قطاع الطاقة، شرط أن يُدار بوعي استراتيجي يتجاوز الحسابات الآنية. فالموارد وحدها لا تصنع الثراء؛
إنما حوكمة الإدارة، وتوزيع المنافع، والاستدامة البيئية والاجتماعية. إن تطوير هذا الحقل يجب أن يكون بداية لنهجٍ جديد يجعل من كل مشروع نفطي مشروعًا وطنيًا متكاملًا، يخدم الاقتصاد والمجتمع والبيئة معًا، لا مجرد بئـرٍ جديد في سجل الإنتاج.
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. رقم تاريخي.. الاحتياطي النقدي يرتفع ل50 مليار دولار كأعلى مع
.. تحقيق حصري لشبكتنا.. صور أقمار صناعية تكشف التوسع الهائل في
.. أسعار الذهب اليوم الأحد 9 نوفمبر
.. لماذا أصدر البنك المركزي السوداني ورقة نقدية فئة الألفي جنيه
.. Invicta S-Type .. تحفة بريطانية نادرةلا يتجاوز إنتاجها 75 نس