الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الدين والمجتمع بين الوعي والإخضاع، قراءة في آليات الاستغلال الديني
حسين علي محمود
2025 / 11 / 1العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يعد الدين أحد أبرز العوامل التي شكلت وعي الإنسان ومؤسساته الاجتماعية منذ فجر التاريخ، فهو ليس مجرد منظومة شعائرية، بل منظومة قيمية وروحية توجه السلوك الجمعي وتضفي المعنى على الوجود الإنساني.
غير أن هذا الدور السامي لم يخل من محاولات التحوير والاستغلال، إذ أدركت قوى اجتماعية وسياسية أن الدين يمكن أن يكون سلاحا رمزيا فعالا لتوجيه الناس وضبطهم أو تسويغ الامتيازات والسلطات.
■ الدين كقوة رمزية في البناء الاجتماعي
من منظور سوسيولوجي، يمثّل الدين نظاماً من الرموز التي تعبّر عن هوية الجماعة وتماسكها.
يرى إميل دوركايم أن المقدس ليس مجرد اعتقاد فردي، بل هو انعكاس للجماعة على ذاتها، أي أن الناس حين يعبدون رموزهم الدينية فإنهم في العمق يحتفلون بوحدتهم الاجتماعية.
ولذلك، فإن الدين في أصله يمارس وظيفة الضبط الأخلاقي وتوليد المعنى، ويؤدي إلى نوع من الانسجام الاجتماعي القائم على قيم العدل والتكافل والرحمة.
لكن حين يتحول الدين من إيمان يوجه الضمير إلى نظام يُدار لخدمة النفوذ، تتبدل وظيفته من رابطة اجتماعية إلى أداة قهر رمزية.
■ ما الأبعاد النفسية للاستغلال الديني؟!
من الناحية النفسية، يميل الإنسان إلى البحث عن اليقين والمعنى، خصوصًا في فترات الأزمات والاضطرابات.
وهنا تظهر قابلية بعض الجماهير للانقياد وراء الخطاب الديني المتشدد أو الشعبوي، الذي يقدّم إجابات بسيطة لمشكلات معقدة.
فحين يعاني الفرد من الفقر أو الاغتراب أو الخوف، يصبح أكثر استعدادا لتصديق من يقدم له تفسيرا "مقدسا" لمعاناته، حتى لو كان هذا التفسير يخدم مصالح نخبوية خفية.
بهذا المعنى، فإن الاستغلال الديني يقوم على تحويل الإيمان إلى أداة نفسية للتهدئة والسيطرة، عبر بث الشعور بالذنب أو الوعد بالخلاص الأخروي، بما يُضعف الإرادة النقدية ويعيد إنتاج الخضوع.
■ كيف يكون الدين في خدمة السلطة؟!
التاريخ السياسي الإنساني زاخر بأمثلة توضح كيف تماهى الدين مع السلطة.
في العصور الوسطى، شكلت الكنيسة في أوروبا سلطة فوق الدول، إذ كانت تمنح الملوك شرعية دينية، ما أدى إلى ما يعرف بـ "الثيوقراطية"، أي الحكم باسم الإله.
وفي المقابل، حاولت بعض الحركات السياسية في التاريخ الإسلامي احتكار التفسير الديني لضمان طاعة الناس أو قمع المعارضة، عبر رفع شعار "من خالف السلطان فقد خالف الدين".
أما في العصر الحديث، فإن توظيف الدين لم يختف، بل تغير شكله، ففي بعض الأنظمة، يستخدم الخطاب الديني لتجميل السياسات القمعية أو لإضفاء طابع "وطني مقدّس" على القرارات السياسية.
وفي المقابل، تستغل بعض الحركات المعارضة الرموز الدينية لاستقطاب الجماهير وخلق تعبئة شعبية تحت شعارات دينية، في حين تكون الأهداف سياسية بحتة.
■ الإعلام والدين، صناعة الوعي الزائف
في المجتمعات الحديثة، لم يعد المنبر وحده هو الوسيلة لنشر الخطاب الديني، بل أصبحت وسائل الإعلام والمنصات الرقمية جزء من عملية إنتاج "القداسة".
يتحول بعض الدعاة والمشايخ إلى نجوم إعلاميين، تدار خطاباتهم بمنطق السوق والمنافسة، لا بمنطق الرسالة.
ويعاد إنتاج الدين بوصفه منتجا ثقافيا جماهيريا، مما يضعف عمقه الروحي ويحوله إلى خطاب استهلاكي سطحي.
هذا الشكل من "تسليع الدين" يفتح الباب أمام الاستغلال، إذ يُقدم الدين في قالب شعبوي يستعمل لتوجيه المزاج العام أو تحقيق مكاسب سياسية وتجارية، بدل أن يكون أداة وعي وبصيرة.
■ كيف يحدث الاستغلال الديني في الصراعات الاجتماعية؟؟
يستعمل الدين أحيانا لإذكاء الانقسامات الطائفية والمذهبية، خصوصا حين ترتبط المذاهب بمصالح جهوية أو طبقية.
تُؤطر الصراعات الاقتصادية أو السياسية بغطاء ديني، فيتحول الصراع على الموارد أو النفوذ إلى صراع "عقائدي"، مما يصعب حله بالوسائل المدنية.
وهكذا يصبح الدين وقودا للنزاعات بدل أن يكون جسراً للتفاهم، ويُستدعى المقدس لتبرير القتل والعنف والإقصاء.
■ نحو وعي نقدي بالدين والمجتمع
إن إدراك خطورة هذا الاستغلال لا يعني رفض الدين، بل العكس، يعني تحرير الدين من التوظيف السلطوي، ورده إلى وظيفته الإنسانية والأخلاقية.
يحتاج المجتمع إلى تربية دينية نقدية تُميز بين النص والتأويل، وبين الإيمان الحقيقي والاستغلال الأيديولوجي.
كما يحتاج إلى مؤسسات دينية مستقلة تحمي الدين من التسييس، وتقدم خطابا إصلاحيا يوازن بين الإيمان والعقل، وبين الثابت والمتغير.
الخلاصة :
يبقى الدين في جوهره قوة تحريرية، تُعلي من قيمة الإنسان وتدعوه إلى الخير والعدل.
لكن حين يختطف الدين من قبل السلطة أو السوق أو الجماعات المغلقة، يتحول إلى أداة تبرير للهيمنة والتمييز.
إن التحدي الحقيقي ليس في التدين ذاته، بل في الوعي بكيفية حضوره داخل المجال الاجتماعي والسياسي.
فحين يصبح الدين مصدرا للضمير لا للهيمنة، وللوحدة لا للفرقة، يمكن للمجتمع أن يتجاوز مرحلة الاستغلال إلى مرحلة الإيمان الواعي، حيث يصبح الدين قوة بناء لا هدم.
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ترمب: الواعظ إيريك ميتاكساس سيدخلني الجنة
.. تفاصيل اللقاء التاريخى بين شيخ الأزهر والمفكر العالمى جيفري
.. تغطية خاصة | مستوطنون يحرقون مسجداً في سلفيت: تصاعد العدوان
.. كل أجراس الكنائس تقرع في باريس بوقت واحد تكريما لضحايا 13 نو
.. مستوطنون يحرقون مسجدا شمال غرب سلفيت ويخطون شعارات عنصرية عل