الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديكتاتورية الرقمية: حين يرى إيلون ماسك الحقيقة التي يريدها

نهاد السكني

2025 / 11 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


في زمنٍ تتغير فيه خرائط القوة أسرع من خرائط الجغرافيا، لم تعد “الديكتاتورية” جنديًّا يلوّح بسلاح، بل خوارزميةً تبتسم في وجهك وتقول: أنا هنا لأريك الحقيقة.
وهذا بالضبط ما يفعله إيلون ماسك اليوم من خلال منظومته الرقمية الجديدة: X وGrok وStarlink وxAI.
من الحرية إلى السيطرة
حين استحوذ ماسك على منصة تويتر، رفع شعار “حرية التعبير المطلقة”.
لكن سرعان ما تحوّل هذا الشعار إلى منظومة تحكم غير مرئية.
فاليوم، يتحكم ماسك في ثلاث طبقات من إدراكنا للعالم:
المنصة (X): حيث تُنشر المعلومة.
الذكاء الاصطناعي (Grok): الذي يفسّر المعلومة ويصوغ “الحقيقة”.
الإنترنت الفضائي (Starlink): الذي يُرسل المعلومة عبر مدارٍ لا يخضع لأي دولة.
هكذا، يصبح من يمتلك الخيوط الثلاثة قادرًا على هندسة الوعي العام دون أن يُطلق رصاصة واحدة.
الحقيقة في يد من
يقول ماسك إن Grok صُمم ليكشف الفيديوهات المزيفة ويفضح المحتوى المضلل.
لكن من يقرر ما هو المزيف وما هو الحقيقي؟
حين تكون الخوارزمية هي القاضي، والمبرمج هو الحاكم، يصبح كل ما يُعرض علينا حقيقةً وفقًا لرغبة من كتب الكود.
النتيجة: الحقيقة لم تعد تُكتشف، بل تُصنع.
ديكتاتورية بلا سجون
في الديكتاتوريات القديمة، كانت السلطة تُخرس الأصوات.
أما اليوم، فهي تغرقك بالأصوات حتى لا تسمع شيئًا.
تمنحك الحرية الكاملة لتتحدث، لكنها تتحكم في مدى انتشار صوتك، وفي ترتيب ما تراه على الشاشة.
المنع أصبح أنيقًا، والمراقبة أصبحت ذكاءً.
وهكذا وُلدت الديكتاتورية الرقمية — بلا شرطة ولا محاكم، بل بواجهة سوداء مكتوب عليها: Grok is thinking...
ماسك.. الحاكم الذي لا ينتخب
قد لا يترشح ماسك رسميًا للرئاسة الأميركية، لكن مشروعه السياسي أوسع من المقعد البيضاوي نفسه.
فهو يبني الدولة الخوارزمية التي تتجاوز الحدود والدساتير، حيث تكون السلطة في يد من يتحكم بالبيانات لا بالصناديق الانتخابية.
كل تغريدة، وكل تحليل، وكل “حقيقة” يقدّمها Grok هي لبنة في هذه الإمبراطورية الجديدة.
الخلاصة
ماسك لا يبحث عن الحقيقة كما نعرفها، بل عن نسخته الخاصة منها.
هو لا يرى الواقع كما هو، بل كما يريد أن يراه.
وفي عالم تُدار فيه العقول بالذكاء الصناعي، يصبح أخطر أشكال الاستبداد هو ذاك الذي يقنعك بأنك حرّ.

**عن الكاتب
: د. نهاد رفيق السكني باحث في الأمراض الوراثية وخبير في المعلوماتية الصحية، مهتم بالكتابة الفلسفية والطبية والسياسية. لديه خبرة في تطوير النظم الصحية ضمن وزارة الصحة الفلسطينية في فلسطين. يركّز في كتاباته على موضوعات مثل هندسة الجينات، المعلوماتية الصحية، الذكاء الاصطناعي، السياسة، والتاريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشباب لا يُقبلون على قطاع الزراعة في أوروبا: أمن القارة في


.. ما هدف إسرائيل من بناء جدار -يتخطى- الخط الأزرق؟




.. أندونيسيا أول دولة تعلن مشاركتها في قوة حفظ السلام في غزة


.. هل يشكل الموقف الإماراتي نقطة تحول في صياغة الحل في السودان؟




.. سياسة-مونرو-.. هل تعود واشنطن لهذه العقيدة بنسخة جديدة؟