الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
نصوص هايكو بقلمي وبضيافة الأديبين الناقدين الدكتور عادل جوده والأستاذة رانية مرجية
فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)
2025 / 11 / 4
الادب والفن
نصوص هايكو
خسوف القمر~
يحذر جدي بالجفاف،
شحت الغرانيق!
___
السماء
تمارس جمع الدجى،
مواكب الغيم!
___
شمس حارقة
تلهث بحجة السقاية،
زهرة العباد!
___
مخزن الأفراح
يكتمل بلمة الأحبة،
ثنايا الروح!
___
شاطئ مهجور
تتراكم الهموم عليه،
سكون!
___
رفيف الحمام
لا زال في الذاكرة هديله،
زقزقات كلام!
___
قصيدة عشق
رعشة الكلمات في كفها،
مهب الورد!
فاطمة الفلاحي – فرنسا
قراءة أدبية بقلم الناقد الدكتور عادل جوده
أيتها النفوس المتأملة، والعيون التي تقرأ العالم بشغف، أقدم بين يديكم قراءة في باقة نصوص "هايكو" للشاعرة فاطمة الفلاحي، التي استطاعت بقلمها الرشيق أن تنقل هذا الفن الياباني العريق إلى رحابة اللغة العربية، حاملةً معها روح التأمل والصورة المركزة واللمسة الإنسانية العميقة.
🌟 الطبيعة: مرآة الوجود الإنساني
تقوم فلسفة الهايكو التقليدية على التقاط "لحظة" من الطبيعة، عابرة لكنها دالة، لترمز إلى حالة إنسانية أو فلسفية. وهذا ما تبرع فيه الشاعرة، فهي لا تصف الطبيعة لذاتها، بل تجعلها مرآة تعكس فيها هواجس النفس وأصداء الروح. انظروا إلى نصها الأول:
خسوف القمر~
يحذر جدي بالجفاف،
شحت الغرانيق!
هنا، لا يظهر "خسوف القمر" كظاهرة فلكية فحسب، بل هو إيذان بتحول كبير. الحكمة الشعبية ("جدي") تربط بين هذه الظاهرة السماوية والنذر الأرضية ("الجفاف"). والصورة المأساوية تتكامل مع اختفاء طيور "الغرانيق"، التي ترمز للحياة والحركة، لترسم مشهداً كاملاً للقحط والانتظار والقلق الوجودي. إنه هايكو يجمع بين الأسطورة والواقع، وبين السماء والأرض، في نسيج واحد متماسك.
🕊الصورة الحيّة: حيث يتنفس السكون
من أعظم ما تمتلكه قصيدة الهايكو هو قدرتها على خلق صورة حيّة تتنفس أمام القارئ، حتى في لحظات السكون التام. يقول النص:
شاطئ مهجور
تتراكم الهموم عليه،
سكون!
إن "الهموم" هنا ليست مجرد تجريد، بل هي كالأمواج الخفية التي تتراكم كالحطام على ذلك الشاطئ الخالي. الشاعر لم يقل "يشعر بالهم"، بل جسد الهم وجعله كياناً مرئياً يتراكم في الفضاء. وكلمة "سكون!" المفردة في آخر النص، ليست انعداماً للصوت، بل هي صفة لذلك الشاطئ، بل هي الصوت الوحيد المسموع، صوت الثقل والانتظار والوحدة. إنه صمت له رنين خاص في النفس.
💫 الذاكرة: موسيقى لا تتبدد
تمتلك الشاعرة حساسية فائقة تجاه الذاكرة وأصدائها، فهي تستحضر الماضي لا كشيء انقضى، بل كحاضر مستمر يؤثر في الوجدان. انظروا إلى هذا النص الرائع:
رفيف الحمام
لا زال في الذاكرة هديله،
زقزقات كلام!
إن "الرفيف" هو حركة الجناح، صورة بصرية خاطفة.
ولكنها تنتقل بنا فوراً إلى الصورة السمعية، "هديله" الذي لا يزال حياً في قاعة الذاكرة.
ثم تأتي المفاجأة الشعرية: "زقزقات كلام!"، حيث يتحول الهديل العذب إلى استعارة جميلة للحوار الإنساني الحميم، وكأن أحلى الكلام هو ما يشبه هديل الحمام في براءته وطبيعته. إنها ذاكرة تحول الصوت إلى عاطفة، والطير إلى معنى.
🌾العشق: رعشة تبحث عن مهب
ولا يغيب الحب، هذا الموضوع الأبدي، عن عالم شاعرتنا، لكنها تقدمه بعيداً عن المباشرة والخطابية:
قصيدة عشق
رعشة الكلمات في كفها،
مهب الورد!
إن "قصيدة العشق" هنا ليست مجرد كلمات مكتوبة، بل هي كيان حي.
"رعشة الكلمات" ليست خوفاً، بل هي ذلك الارتعاش الجميل الذي يصاحب لمسة المحبوب، إنها كلمات تحولت إلى نبض.
وصورة "الكف" توحي بالقرب والقدرة على الاحتواء.
ثم تأتي الصورة الختامية الآسرة "مهب الورد!"، أي المكان الذي تنتشر فيه رائحة الورد. إنه استعارة لجو العشق نفسه، للفضاء الذي تتنفس فيه القصيدة، حيث العطر والجمال والحنين.
إنها ليست قصيدة عن العشق، بل هي العشق نفسه في شكل قصيدة.
🍁خاتمة: لغة الومضات والروح
لقد نجحت فاطمة الفلاحي، بشاعرية مرهفة، في استيعاب روح الهايكو دون أن تكون نسخة مقلدة. لقد استخدمت اللغة العربية في أبهى حليها: موجزة، موحية، غنية بالدلالات. نصوصها ليست مجرد مشاهد طبيعية جميلة، بل هي تأملات وجودية في علاقة الإنسان بالكون، بالذاكرة، بالحبيب، وبالقلق الذي يسكنه.
إنها تذكرنا بأن الجمال يكمن في التفاصيل الصغيرة، وفي اللحظات العابرة التي قد لا نلقي لها بالاً.
إنها تدعونا إلى التوقف، إلى التأمل، إلى قراءة العالم بعين القلب قبل عين البصر.
وفي ذلك كله، تثبت أن الشعر الحقيقي هو ذلك الذي يستطيع بقدرة الومضة أن يضيء مساحات شاسعة من الروح.
فحمداً لله على هذه الأنفس الشاعرة التي تروي ظمأنا إلى الجمال، وتعيدنا إلى جوهرنا الإنساني في زمن ضجيجي ينسينا التأمل.
تحياتي واحترامي🌸
قراءة ثانية بقلم الناقدة رانية مرجية
هايكو فاطمة الفلاحي: جمال الومضة وبلاغة الصمت
في زمنٍ تكثر فيه الضوضاء وتتشظى اللغة بين الإفراط والابتذال، تأتي نصوص الهايكو للشاعرة فاطمة الفلاحي كجرعة صفاء نادرة، تعيدنا إلى أصل الشعر: إلى الومضة التي تضيء الروح، لا الصفحة. سبع لوحات قصيرة تتنفس داخلها الطبيعة والإنسان والذاكرة، في علاقة تتماهى فيها العناصر، فلا نعرف أين تنتهي الأرض وتبدأ الروح.
الطبيعة كمرآة للروح
في “خسوف القمر~ يحذر جدي بالجفاف، شحت الغرانيق!”، نسمع الصوت العميق للأجداد، حاملاً حكمة الأرض وتحذيرها الأزلي. القمر هنا ليس جرمًا فلكيًا بل كائن حيّ يتنفس القلق الإنساني، والغرانيق ليست طيورًا فقط، بل رموز للأمل الذي يجفّ حين يجفّ الحلم.
الفلاحي توظف الصورة الطبيعية بوصفها ذاكرة جماعية، حيث الجد ليس فردًا بل ذاكرة أمة تخاف من انقراض المطر ومن غياب الغناء.
السماء.. معبد للدهشة
في نصّها “السماء تمارس جمع الدجى، مواكب الغيم!”، تتحول السماء إلى كائن فاعل، تجمع الظلمة كما يجمع الشاعر الحروف ليصوغ القصيدة. الجمال في هذا النص يكمن في الأنسنة الدقيقة للطبيعة، وفي الاقتصاد اللغوي الذي يتيح للمتلقي أن يتأمل المشهد بصمت مهيب.
الأنوثة والظمأ
“شمس حارقة تلهث بحجة السقاية، زهرة العباد!”
نصّ يفيض بالرمز، حيث الشمس تتعرّف إلى نفسها في زهرة العباد — بينهما علاقة عشق ولهاث واحتراق. الأنثى في هايكو الفلاحي ليست كائنًا هامشيًا؛ بل هي مركز الكون، تحيا لتضيء، وتظمأ لتزهر. هذا الهايكو يختصر فلسفة الحياة: أن لا حياة بلا عطش، ولا نور بلا ألم.
الذاكرة والحميمية
في “مخزن الأفراح يكتمل بلمة الأحبة، ثنايا الروح!”، تستعيد الشاعرة دفء اللقاء الإنساني في زمن الغربة. المفردات مألوفة لكنها تصاغ بوعي شعري يجعلها تتجاوز اليومي إلى الكوني.
بينما في “رفيف الحمام لا زال في الذاكرة هديله، زقزقات كلام!” نلمح حنينًا شفيفًا إلى البدايات، إلى طفولة اللغة والمكان، إلى تلك اللحظات التي كان فيها للحمام هديل يتسرب إلى القلب لا إلى الجدار.
العزلة والسكون
“شاطئ مهجور تتراكم الهموم عليه، سكون!”
ها هنا تبلغ البساطة ذروتها. ثلاث كلمات تُقيم عالمًا كاملًا من العزلة. الشاطئ مرآة للذات، والهموم رمالها، أما السكون فهو النتيجة الحتمية لكل هذا التراكم. إنها قصيدة صمت، تتحدث عن الانكفاء الداخلي ببلاغة الحذف لا بوفرة القول.
العشق كارتعاشة وجود
الهايكو الأخير “قصيدة عشق رعشة الكلمات في كفها، مهب الورد!” يختتم هذه المجموعة وكأنه خاتمة صلاة. الكلمات ترتعش لا لأنها ضعيفة، بل لأنها مفعمة بالدهشة. الورد ليس مجرد رمز للحب، بل هو مهبّ القصيدة، المكان الذي تنبت فيه اللغة من عطر ووجع في آن.
خاتمة
تكتب فاطمة الفلاحي هايكوها بعين شرقية ترى في الطبيعة امتدادًا للروح، وبذائقة عالمية تمزج الحس الصوفي بالوعي البيئي. نصوصها تشهد على أن القصير قد يكون أعمق من المطوّل، وأن الهايكو ليس فنًا يابانيًا فحسب، بل هو أيضًا نبض إنساني متجدد في لغات العالم كافة.
قصائدها تذكّرنا أن الشعر العظيم لا يُقاس بعدد الأسطر، بل بعمق الأثر.
#هايكو_عراقي
#فاطمة_الفلاحي
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ 46 بعرض فيلم ال
.. من هو أحمد تيمور خليل الذي خطف قلب برنسيسة الوسط الفني؟!
.. -الحياة فيها لعبة ومافيش تعبان لدغني??-.. لعبة السلم والتعبا
.. الفنانة المصرية مي عز الدين تزفّ لجمهورها خبر زواجها من أحمد
.. مي عز الدين تعلن عقد قرانها من خارج الوسط الفني