الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مدينة بلا آلهه _ الجزء السادس و الأخير
علا مجد الدين عبد النور
كاتبة
(Ola Magdeldeen)
2025 / 11 / 4
الادب والفن
قبل إسبوع ....
كان الممر الضيق ينتهي إلى حجرة منحوتة في صخرٍ رطب، سقفها منخفض كأنها تحني رأسها احترامًا لشيخٍ يسكنها.
الهواء ثقيل، تفوح منه رائحة الشمع المحترق والرطوبة والورق العتيق.
الكتب تملأ المكان بلا نظام؛ مكدّسة فوق بعضها، تتكئ على الجدران، تتراكم فوق منضدة خشبية أكلها العفن.
وسط هذا الخراب يجلس إليعازر، شعره الرمادي المنسدل يلامس كتفيه، ويداه ترتجفان وهما تقلّبان أوراقًا صفراء، كأنها آخر ما تبقّى له من العالم.
كل شيء في الغرفة يوحي بالزوال… إلا الشموع. كانت ترفض أن تنطفئ.
القديس..
الجو ساكن ، لا صوت سوى قطرات الماء التي تسقط من سقف النفق بانتظام. ماريا تفتح عينيها بصعوبة، رأسها يؤلمها، تشعر ببرودة الأرض الحجرية تحتها.
ماريا (بصوت مبحوح):
أين أنا…؟
تحاول النهوض، لكن يد العجوز تبقيها ثابتة
إليعازر:
لا تتحرّكي ، لازلت تعانين الدوار من أثر الضربة على رأسك .
نظرت إليه بعينين زائغتين. وجه تغزوه التجاعيد بوقاحة ، عيون رمادية تعلو وجهاً هزيلاً كصاحبه .
ماريا:
من أنت؟ ولماذا جئت بي إلى هنا؟
قدم لها بعض الماء ثم أجاب : إسمي إليعازر:
أنا… كنت طفلًا… حين احترقَت المدينة…
كان ذلك منذ خمسين سنة أو ربما أكثر، رأيت أبي يُقتل بيدِ صديقه ، ورأيت الجيران يذبحون بعضهم باسم الله، كل يدافع عن عقيدته وربه .
(نظر إليها، بعينين دامعتين) :
منذ ذلك اليوم… أقسمت أن أُطفئ النار، حتى لو اضطررت إلى اقتلاع الشر من جذوره.
ماريا:
لكنّ الشر ليس في الكلمات… بل في القلوب.
( إقترب منها بنفاذ صبر وبصوته مرتجف):
القلب… يتعلّم من الكلمة يا ابنتي.
إذا بقيت الكراهية في النص، ستبقى في الصدور، إذا آمن الجميع بأن الله يأمر بالقتل في آياته وكتبه فكيف سيقتنعون بسلام بشري الصنع ؟!
ماريا: إذن لقد خطفتني من أجل نسخ الكتب المقدسة ؟!
إيعازر (بغضب محموم):لا تذكّريْني بتلك النسخ!
سنوات وأنا أمحو العنف منها، وأنتِ جئتِ لتُعيديه!
ماريا: هل تعمل على تحريف كتب الله .
(يصمت… نظرته تتكسّر، ووجهه يلين. تلمع دمعة على خدّه.)
إليعازر: ليست كتباً من الله .. الرب لا يأمر بالقتل ! ، وإن كانت من الله فأنا على إستعداد أن ألقى في الجحيم جزاء ما فعلته ولكن صدقيني لم أعُد أحتمل رؤية الدماء.
(تهتز الشموع فجأة مع تيار هواء من عمق النفق… ينعكس ضوءها على وجهه فيبدو كأنه قديس سقط من الفردوس إلى العتمة الأرض)
مشروع إنسان ...
(مرّت ساعة منذ أفاقت ماريا . الألم تلاشى .
جهز إليعاز لهما مائدة صغيرة: قطعة خبز قديمة مقطوعة إلى شرائح وحساء من عدسٍ .
تناولت عشاءها بصمت بينما تلتهم عقلها الأسلة. انهى إليعازر طعامه ووضع يديه على ركبتيه، وقال :
الفضول يأكلك ، سأخبرك بما تريدين معرفته.
ماريا (بصوت هادئ):
أقولك يا إليعازر… أنا عايزة أسمعك. عايزة أفهم.
إليعازر:
أبي كان واحد من قلائل آمنوا أن الله محبة.
و سلام حتى وإن ادعت كتبه السماوية غير ذلك .
معمل أبي وبعض الحكماء على فكرة غريبة ، تقوم على محو أو تعديل النصوص التي تولد
الكراهية، ومع الوقت سيخلقون جيل جديد لا يعرف العنف ولا الدم.
لكن الحرب الأهلية لم تملهم الوقت لتنفيذ فكرتهم ، عندما أصيب أبي في هذه الحرب سحبني بسرعة ودفنني في هذا النفق ، كان قد جهزه من قبل بكل ما قد أحتاجه، وقال لي: "اقرأ. احفظ. لما تكبر، هتعرف تحفظ الناس من نفس النصوص اللي قتلتنا."
و بعد موته ، كبرت أنا في النفق، ومعي
مذكرات أبي ، قرأت كل الكتب المقدسة.
ثم عملت على محو وتغيير آيات القتل والعنف والكراهية .
ماريا (بإعجاب شديد):
وانهيت كل هذا العمل بمفردك!
إليعازر:
عندما علمت أن أحدهم وجد نسخة أصلية من الكتب إنتابني الخوف ، وعندما علمت أنها بهوزتك أصابني الخوف ، "نسخة في يد حد زيك شابة هوجاء مندفعة"، تحول خوفي إلى رعب .. رعب من أن تبيعي هذه النسخة مقابل بعض المال ، أو أن تسلميها بسذاجة لرئيس المدينةو ينهار كل ما عملت عليه لسنوات، فتشعلين نار الفتنة من جديد.
ماريا:
فعأولاً أنا لست هوجاء يا جدو!
ثم إنني لست جبانة حتى أسلم الكتب لأي مخلوق حتى لو كنت أنت برسالتك النبيلة، مع إني لا أرى في ضربك وخطفك لي أي نبل، "بس يالا المسامح كريم يا جدو!".
ابتسم إليعاز بمراره واحتضن يدها:
أنا آسف يا ابنتي .. والآن بعد أن سمعتي قصة هذه الكتب وما تحمله من تدمير ، ماذا ستفعلين ؟
ماريا : رغم أنك ضربتني وخطفتني ولكني شاكرة هذه الصدفة الغريبة... إليعاز لقد أنقذتنا جميعاً!! .
طالعها بوجه حائر غابت عنه حكمته ، إبتسمت إليه وتابعت :
عندك شاي في هذه الحفرة ولا أخرج أشتري من بره!.
أومأ بالإيجاب فقالت: عندي خطة ستحل كل هذه المشاكل سأقولها لك ونحن نشرب الشاي
بعض الأسرار يجب أن تبقى أسراراً
في الوقت الحالي،،
أشرقت الشمس على الغابة الهادئة، كان الندى يلمع فوق أوراق الأشجار مثل دموعٍ صغيرة تودّع ليلًا مراً طويلاً.
جلست ماريا قرب النار الباهتة، تحدّق في اللهب الذي بدأ يخبو ببطء. إلى جوارها كان موسى يتهيّأ لإعداد الإفطار، بينما غفلت ديجا للحظاتٍ قبل أن تستيقظ على رائحة الخبز الساخن.
ديجا: صباح الخير يا داهية! ، كيف تمرين بكل هذا وحدك دون أن تخبرينا؟
ماريا: لم أكن وحدي ، كنتما معي و إليعاز أيضاً ، لولا نسخ الكتب المعدلة التي أعطاني إياها ما كنا قد نجونا من قبضة رئيس المدينة .
أومأ موسى، وعيناه تتجهان نحو الأفق:
لو وصلَت الكتب الأصلية إلى الشارع ، لعادت المدينة إلى ذاك الزمن الذي يقتل فيه الناس بعضهم بعضاً باسم الاله.
اجتاحهم صمت ثقيل يشبه صلاةً بلا كلمات. ثم نهضوا معًا، وتوجّهوا نحو أعماق الغابة.
هناك، عند جذع شجرةٍ عتيقة، حفرت ماريا الأرض بيديها. أخرجت الكتب واحداً تلو الأخرى، غلّفتها بقطعة قماشٍ رمادية، ثم وضعتها في الحفرة كما يُدفن سرٌ لابد له أن يبقى سراً.
قالت وهي تهيل التراب:
ليس خوفًا من الحقيقة ندفنها... بل خوفًا من أن تُستخدم ضدّ الحياة.
حين انتهوا، بقوا صامتين للحظة ، ينظرون إلى التربة التي ابتلّت بالندى، وكأنها احتضنت شيئًا لا ينبغي أن يُقال.
صفقة خاسرة!!
بينما كانت الغابة تحضن سرها في سلام
كانت خيبة الأمل تخرج لسانها لرئيس المدينة الذي تربع على الأرض وسط الكتب القديمة، ووجهه متجهم كمن خُدع في صفقة عمره.
رئيس المدينة (بضيق):
الكتب لا تحمل آيات تُأجّج العنف، ولا تمنح أي سلطة للحكام... يا محمد، ما هذه الهرطقة؟!
محمد مساعده، يرفع حاجبيه بخوف:
يبدو أنها كذلك يا سيدي منذ البداية، نحن لم نقرأ الكتب المقدسة من قبل. أسند رئيس المدينة ظهره إلى الجدار، و هو يمسح العرق عن جبينه، قبل أن يتمتم في ذهول:
"إذا كانت الكتب لا تشكّل خطرًا عليهم ... فلماذا هرب هؤلاء المجانين؟!"
صمت للحظة، ثم التفت الى مساعده بحدة:
"هاتلي فنجان قهوة يا محمد ... محتاج أقرأ الكتب تاني!
محمد (يخرج هامساً): الولاد هما اللي مجانين ولا انت؟!!.
مدينة بلا آلهه
كان البحر ممتدًا بلا نهاية، يشبه وعدًا لم يُكتب بعد.
وفي الميناء رست سفينة صغيرة تهتزّ مع الموج، بينما الريح تعزف لحنًا يشبه الحرية. صعد العاشقين السفينة ، بينما وقفت ماريا تنتظر بقلق .
لاحت منها إبتسامة رضا عندما وجدته يقبل من بعيد .. إليعازر العجوز المحب .
إنطلقوا يضربون أمواج البحر مبتعدين عن مدينتهم التي أكلها الكره .
سألت ديجا وهي تمسك بيد موسى:
إلى أين سترسو بنا هذه السفينة؟
ابتسم موسى، وقال وهو يحدّق في عينيها:
سفينتي رست منذ وجدتُكِ... ما دمتُ معكِ، لا يهمّ الميناء.
ضحكت ماريا، وصوتها امتزج بصوت الموج:
"ولا يهمّني أنا أيضًا، ما دمتُ مع صديقي القديمين وصديقي الحكيم العجوز ، سنعيش في أي مدينة .
ابتسم إليعازر إليهم، ثم إلى البحر الممتد أمامه، وقال: "المهم أن تكون مدينة بلا آلهة."
تمت
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ 46 بعرض فيلم ال
.. من هو أحمد تيمور خليل الذي خطف قلب برنسيسة الوسط الفني؟!
.. -الحياة فيها لعبة ومافيش تعبان لدغني??-.. لعبة السلم والتعبا
.. الفنانة المصرية مي عز الدين تزفّ لجمهورها خبر زواجها من أحمد
.. مي عز الدين تعلن عقد قرانها من خارج الوسط الفني